اديسون هيدو
في السابع من آب من كل عام يحتفل ابناء شعبنا الآشوري في كل مكان بذكرى شهدائنا الأبرار, تخليداَ لنضالهم المرير الطويل, وتمجيداً وأجلالاً لدمائهم الطاهرة التي اريقت على درب الحرية, أيماناَ بصدق القضية، ودفاعاَ عن الاهداف القومية المشروعة .
انه يوم الشهيد الاشوري أحد الايام الخوالد في سفر نضالنا القومي, تم اختياره يوما لاستذكار شهداء الأمة الاشورية, وتم تحديده في المؤتمر التأسيسي للإتحاد الآشوري العالمي ( AUA ) الذي أنعقد في فرنسا عام 1968, ليعيد ويحيي فيه ذكرى الالاف من الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الهوية والوجود، فاتخذت المذابح التي ارتكبت بحقه في سميل ( في شهر آب عام 1933 ) رمزا للشهادة ويوما خالدا في تاريخه الطويل، لمأساوية المذبحة ودراماتيكية أحداثها وتأثيرها بشكل عميق على نفسية الفرد الآشوري خلال العقود التسعة الأخيرة وعلى الأجيال اللاحقة .
فلعدة قرون مضت كان الاشوريون بكل طوائفهم ومذاهبهم الكنسية يعيشون مرحلة خطيرة من تاريخهم الطويل المتقلب، محاطين في وطنهم التأريخي اشور ومن كل الجوانب بقوميات متعصبة متطرفة لم تخفي نواياها العدوانية لاضطهادهم باستمرار حتى يمحوا هويتهم القومية وليتركوا دينهم المسيحي. تعرضوا خلالها لكل أشكال الجرائم الشنيعة من القتل والخطف والسرقة، واغتصاب نسائهم الشابات، والى اسوأ أشكال تدنيس المقدسات والممتلكات الكنسية الضاربة في عمق التأريخ .
فمنذ سقوط نينوى عام 612 ومن ثم الإمبراطورية الآشورية عام 605 ق.م وحتى يومنا هذا يتنقل الشعب الاشوري من محطة دموية الى أخرى أسوء منها, ومأساة تليها مأساة أكثر قساوة، تستهدف وجوده وهويته القومية وأنتمائه الديني. حيث يحفل تاريخه القديم والمعاصر بالمآسي المروعة والمذابح المفجعة والتضحيات الجسام, تاريخ زاخر بمحطات دموية, وبأسماء شهداء أبرار ضحّوا بذاتهم من أجل أمتهم ومعتقداتهم ومن أجل مبادئ وإيمان وحرية شعبهم واستقلاله .
اليوم وبعد تسعة وثمانين عاما على المذبحة تمر علينا هذه الذكرى والمجازر مازالت قائمة على شعبنا المسالم, وما هذه المجازر الا امتداداَ للتي اقترفت بحق الألاف من الاشوريين منذ القدم وعبر التاريخ الطويل، أبتداءَ من الهجمة المغولية على بلاد آشور في القرن الثالث عشر, وحملة نادر شاه الفارسي عام 1743 والتي راح ضحيتها العشرات الالاف من الشهداء الاشوريين, والآلاف غيرهم الذين استشهدوا عام 1832 على يد السفاح الكردي ميركور ( الأعمى محمّـد الراوندوزي ) في مناطق أربيل ونينوى, مرورا باواسط القرن التاسع عشر، حينما انكسرت العشائر الآشورية بعد سقوط منطقة آشيتا على يد السفاح بدرخان ( 1843 . 1846 ) الذي ذبح فيها الالاف من الآشوريين في تياري العليا والسفلى وفي تخوما ومناطق اخرى, وآلاف الشهداء الآشوريين الذين قاتلوا ضدّ الإحتلال التركي بين 1853 -1856 في حرب القرم بين روسيا وتركيا، وذلك في منطقة أورميا شمال غرب إيران والتي تعرف اليوم بالرضائية, وما تلتها من المذابح الجماعية التي قامت بها دون رحمة او احساس بالأنسانية مجموعات همجية متطرفة من الاكراد والأتراك على الأشوريين من عام ( 1895 ــ 1897 ) في مناطق طور عبدين والرها, وجرائم الأبادة التي اقترفت على يد سلاطين الدولة العثمانية بداية القرن العشرين في أحداث الحرب العالمية الأولى ( 1915 ), وإلى آلالاف غيرهم الذين قضوا في شهر اب من عام 1933 بقرار من بريطانيا والحكومة العراقية أنذاك تحت قيادة وزير الداخلية المجرم حكمت سليمان, وبتنفيذ قائد الجيش المجرم الكردي المتعصب بكر صدقي, لم يميز القتلة في ذلك التاريخ بين امرأة ورجل عجوز وطفل وشاب ورجل دين, لتتوالى بعدها جرائم العصر الحديث بالقضاء على الالاف غيرهم في عهد الدكتاتور جوزيف ستالين في روسيا عام 1937, ومن ثم على يد شاه ايران محمد بهلوي في منطقة أورميا الاشورية، عندما تم سلب وحرق عشرات القرى الآشورية وهتك أعراض نسائها على يد الجيش الإيراني والمسلمين المتطرفين في أورمية وجوارها, لتلي بعدها المذابح التي أقترفت بحق الآشوريين عام 1961 على يد الأكراد في قرية سردشت وقرى اشورية أخرى على نهر الزاب منها خوارا، أقري, مالختا، بي بالوك، هلوا, ودوري وعين نوني وغيرها من قرى برواري بالا, ومن ثم مذبحة قرية صوريــّـا عام 1969 التي قضى أهلها جميعا على يد الجيش العراقي بتنفيذ المجرم الجحيشي, والمئات من الشهداء الاشوريين ان لم يكونوا بالالاف الذين قضوا في الحرب العراقية الايرانية القذرة فترة ثمانينيات القرن الماضي, ومن بعدها في عمليات الأنفال السيئة الصيت, وعمليات الإعدام والتصفية التي طالت خيرة شباب قادة الحركة الديمقراطية الآشورية ( زوعا ) ثالوث التضحية والفداء ( يوبرت ويوسب ويوخنا ) على يد جلاوزة البعث الفاشست, والمئات الأخرى من الشهداء الآشوريين الذين سقطوا ضحايا الجرائم الإنسانية والدينية والقومية منذ سقوط الدكتاتور المقبور صدام حسين عام 2003 وحتى اليوم, كان اخرها الهجمة الشرسة التي قادتها ما تسمى بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) وما اقترفته من جرائم طالت ابناء شعبنا المسالم في نينوى والعديد من المدن، وغيرها من الحملات التي ما زال شعبنا يعاني من آثارها ونتائجها المأساوية, حيث الأستهداف والتغيير الديموغرافي ومحو هويته القومية, واساليب الترهيب والتهديد وعمليات التهجير المنظمة والتفجيرات والعمليات الارهابيـة والاغتيالات وعمليات الاختطاف والقتل وغيرها من الاساليب الدنيئـة, التي راح ضحيتهـا المئات من ابناء شعبنـا رجالاً ونساءاً واطفالا عزل ابرياء, في بلد ابتلى عقوداَ بأعتى الدكتاتوريات أجراماَ, واليوم يرزح تحت الارهاب والعنف وسيطرة اصحاب العمائم وتجار الدين والقوى الأسلامية المتنفذة .
إننا اليوم وفي هذه الاوضاع المأساوية التي يعيشها شعبنا الاشوري نستذكر شهداءنا بكل أجلال وأحترام لنستمد منهم القوة ونتعلم من شهادتهم وتضحياتهم كيفية مواجهة الواقع المرير الصعب وعدم الرضوخ والأستسلام للارهاب الديني من جهة, ولا الخضوع لأنظمة وقوى شمولية متنفذة معروفة على الساحة السياسية من جهة أخرى , تحاول خداعنا وتبيعنا الأمن والأمان على حساب حريتنا وبالتالي وجودنا القومي على أرض الاباء والأجداد .
في ذكرى يوم الشهيد الاشوري هذا العام 2022 نشارك ابناء شعبنـا, ونقف معهم وقفة اجلال وأحترام لارواح شهداء امتنا الابرار الذين ضحوا بدمائهم من اجل قضيتنا العادلة, واناروا بارواحهم الطريق حفاظاَ على كياننا وهويتنـا القوميـة الآشورية الخلاقة .
المجد والخلود لشهداء امتنا وشعبنـا الاشوري .
المجد والخلود لشهداء الحريــة في كل مكان .