بتاريخ 25 نيسان من هذا العام نشرت اللجنة المركزية للحركة الديموقرطية الآشورية المعروفة بـ “زوعا”، رؤيتها السياسية عن كيفية تحقيق الشراكة القومية في إقليم “كوردستان العراق” ، ونشرت في العديد من وسائل التواصل الإجتماعي ومنها موقع زوعا الإلكتروني:
(www.zowaa.ogr)،
https://zowaa.org/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-
تؤكد هذه الرؤية بأنها مختصة على إقليم “كوردستان العراق” فقط، على أن تليها في القريب العاجل الرؤية السياسية للحركة الديموقراطية الآشورية في عموم العراق. وبينما نحن بإنتظار هذه الرؤية القادمة عن عموم العراق، فإنه تكونت لدينا قناعة بأنها سوف لا تختلف من جهة أو بآخرى عن الرؤية السياسية عن كيفية تحقيق الشراكة القومية في إقليم “كوردستان”. لأن المنطق يؤكد، أولا: بأن نوع الحقوق السياسية وحجمها، بما فيها الثقافية والإجتماعية والدينية، هي نفسها سواء أكانت في الإقليم أم في المركز، مع إختلاف في مشكلة الإستيلاء على الأراضي والممتلكات. وثانياً: أن انتهاك هذه الحقوق، وبشكل سافر لا يأتي إلا من السلطة السياسية التولتارية وأتباعها المتنفذين، سواء أكانوا في شمال الوطن أم في وسطه أم في جنوبه، لأن هذا الاستبداد هو ديدن الأكثرية المهيمنة على هياكل الدولة والمتسلطة على الأقليات.
لذلك لم يعد الإنتظار لرؤية “زوعا” القادمة عن عموم العراق نفعاً طالما ستكون بمثابة تكرارا للرؤية الأولى، ليس من ناحية النوع، بل من حيث كميتها أو حجمها ومدى علاقة شعبنا “الكلداني السرياني الآشوري” ومشاركته مع هذه الجهة أو تلك. فالاستبداد هو هو ينتشر إنتشار “الوباء الكوروني” بين السلطات التولتارية، والضحية عادة تكون المجموعات غير المتحصنة بالقوة السياسية والإقتصادية والعسكرية.
فهذا الأمر، هو الذي يدفعنا للبدء بإطلال رأسنا من نافذتنا الجيوبوليتكية على رؤية زوعا عن كيفية تحقيق الشراكة القومية في “إقليم “كوردستان” لنستخلص منها بعض الملاحظات من بين سطورها الكثيرة، والتي ليست إلا جزءا بسيطا جداً من سطور تاريخ وواقع معاناة شعبنا “الكلداني السرياني الآشوري” في وطنه الأم، ومن دون تتبع سطورها الكثيرة، و إبداء ملاحظتنا عنها، لأنها وللحق هي تعبير صادق عن الواقع السياسي القومي المأساوي لشعبنا في أرض الوطن ومعبرة كامل التعبير عن معاناة هذا الشعب،. مؤكدين في نفس الوقت بأن غياب الديموقراطية الحقة للمشاركة في الحياة السياسية هو المصدر الأول والأخير لهذه المأساة التي تنهال على شعبنا من جميع الجوانب الفكرية والثقافية والإجتماعية والديموغرافية والجغرافية.
وحتى نتجنب الأسلوب الروتيني في متابعة سطور الموضوع والتحقيق فيها وتحليلها أو نقدها، فإننا سنتطرق للموضوع من جانب آخر يقوم على البحث في طبيعة طرفي المشكلة، وهما حكومة إقليم كوردستان وبرلمانها وأحزابها السياسية المتنفذة كالحزب الديموقراطي الكوردستاني (البارتي) وغيره باعتبارهم الطرف المهيمن على مقدرات الإقليم من جهة، والمكون أو الأقلية “الكلدانية السريانية الآشورية”، ممثلة بالحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)، تحديداً وليس حصرا، من جهة أخرى.. وبعبارة أوضح، نستشف من نظرة “زوعا” في تحقيق الشراكة القومية في إقليم “كوردستان” في كون (زوعا) الطالب لتحقيق المشاركة، و(البارتي) هو المطالب لتحقيق هذه المشاركة.
من هذا المنطلق في تحديد طرفي المشكلة بين الطالب والمطالب، يستوجب علينا أن نفهم موقع كل طرف وقوته وتأثره بالعوامل الداخلية والإقليمية والعالمية ومن ثم معرفة دور ومدى إمكانية تحقيق هذه المشاركة السياسية وفق النظرة الجيولوتيكية لكلا الطرفين.
الجيوبوليتك أو الجغرافيا السياسية (Geopolitics) مصطلح يتكون من كلمتين السياسة والجغرافيا. وهو فرع مهم من فروع علم السياسة، يدرس تأثير الجغرافيا أو الأرض بجميع تضاريسها البرية والبحرية وموقعها وثرواتها وحجم السكان وتطوره الثقافي والفكري ومدى تأثير ذلك على سياسة البلد الداخلية والخارجية. فبالنسبة للمطالَب المتمثل في (البارتي) باعتباره المؤثر الرئيسي على الساحة السياسية للإقليم، فإن قيادته تدرك كامل الإدراك بأن الإستقلال النسبي لإقليم “كوردستان العراق” محكوم بجملة عوامل تاريخية وموضوعية، سياسية إقليمية ودولية جلعت من شعبه، وبالأخص أكثريته المتمثلة في الكورد، أن يكونوا القومية الوحيدة في العالم وبأكثريتها البالغة تقريباً خمسة وعشرون مليونا متوزعون بين أقطار مختلفة عنهم قومياً كإيران وتركيا وسوريا وأذربيجان وطبعاً العراق أيضاً موضوع هذه المسألة، ومن دون أن يكون لهم دولة قومية خاصة بهم. ومرد ذلك هو العامل الجغرافي الحاسم، العدو اللدود للكورد في هذه المسألة والذي يتمثل في كبس الإقليم وحصره جغرافياً بين أربع دول مختلفة عن الكورد قومياً وربما أيضا طائفيا ولها هاجس حساس جداً ومقلق لهم من إستقلالية الإقليم ومدى تأثير هذا الإستقلال على أكرادهم. مضافاً إلى ذلك كون الإقليم منطقة قارية، أي لا واجهة بحرية له يطل عليها وينفتح على العالم الخارجي، وهو العامل الجغرافي المهم جدا في تحديد سياسات الكثير من دول العالم. ولكن من جهة أخرى، الطبيعة الجغرافية للإقليم خلقت له عامل إيجابي يتمثل في الحصانة الجبلية التي وفرت الحماية للإقليم ولشعبه طيلة عقود من الزمن. لقد كان مام جلال الطالباني قد أصاب كبد الحقيقة قبل عدة عقود من الزمن عندما قال “لا صديق للأكراد سوى الجبال”. ولكن اليوم وبإستعمال السلاح الكيمياوي والبايولوجي والمسيرات والصواريخ العابرة للقارات، لم تعد جبال الإقليم صديقا دائما للكورد. وهذا ما أثبته التاريخ السياسي للإقليم أثناء جرائم الأنفال لنظام البعث البائد والإعتداءات الإيرانية والتركية المستمرة على الإقليم.
من هنا، وبسبب غياب هذا الصديق الجبلي الجيوبولوتيكي، يأتي العامل الدولي كعامل آخر مهم، وربما وحيد في التأثير على الأقليم وعلى إستقلالية شعبه والذي يتمثل في تعاطف بعض الدول الغربية الديموقراطية مع تطلعات الشعب الكوردي ومساندته في البقاء ومواجهة العامل الجغرافي، الدول المجاورة للإقليم، والحد من تأثيره على إستقلالية الإقليم وحماية شعبه.
ولكن كلنا نعرف بأن مثل هذا الموقف الدولي المتعاطف والمساند للإقليم مبنى على أساسين: أولهما وأهمها هو المصلحة الوطنية السياسية والإقتصادية لهذه الدول مع الإقليم في بقاءه بشكل مستقل ومستقر. ولكن من جانب آخر، تقريباً كلنا نتفق مع مقولة السياسي العتيد “ونستون تشرشل” رئيس وزراء بريطانيا الأسبق عندما قال “في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم… هناك مصالح دائمة”. إذن، من هذا المنطلق المثبت واقعيا في السياسة الدولية، لا يمكن أعتماد هذا التعاطف والمساندة من هذه الدول الغربية كعامل صداقة دائمة مع الإقليم وشعبه، بل تتحكم في هذ الصداقة عامل المصلحة. هكذا كانت من مصلحة إيران التخلي عن مساندتها للحركة الكوردية ومن ثم إنهيارها في منتصف السبعينيات من القرن الماضي ومن دون أن يتحرك أي من الدول الغربية التي كانت تساعد الحركة الكوردية بشكل أو بآخر. والحال نفسه كان أثناء جرائم الأنفال حينما كانت سموم الكيمياوي تمطر على شعب الإقليم والعالم الديموقراطية ساكناً متفرجاً على ألاف الضحايا. وبعبارة أوضح بأن إستقلال الإقليم وإستقراره مرتبط بالمصالح المتذبذبة لهذه الدول الغربية. والتاريخ أثبت هذه البديهية منذ نشؤ الحركة القومية الكوردية وربما قبلها.
ففي غياب العامل الجيوبولتيكي المؤثر، فإن العامل الدولي قد يفعل فعله في بعض الأحيان للتأثير على إستقلالية الإقليم وحماية شعبه والذي يتمثل في المبادئ الإنسانية والحقوقية التي تؤمن بها الدول الديموقراطية والتي قد تستغلها في بعض الأحيان لإحياء الأساس الأول “المصلحة” والإستفادة منه في تحقيق مصلحتها القومية.
من هذا المنطلق، يأتي مدى إستيعاب القيادة الكوردية في فهم مضامين “الرؤية السياسية في تحقيق الشراكة القومية في إقليم كوردستان العراق” التي طالب بها المكون “الكلداني السرياني الآشوري” المتمثل في “زوعا” تحديداً وليس حصرا، والتي تشكل هذه الرؤية، بحق وحقيقة، جزءا مهما من الحقوق القومية والإنسانية لهذا المكون والتي تهم هذه الدول الديموقراطية، سواء أكان اهتمامها فعلا نابعاً من إيمانها بحقوق الإنسان وحرية الأقليات القومية في الإقليم أو هو إستغلال لتحقيق مصالحها. ولكن في كلا الحالتين يشكل هذا الأمر عامل مؤثر وحاسم في استقلالية الإقليم وإستقراره والذي يصب وبالدرجة الأولى في مصلحة القوى المتحكمة في مقدرات الإقليم عند البحث في هذه الرؤية ومحاولة حل إشكاليتها ومن ثم تصب في مصلحة المكون “الكلداني السرياني الآشوري”. وإلا فإن استقلال الإقليم واستقراره سيرتكن تحت مجهر هذه الدول الديموقراطية وتستخدمه لتحقيق مصالحها وبالضد من مصالح الإقليم والمتحكمين فيه وبحجة إنتهاك حقوق الأقليات في الإقليم. وهو الأمر الذي قد يخلق فرصة لمختلف وسائل التواصل الإجتماعي للقيام باحتجاجات وإدانات ضد حكومة الإقليم والكورد والذي يخشاه المتنفذون في الإقليم لما يسبب ذلك من إساءة لسمعة ديموقراطيته وتأثير ذلك في علاقة الطرف الأول بالطرف الثاني للمعادلة أي “الكلدان السريان الآشوريين” وبصوتهم المتمثل بـ “زوعا” في هذه النظرة.
وقد يأتي حديث القيادي في “زوعا” “يوسب سميلي” في هذا السياق أثناء لقائه مع بعض أعضاء منظمة “كشرو” الشبابية القادمون من مختلف بلدان المهجر في ربيع عام 2023 عندما ذكر وقال بأنه سبق وأن ألتقى ببعض قادة البارتي الكبار والمسؤولين في الإقليم الذين أشتكوا وطلبوا منه “إسكات” الآشوريين الذين يسيؤون إلى حكومة الإقليم وإلى الكورد عبر وسائل التواصل الإجتماعي في بلدان المهجر. فرد عليهم يوسب سميلي قائلا: “عندما تسترجعون القرى والممتلكات التي تجاوز عليها الكورد وأستولوا عليها، حينذاك سنطلب منهم السكوت وعدم الإساءة للإقليم وللكورد. أما إذا بقى الحال هكذا فأنه لا نستيطع أن نطلب منهم السكوت”.
لسماع الحديث أنقر على:
https://www.facebook.com/100037046110458/videos/662686099255096
أما الطرف الآخر من المعادلة، أي الطالب لتحقيق مضامين هذه الرؤية وهم “الكلدان السريان الآشوريين”
والمتمثل في زوعا، مثلاً وليس حصرا، صاحب هذه الرؤية، فهو الآخر يحصد مع الطرف الأول، أي المطالَب، التأثيرات السلبية في فقدان العامل الجيوبولتيكي – الجغرافي – كنتيجة حتمية لتشاركهما في أرض الوطن. غير أنه يبقى له عامل مؤثر في “زحزحة” العامل الدولي للتأثير على الطرف الأول “المطالب” في تحقيق مضامن الروية السالفة الذكر.
صحيح هو أن هجرة أبناء الطرف الثاني “الطالب” بأعداد كبيرة نحو البلدان الديموقراطية والاستقرار فيها كمواطنين لهذه الدول هو ضعف جيوبولتيكي في أرض الوطن للطرف الثاني “الطالب”، إلا أن له جوانب إيجابية في التأثير على الجانب الأول “المطالب” لتحقيق مضامين هذه الروية لما له من منظمات نشيطة متعددة في بلدان المهجر تبرع في إستخدام سلاح الإنترنيت و “الفيس بوك” في المطالبة برفع الغبن السياسي بكل معناه الواسع عن شعبنا “الكلداني السرياني الآشوري” وضمان تحقيق الحقوق القومية له في أرض الوطن وتحديدا في “إقليم كوردستان”.
وبعكس ذلك فإن مضامين حديث القيادي في “زوعا” “يوسب سميل” ستستمر وتصل عبر “الساحر الإنترنيتي” إلى مختلف دول العالم وخاصة الدول المعنية بحماية حقوق الإنسان وضمان حقوق الأقليات وهي الدول الأكثر تأثيرا في السياسة الدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في المناطق غير المستقرة كما هو الحال مع الدول المحيطة بـ “إقليم كوردستان” العراق أو القريب منه.
من هذا المنطق الجيوبوليتيكي، سيكون تحقيق مضامين رؤية زوعا منفعة للجميع في إستقرار الإقليم وضمان تقدمه. ومن المؤكد سيكون للطرف الأول “المطالب” حصة الأسد من نتائج هذا الإستقرار فيما إذا فعلا أستوعب مضمون هذه الرؤية واضعا بعين الإعتبارا التضحيات الجسيمة التي قدمها الكلدان السريان الآشوريين للحركة القومية الكوردية، وبالتالي سيكون هذا الإستيعاب وتحقيق مضمون الرؤية منفعة للجميع. لا بل فأن الإعتراف بمضامين هذه الروية ومحاولة تحقيقها سوف تجعل الإقليم واحة ديموقراطية ونموذجا رائعاً لدول المنطقة. أما العكس فسيكون الجميع خاسرين حينئذ سيهلهل فرحاً المعادون لتطلعات شعب الإقليم سواء أكانوا من الكورد أو من الكلدان السريان الآشوريين أو من بقية مكونات الإقليم. فخيرات “إقليم كوردستان” كثيرة ومتنوعة وتكفي لجميع أبناء شعبه فيما إذا تم توزيعها بينهم ديموقراطياً ولكل واحد منهم حقوقه المشروعة وواجباته الملزمة.