زوعا اورغ/ وكالات
سلطت شبكة “بي بي سي” البريطانية، الضوء على الانفاق التي حفرها تنظيم داعش خلال فترة سيطرته على الموصل بعد العام 2014، حيث أشار إلى ان التنظيم وبعد تفجيره مرقد النبي يونس حفر تحته نفقا ليتم الكشف فيما بعد عن قصر آشوري يعود لـ 3 آلاف عام.
وذكر التقرير الذي نشر الأسبوع الماضي، ان داعش فجر التلة التي تضم ضريح “النبي يونس” في أيسر الموصل عام 2014، حيث أعلن أن “النبي يونس” لم يعد مكانا للتعبد بل هو بدعة، وانتشرت مشاهد تفجير الموقع في أنحاء العالم، لكنتدمير الموقع لم يضع نهاية لقصة هذه التلة الأثرية بل أثار أسئلة فضولية عن ماهية ما يوجد تحت أعمدة المسجد مباشرة، بحسب الشبكة.
وأضاف التقرير ان فريق “بي بي سي” تحرى عما تخفيه مجموعة أنفاق باردة ومغبرة اكتشفت مؤخرا داخل التلة، التي يعتقد مسلمون أن عظام النبي يونس محفوظة فيها، حيث بني لاحقا ضريح يحمل اسمه، كما يعتقد أن الضريح يحتوي أيضا على سن الحوت الذي تقول الروايات الدينية إنه سبح ثلاثة أيام وهو يحمل يونس في بطنه.
وأفاد مدير الدراسات الآشورية في جامعة الموصل علي الجبوري، انه “لطالما كان ضريح النبي يونس أحد أهم الأماكن الدينية والثقافية لدينا… عندما كان الناس يزورون التلة كان ذلك يتيح لهم رؤية أفضل أجزاء الموصل القديمة والحديثة”.
وبين أن تدمير الضريح كان جزءا من موجة تدمير طالت مواقع ورموزا مقدسة في الموصل، حيث قام مسلحو التنظيم بطمس تمثال “لاماسو”، ذلك الكائن الأسطوري الذي كان يحرس القصور الآشورية، ثم قاموا بعدها بتفجير البوابة بكاملها، واستخدموا آلة ثقب الصخور مباشرة على وجهه الذي كانت تعلوه ابتسامة.
وأشار أحد عناصر التنظيم المعتقلين إلى ان أحد المبررات التي قدمها داعش لتدمير مرقد النبي يونس كان التشكيك في شرعيته، مبينا ان الضريح كان قبرا لباباوات مسيحيين وأنه “من المحرم أن يبنى مسجد على ضريح مزيف”.
وتشير الأبحاث الأكاديمية بالفعل إلى أن النبي يونس غير مدفون هناك، بل إن المعروف أن هناك قبورا عدة للنبي يونس في أنحاء مختلفة من العالم، وأوضح الدكتور توماس كارلسون، الأستاذ المساعد في جامعة أوكلاهوما الأميركية ومؤلف كتاب “المسيحية في عراق القرن الخامس عشر”، انه في زمن القرون الوسطى، ومع ضعف سبل التواصل بين المسافات المتباعدة، كان العديد من المشاهير القدماء يحصلون على عدة قبور في عدة مواقع.
حتى أن العظام التي يعتقد أنها تعود للنبي يونس قد تكون في الحقيقة عظام لبطريرك في كنيسة الشرق يدعى “هينانيشو الأول”، دفن في الدير عام 701، ولا يعرف علماء الآثار بعد ما إذا كانت عظام “هينانيشو” نجت من التفجير أم لا.
وعثر العلماء تحت مرقد النبي يونس على قصر مطمور كان مكانا لإقامة ملوك آشوريين راحلين وقاعدة للجيوش الآشورية، يعود تاريخ القصر إلى القرن السابع قبل الميلاد على الأقل.
وخلال خمسينيات القرن التاسع عشر عثر للمرة الأولى على مؤشرات على احتمال وجود قصر تحت مرقد النبي يونس، وذلك خلال حفريات قام بها اثنان من علماء الآثار هما هنري ليارد ومساعده موصلي المولد هرمزد رسام، حيث اكتشفا أطلال قصر في “كوينجك” على الضفة الأخرى من نهر دجلة، لكن قدسية الموقع حالت دون استكشاف المزيد، وقد كتب ليارد بمرارة قائلا “تعصب سكان الموصل يحرم محاولة استكشاف بقعة تحظى بتبجيل كبير نظرا لقداستها”.
وكانت الحكومة العراقية قد أجرت بين عامي 1989 – 1990 حفريات في الموقع، الا أن تقصيها لم يقترب من الضريح خشية إلحاق ضرر بهيكله الأساسي، لكن وبعد استعادة شرقي الموصل من تنظيم داعش عام 2017، عثر علماء الآثار على شيء غريب تحت أنقاض المسجد، حيث عثر على عدد أكبر من الأنفاق يفوق ما تم توثيقه من قبل وصل لأكثر من خمسين نفقا جديدا، بعضها لم يكن طوله يتعدى بضعة أمتار فيما تجاوز طول البعض الآخر العشرين مترا.
ويبدو أن معظم هذه الأنفاق حفرت باستخدام المعاول، إلا أنه يوجد مع ذلك ما يدل على استخدام حفار صغير، وأشارت التقارير الأولية إلى أن مقاتلي التنظيم حفروا هذه الأنفاق بأنفسهم الا أن بعض سكان شرقي الموصل أكدوا ان التنظيم استأجر بعض الأشخاص من المنطقة للقيام بالمهمة، حيث كان التنظيم يرغب في الاستيلاء على الآثار داخل الأنفاق، ويعتقد أن بيع القطع الأثرية كان يعد ثاني أكبر مصدر دخل للتنظيم بعد النفط.
وذكرت مصادر أن نهب ما تحت مرقد “النبي يونس” جرى بعناية، وذلك بغية الحفاظ على ما تم اكتشافه على ما يبدو، ومع ذلك يبدو أن بعض ما تم العثور عليه كان أكبر حجما مما يمكن لمسلحي التنظيم أخذه معهم، وبعض هذه القطع الكبيرة كانت منقوشة على جدران القصر ولعله لم يكن من الممكن إجتثاثها دون تهديد السلامة الهيكلية للأنفاق التي تم حفرها تحت التلة.
إلى جانب قطع الحجر الجيري والجرار الصغيرة، كان هناك ما يقرب من ثلاثين لوحا جيريا يحمل أسماء ملِكين آشوريين هما أسرحدون وآشور بانيبال، كما كان هناك قالب من الطوب منقوش عليه اسم ملك يدعى سنحاريب، لكن الاكتشاف الأكثر إثارة للدهشة كان زوجا من النقوش، يظهر كل منها صفا من النساء.
وإلى جانب نقوش النساء، عثر في الأنفاق على صور الكائن الخرافي “لاماسو” أو الثور المجنح، وكان هناك أربع لوحات حجرية يظهر عليها “لاماسو”، إلى جانب خامسة تظهر بقاياه، وهذه المجسمات الحجرية الضخمة للثور المجنح كانت توضع على مداخل القصور الآشورية لترويع الأعداء أو طرد الأرواح الشريرة.
جدير بالذكر انه في اللغة الأكدية تعني كلمة “لاماسو” الروح الحامية، و”لاماسو” له جسد ثور أو أسد وجناحي نسر ووجه إنسان، وقد كانت كل اثنين من نقوش “لاماسو” التي عثر عليها تقف مع بعضها وقد تم وضع وجوهها لتكون في مواجهة القادمين إلى المكان.