زوعا اورغ/ – إيزيدي 24
لم يسلم أيّ موقع أثري وديني يعود للديانة الغير مسلمة من وحشية تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بتهديم وتفجير الكنائس والمزارات الدينية للأقليات في محافظة نينوى.
تعتبر كنيسة الطاهرة الكبرى من أكبر الكنائس في الشرق الأوسط وأهمّها عند المسيحيين لما لها تاريخ مهم يتركز على أنّ بنائها كان من بمشاركة جماهيرية واسعة من أهالي مدينة بغديدا.
استخدمها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” منذ سيطرته على مدينة بغديدا – مركز قضاء الحمدانية في السادس من آب 2014 مقرّا له بعد أن أحرقها بمادة السيفور وبعد ذلك جلب ( أشبال الخلاقة ) الأطفال الذين كان يدرّبهم على الأسلحة واستخدامها، حيث أصبحت باحة الكنيسة ميدانا للرماية وخاصة للأطفال كون الإطلاقات النارية كانت على مستوى أقل من المتر وهذا يعني أنّ الأطفال لم يستطيعوا التصويب جيّدا.
من بين جميع هذه المباني، فإن الأكثر رمزية هو الطاهرة (الحمل الطاهر)، بالإضافة إلى اثنين من كنائسها التي تدعى وببساطة، القديمة والحديثة. تقع في مركز قره قوش القديم، يتم الوصول إليها عبر شارع صغير يتصاعد بلطف. حيث يدخل المرء الضميمة الدينية من خلال كنيسة الطاهرة الجديدة. بدأ بناؤها في عام 1932 واستمر حتى عام 1948 حيث تم تكريسها. تصميمها مثير للإعجاب. تعد كنيسة الطاهرة الجديدة أكبر كنيسة سريانية كاثوليكية في الشرق الأوسط بطول 54 متر وعرض 24 متر. تعتبر فخراً لسكان قره قوش، ليس فقط من أجل مكانتها، ولكن أيضا من خلال عمل جميع سكانها خلال 16 عاما من البناء. قبة الكنيسة الفخمة والمرئية من بعيد يعلوها صليب. وكان برج الجرس المربع الموجود فوق الباب الرئيسي في حد ذاته رمزا لسكان المدينة. كان يحتوي على ساعة كبيرة يعلوها سقف،و كل من زواياه الأربع مجهز بصليب.
تتكون كنيسة الطاهرة الجديدة من ثلاثة ممرات، وهي ترتكز على 22 عمود فخم مصنوع من رخام الموصل. تم إضاءة الممر المركزي، الأوسع بثلاث مرات من الممرات الجانبية، بثريات كبيرة جداً أسودت الآن بسبب النيران.
كان لون المبنى الداخلي ناصع البياض قبل أن يغطى السواد الجدران والسقف وخاصة القبة الرائعة، بسبب الحريق المتعمد الذي تسبب فيه الإسلاميون الذين أشعلوا النار في المقاعد قبل انسحابهم.
آثار هذا الحريق الهائل والهجوم التي نفذوه لا تزال واضحة جدا حتى يومنا هذا. عند الاقتراب من المركز ومن المذبح، يظهر وبشكل مرعب التدنيس الشنيعو تلف بعض أعمدة الرخام، تحت تأثير الحرارة. لوثت العديد من هذه الركائز بكتابات الإسلاميين وإهاناتهم للمسيحيين.
في نهاية هذا الممر المركزي الكبير، يمكن للمرء أن يصل بعد بضع خطوات إلى مذبح رخامي، الذي دُمّر من قبل شاغلي المكان واستُبدل بمذبح خشبي. نجد وراءه المذبح الرخامي القديم المحمي من خلال مظلة على شكل قوس مدبب، والهيكل المدنس. نجد على القبة الخارجية لهذا القوس منحوتات على شكل أوراق الشجر وهو نمط شائع جدا ضمن الكثير من كنائس سهل نينوى. عند تحرير قره قوش في تشرين الأول من عام 2016، بقايا الأسلحة كانت متناثرة على الأرض. أثناء احتلال الموقع، استخدم داعش الكنيسة كمركز للقيادة ولمعالجة الأسلحة.
على الرغم من النهب الذي ارتكب في الداخل من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، لا تزال الكنيسة تحوي على البعض من العناصر القديمة جداً من بينها مغطس المعمودية القديم المنحوت على شكل سداسي.
بعد تحرير مركز قضاء الحمدانية في الثالث والعشرين من تشرين الأول عام 2016 بدأ الناس يزورون هذه الكنيسة من خلال زيارتهم لبيوتهم وشهدت الكنيسة إقامة قداديس وإحتفالات دينية بالرّغم من تخريبها وحرقها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، حيث استمرّ الحال بها حتى أواخر عام 2019 بعد أن تم الاتفاق على إعادة إعمار الكنيسة.
بدأت عملية الإعمار بدعم من جمعية عون الكنيسة المتألمة، حيث تحتاج الكنيسة إلى وقت كبير حتى تنتهي عملية الإعمار لأنّها كانت محروقة بالكامل ومهدّمة، جراء القصف والتخريب حيث تدمّرت الكنيسة، وتم تقسيم الكنيسة إلى عدّة مراحل في عملية الإعمار، فضلا عن تفشّي فايروس كورونا الذي ساهم بتأخير عملية التأهيل والإعمار، ولا زال العمل مستمرا حتى هذه اللحظة بتأهيل وإعمار أعمدة الكنيسة المحروقة وسطحها وسقفها وقبّتها والأروقة الخارجية والبرج، وهذا كلّه يعتمد على الوقت ناهيك عن الطبقات المحروقة التي تحوّلت إلى سوداء نتيجة إحراقها بمادرة السيفور.
لم تسلم الكنيسة من العبث والتخريب والتدمير فقط لا بل تجاوز إلى احراق كافة المخطوطات والكتب التي كانت موجودة في الكنيسة آنذاك، حيث جميعها تنظيم داعش في باحة الكنيسة وفي منتصفها بالتحديد وأحرق كلّ الكتب والمخطوطات الدينية.
زار هذه الكنيسة وفود دولية من الحكومة الفرنسية والالمانية والامريكية وصحفيين وكتّاب من كافة أنحاء العالم بالإضافة إلى زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلّا أنّهم وعدوا رجال الدين المسيحيين بدعم المسيحيين وإعادة إعمار تراثهم والحفاظ على وجودهم.
كانت مرحلة بناء الكنيسة هي لأزالة آثار داعش وأشبال الخلافة الذين كان يأمل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أن يكونوا أجيالهم القادمة للإستيلاء على محافظات العراق الأخرى، لكنّ مخططهم فشل وتم القضاء عليهم.
يتأمل المسيحيون أن تعود الكنيسة مرّة أخرى إلى ماكانت عليه في منتصف عام 2021، وتعود ابتسامة المسيحيين مرّة أخرى بالرّغم من كلّ ما حصل للمسيحيين من تهجير وقتل وخطف وابادات جماعية في أوقات سابقة ولاحقة.