زوعا اورغ/ وكالات
يبدو أن المباحثات بين الحكومة المركزية العراقية وسلطات إقليم كردستان دخلت منعطفاً حادّاً بسبب الخلافات العميقة والمتعددة الجوانب بين الطرفين على الرغم من سعي بعض الجهات الخارجية ومن بينها الأمم المتحدة للضغط على رئيس الوزراء حيدر العبادي لإقناعه بإجراء هذه المحادثات.
وخلال الأيام القليلة الماضية قام رئيس حكومة إقليم كردستان “نيجرفان بارزاني” ونائبه “قباد طالباني” بزيارة إلى كل من فرنسا وألمانيا لإقناع المسؤولين في هاتين الدولتين – على ما يبدو – بالتوسط لدى الحكومة العراقية وشخص العبادي للقبول بإجراء المحادثات مع أربيل لحل الأزمة العالقة بين الجانبين.
وتزامنت هذه التطورات مع التظاهرات الشعبية التي تشهدها كردستان احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الإقليم، الأمر الذي زاد من الضغوط على المسؤولين هناك لإجراء محادثات مع بغداد للتوصل إلى حلول للأزمات المستعصية في الإقليم.
وكان نيجرفان بارزاني قد وجّه رسالة إلى العبادي يدعوه فيها إلى الحوار المباشر، معرباً عن اعتقاده بأن الأزمة القائمة بين الإقليم وبغداد لايمكن حلّها عن طريق التصريحات الإعلامية أو المؤتمرات الصحفية.
كما وجّه الرئيس العراقي “فؤاد معصوم” رسائل منفصلة إلى العبادي و”نيجرفان بارزاني” والأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” يدعوهم فيها إلى الإسراع بإجراء محادثات بين أربيل وبغداد، وهذا الأمر يكشف بوضوح عمق الأزمة بين الجانبين.
ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع نشير إلى الشروط التي وضعها العبادي لإجراء المحادثات مع أربيل، والظروف التي يعيشها إقليم كردستان والتي يمكن من خلالها معرفة حجم الصعوبات التي يواجهها مسؤولو الإقليم للخروج من هذه الأزمة.
شروط العبادي
وضع العبادي 13 شرطاً لإجراء المباحثات مع حكومة الإقليم يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
– التأكيد على ضرورة التمسك بوحدة البلاد والدستور واحترام سيادة الحكومة الاتحادية.
– إلغاء “استفتاء الانفصال” الذي أجراه الإقليم في 25 أيلول/سبتمبر بشكل رسمي وصريح، وليس تجميده.
– تسليم جميع المنافذ الحدودية والمطارات في كردستان للسلطة الاتحادية.
– تسليم واردات الإقليم النفطية وغير النفطية وواردات الجباية والرسوم لمؤسسات الحكومة في الإقليم للدولة في بغداد.
– تسليم كافة المطلوبين الموجودين في الإقليم إلى القضاء العراقي.
– العودة إلى الخط الحدودي الإداري لإقليم كردستان قبيل عام 2003 (أي قبل الاحتلال الأمريكي للعراق).
– ارتباط قوات البيشمركة بوزارة الدفاع العراقية الاتحادية.
– التعهد بعدم إيواء المطلوبين للحكومة المركزية.
– عدم سفر أي مسؤول حكومي كردي إلّا بموافقة الحكومة الاتحادية إسوة بمسؤولي الحكومة في بغداد.
– عدم استقبال أي مسؤول دولي إلّا بعد مروره في بغداد وموافقة الحكومة الاتحادية.
وتؤكد الحكومة العراقية أن هذه الشروط نابعة من الدستور، ويعد الالتزام بها من ضرورات حفظ أمن ووحدة وسيادة البلاد ويصب في تحقيق مصالحها العليا. وبمعنى آخر أنها ليست اجتهادات شخصية أو حزبية أو ما شابه ذلك.
الصعوبات التي يواجهها إقليم كردستان
– تدهور الوضع الاقتصادي خصوصاً بعد تدني أسعار النفط الذي يعد من الموارد الرئيسية للإقليم.
– التنافس السياسي الحاد بين الأحزاب الكردية الرئيسية في الإقليم.
– معارضة أحزاب كردية من بينها حركة التغيير “كوران” و”الاتحاد الإسلامي الكردستاني” لحكومة نيجرفان بارزاني، وانضمامها للمتظاهرين المطالبين بتغيير الأوضاع في الإقليم.
– الفساد الإداري والانتهاكات القانونية من قبل العديد من المسؤولين في الإقليم.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن إجراء “استفتاء الانفصال” في الإقليم قبل ثلاثة أشهر رغم معارضة الحكومة العراقية وبلدان الجوار والمجتمع الدولي كان يهدف في الأساس إلى حرف الأذهان عن المشاكل المتفاقمة في الإقليم في شتى المجالات.
هذه المعطيات وغيرها تؤكد بما لايقبل الشك بأن الإقليم يواجه أزمات حقيقية تحول دون تمكنه من فرض شروط مسبقة لإجراء مباحثات مع حكومة العبادي على عكس الأخيرة التي خوّلها الدستور صلاحيات لفرض هيبتها وتطبيق القانون في كافة أنحاء العراق وفي كافة الميادين.
ومما زاد في حراجة الموقف بالنسبة لمسؤولي إقليم كردستان هو تمكن الحكومة العراقية من فرض سيطرتها على محافظة كركوك الغنية بالنفط، الأمر الذي أضعف كثيراً إمكانية فرض شروط من قبل الإقليم على الحكومة المركزية التي باتت تمسك بزمام الأمور بقوة القانون وتأييد شرائح كبيرة من المجتمع العراقي لإجراءاتها للحدّ من إمكانية تفرد الإقليم بالكثير من القرارات التي تهم كافة مكونات الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه وفي مختلف المجالات.
والمؤمل أن تكون لدى حكومة الإقليم الإرادة الكافية لترجيح مصالح البلاد على المصالح الحزبية والفئوية، لأن الدستور العراقي يوجب ذلك من جهة، كما أن ظروف الإقليم لاتسمح بالتفرد بالقرارات المصيرية من جهة أخرى، بالإضافة إلى أن العراق بحاجة ماسة للاستقرار السياسي كي يتمكن من تجاوز أزماته الاقتصادية والمخاطر الأمنية رغم الانتصارات الباهرة التي حققتها القوات الامنية والحشد الشعبي والتي تمكنت من الحاق هزائم مرّة بالجماعات الإرهابية والتكفيرية لاسيّما “داعش” وتحرير جميع المدن والمناطق التي كانت تحت سيطرته في السابق.