1. Home
  2. /
  3. اراء
  4. /
  5. مقالات
  6. /
  7. الاغتراب الثقافي في مواجهة...

الاغتراب الثقافي في مواجهة الفكر المعاصر/ 1 ـ 2

فؤاد الكنجي

مع ما يشهده عالنا المعاصر من تطورات في تقنيات الصناعة الإلكترونية الحديثة التي هيمنت عليها قوى الصناعة (الرأسمالية) لتغزو الأسواق العالمية بما تنتجه من الأجهزة الالكترونية المتطورة ومن التكنولوجيا والتقنيات الاتصالات الحديثة وشبكات (الإنترنيت) ليصل تطورها إلى ما تطرحه الآن من تقنيات هائلة في (شبكات الإنترنيت – الجيل الخامس)، وكل هذا الإنتاج لم يأت اعتباطيا من اجل الاستفادة من مبيعاتها بما يدر إنتاجها من إرباح لأصحاب الرؤوس الأموال والمستثمرين الضالعين في نشر ثقافة (الرأسمالية)، بل تم تسييس هذه التقنيات وإنتاجها لخدمة مصالح قوى (الرأسمالية) للهيمنة على مقدرات شعوب العالم، فاستثمروا هذا الإنتاج لنشر ثقافة (الرأسمالية) الملونة بالفكر (الليبرالي الراديكالي) و(النيوليبرالي)، ومن خلال هذه الثقافة والوسائل استغلوها استغلال حرفيا لعولمة العالم بهذه القيم، فرفدوا كل شبكاتهم عبر (الإنترنيت) لبث معلومات وثقافات متنوعة هابطة وعالية المستوى وبشتى المجالات الحياة، العلمية والأدبية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولأهداف وغايات عولمة العالم بالثقافة (الليبرالية الراديكالية) و(النيوليبرالية) لغسل أدمغة البشرية ببرامج تشرف عليها القوى (الرأسمالية) مباشرة ليتم إلغاء الهوية الوطنية والقومية من عقول كل أفراد المجتمعات لكل دول العالم، ليفتحوا عبر هذه التقنيات الحديثة في الاتصال والتواصل نوافذ لا حصر لها على كل مجتمعات هذا الكون، لبث ثقافات متنوعة يُتخذ منها نافذة للانفتاح الثقافي والفكري تحقق لمستخدميها تطوير المعرفة والبحث العلمي وكل احتياجاته النفسية والوجدانية والاجتماعية، ويتم التواصل وتشكيل العلاقات بين الأفراد وتبادل الخبرات والآراء من خلال بيئة افتراضية في تبادل الرسائل والملفات والصور، حيث تغلغلت هذه الوسائل رويدا رويدا لتصبح جزءا لا يتجزأ من نسيجنا الاجتماعي والتي نستخدمها بشكل يومي ولفترات طويلة جزءا من ممارسات اعتيادية في حياتنا الاجتماعية اليومية ليصل الأمر بنا بأننا بتنا نعتمد عليها في جميع أوجه أنشطتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، للدرجة التي أخذت هذه التقنية هي من تقود الكثير من الأفراد، وهذا ما تحاول (العولمة الرأسمالية) فعله لمحو خصوصية الأفراد والمجتمعات قاطبة للسيطرة والهيمنة عليهم .

الآيديولوجية الرأسمالية استخدمت ثقافة الصناعة لفرض هيمنتها على الأفراد:

لذلك لا بد لنا إن نعي كيف ولماذا نستخدم (التكنولوجيا وتقنيات الاتصالات الحديثة وشبكات الانترنيت) لكي لا يجرفنا التيار إلى ما ليس من صميم واقعنا كمجتمعات محافظة لها خصوصيتها وهويتها، لذلك لا بد إن نستخدمها ونتعامل مها وفق حدود الحاجة ونتمعن من معلومات التي نأخذها أو قد أخذناها لتجنب كل ما هو دخيل على عاداتنا وقيمنا وأخلاقنا وثقافاتنا وبالتحليل والوعي والإدراك، لكي لا نشطح في منزلقات لا يحمد عقباها.

لأن من مسلمات العقل (الواقعي) تؤكد لنا بأن (المجتمعات الغربية) ومن خلال ما تطرحه من الفكر المعاصر لـ (الرأسمالية الأمريكية) لها الأثر الكبير والفاعل في صياغة وبث نظريات (الليبرالية الراديكالية المعولمة) لغزو ثقافة مجتمعات العالم قاطبة بحكم هيمنة النظام الاقتصادي (الرأسمالي) الاستبدادي التي فرضت على مجتمعاتها نظاما صناعيا اقتصاديا ليعيش الإنسان فيها (مغتربا) و(متشيئا)، لأن الإيديولوجية (الرأسمالية) استخدمت ثقافة الصناعة (الرأسمالية) بمختلف مظاهرها لفرض هيمنتها على الفرد، ومبدأ صناعة الثقافة كان لها مخرجات فاعلة في نشر ثقافة العولمة.. والليبرالية الراديكالية.. والنيوالليبرالية، حتى أصبح (الفكر المعاصر) في عصر العولمة والهيمنة ثقافة الصناعة (الرأسمالية) مرتبط بالثقافة الاستهلاكية للمجتمعات المعاصرة، والتي روجت لها عبر تكنولوجيا الاتصال الحديثة لتتجسد أزمة ثقافية التي يعانيها ويعيشها المجتمع المعاصر متجسدة في غيابها الفاعلية على المستوى الفرد والمجتمع، في ظل عدم استقرار رغبات الحياة الاجتماعية في مواكبة الأسواق بما تطرحه الصناعة (الرأسمالية) الاستهلاكية لتطبع ثقافة الجماهير بهذه المظاهر، وهي مظاهر تطبع عليها صفة (الاغتراب) بكونها بعيدة عن واقع الفرد، فيغترب شعوره بعد أن يشعر بأن ذوقه ورغباته أصبح بعيدا عنه ولا تلبي طموحاته لأنه يشعر ويحس بأنه محاط ومحاصر بمظاهر هو غريب عنها، بل يشعر بان كل شيء أصبح بعيد عن ذاته ومشاعره وأفعاله وأداءه.

مظاهر الاغتراب تأخذ أبعادها في ثقافة المجتمعة:

ومن هنا تبدأ (مظاهر الاغتراب) تأخذ أبعادها في ثقافة المجتمع وترسخ في عقليتهم رويدا رويدا بفعل ما تبثه (العولمة) الخاضعة لثقافة الاستهلاكية (الرأسمالية) المعاصرة لتوصل الفرد والمجتمعات إلى الثقافة الاستهلاكية فيأخذها (الاغتراب الثقافي) بعد إن تغلق فضاء الفرد والمجتمع بقيم (اللامعنى.. واللامعيارية)، وغيرها من الأبعاد التي ارتبطت من وجهة نظرية الثقافة الجماهيرية بـ(الثقافة السلعية) والتي تروج لها (الرأسمالية) عبر (ثقافة العولمة) والتي تبثها عبر وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة المدعومة بـ(الذكاء الاصطناعي التوليدي)، فتدخل هذه الثقافة وهي ثقافة دخيلة تأخذ بالاتساع والانتشار والاستحواذ على النظم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والمؤسسات (التربية) و(التعليم) وفق ما يفرضه واقع (العولمة) بسبب تحكم (الرأسمالية) وسيطرة آيديولوجيتها على النظم الاجتماعية لتسقف الحياة بمعايير (الفردية) و(المادية)، وهي معايير تجعل من الإنسان (المحافظ) يشعر بأنه يعيش في مجتمع غريب عنه مجتمع ليس مجتمعه وإن كان يعيش فيه، فيسعى إلى الهروب من هذه البيئة الاجتماعية فيتغلب عليه الإحساس بـ(الاغتراب) بعد إن يتفاقم صراع (وعي بذاته) لأنه من ناحية، هو يواكب التقدم المعرفي وتكنولوجيا الاتصال الحديثة وتطورات العصر، ولكن يومياته تصطدم بالجانب (المادي) فتضطرب مواقفه بين الجانب (المادي) و(المعنوي)، بما يؤدي ذلك بسقوط الفرد في حالة من (الاغتراب الثقافي) لشعوره بالإحباط المتواصل بانعدام الاستقرار والاضطراب النفسي، وهي مظاهر التي تجعل الفرد يعيش حالة من الصراع والتمرد وعدم الاندماج النفسي والفكري، في ظل هيمنة ثقافة العولمة (الرأسمالية) التي تبعد الفرد المشاركة الجماعية وفي أي نشاطات اجتماعية لكون (العولمة) تطرح البديل للتواصل عن طريق (تكنولوجيا الاتصالات الحديثة) لدرجة التي تجعل من هذا البديل بأن ذات (ألفرد) وقدراته تصبح مجرد أشياء منفصلة عنه وأنه عاجز عن تحديد مساره فيشعر بحالة من (الاستلاب) وبأنه لا يوجد شيء في هذه الحياة له قيمة أو معنى، لان عالمة يشعر بأن المادة طوقت مسارات الحياة وقيمها الاجتماعية لتجعل كل الطموحات والأحلام والأهداف مجرد وهم لا قيمة لها في ظل هيمنة ثقافة المادة والتي قلعت جذوره من واقعه الإنساني وهو لا يقبل ويرفض (التشيؤ في المادة)، ليعيش حالة من (الاغتراب) وهي حالة ترسخ ثقافة (الاغتراب) في ذاته، والتي تفاقمت مع انتشار وتوسع أفق العولمة بفعل (ثورة الاتصالات والمعلومات والتكنولوجيا)، التي هي اليوم من تهيمن على كل مجريات الحياة بكونها هي (الهيمنة بعينها) وإقصاء خصوصية والذاتية من أعماق الفرد، ليفقد النظام الاجتماعي أصالته نتيجة انجراف الأفراد في (عالم العولمة) وانفتاحهم واندفاعهم بجنون على ثقافات مستوردة من المجتمعات أخرى، وهذا الانجراف المتهور غير العقلاني يقودهم نحو التخلي عن هويتهم وثقافتهم والإقبال بشغف نتيجة لانبهاره بثقافة أجنبية عنه، نتيجة انغماسه المتواصل في متابعة ما تبث (أجهزة التكنولوجيا والاتصالات الحديثة)، وهذا ما يقود ميله نحو تقليد الثقافات الأخرى ، خاصة بما يتعلق بالعادات والتقاليد والأعراف وأسلوب الحياة والنظام الاجتماعي، وما ينتج عن ذلك من ضعف قدرة الفرد على التواصل والانسجام مع ثقافة مجتمعه.

العولمة هي من جعلت الفرد يفقدوا الحسي الاجتماعي للانتماء القومي والهوية الوطنية:

نفهم مما تقدم، بأن وجهة نظر هؤلاء (الأفراد) التي تعتبر في يقينهم بأنها معطيات (العولمة) ما هي إلا عين التقدم والتحضر، دون تفكير فيما إذا كانت هذه الثقافات وما تحويه من سلوكيات (مناسبة له) وهو يعيش في مجتمع محافظ أو (لا)، لدرجة التي يفقدوا الحسي الاجتماعي للانتماء والهوية الوطنية، بعد إن تأخذهم السلبية.. والأمراض الاجتماعية والنفسية والتبلد واللامبالاة، وهذه المشاعر تتبلد في نفسية الفرد، فيشعر الفرد بالانفصال عن المجتمع، وأنه أصبح غريبا عنه، وإن حياته تمضي بلا هدف، وانه عاجز عن اتخاذ القرارات، وهذه المشاعر تشعره بحالة من (الاغتراب) التي تصاحب في نفسية الفرد الكثير من التغيرات والاضطراب نفسية فينجرف نتيجة ضغوطات نفسية حادة إلى انحرافات سلوكية نحو الإدمان والإلحاد وتعاطي المخدرات والعنف والتطرف واللامبالاة والانتحار وعدم الاستقرار والضياع وشعور بالقلق المستمر، وهذه هي سمات (الاغتراب عند الإنسان المعاصر)، باعتبار (الاغتراب) ظاهرة ومتغير اجتماعي تؤثر سلبا على توافق الفرد مع بيئته ومحيطه، بعد إن ينجرف في تبني واخذ أطروحات ثقافية أجنبية وثقافة مجتمع وحضارة من المجتمعات الأخرى، فتحدث عنده (الصدمة الاغترابية) لما يواجه الفرد من تغير وتحولات هائلة وعلى كل مستويات الحياة وتحديدا على المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادية وفي مجال الثورة التكنولوجية في عالم الاتصالات والميديا والثورة الرقمية وفي عالم المعرفة وغير، ذلك فإن (التقنيات التكنولوجية في عالم الاتصالات والكومبيوتر وشبكات الاتصالات والذكاء الاصطناعي) التي أصابت عقل الفرد بالذهول بما تم انجازه وطرحه في الأسواق من تقدم علمي ومعرفي واسع النطاق وهائل في مجال (المعرفة التكنولوجية والاتصالات) و(الذكاء الاصطناعي) بشكل كبير ومخيف ومرعب، بكونها لم تعد الثقافة التقليدية قادرة من واجهة هذا المد وهذا الاكتساح الغربي (المعولم) بالثقافة (الرأسمالية) لحجم (ثورة الاتصالات والتطورات العلمية والتكنولوجية) التي اجتاحت كل أفاق الفرد دون إن يتمكن من تلافيها لتحدث خللا سلوكيا لم يستطع إمام هذا الثورة المعرفية ضبط سلوكه من اجل تحقيق نوع من التوازن في سلوكه لترتبك حياته الاجتماعية والنفسية، وهذا الارتباك لم يحدث على (مستوى الأفراد) بل حدث على (مستوى المجتمعات) قاطبة، لكونها لم تستطع غلق أبواب التغيير أمام التطورات الهائلة في مختلف الميادين والاتجاهات الإنسانية الحاصل في العالم بوجه مجتمعها أين كان، فيقع (الفرد) أمام ما يراه من تحولات تفوق حدود تصوراته وتخيلاته في معاني الحياة ومعالمها فيسقط في دائرة (الاغتراب النفسي) و(المجتمعي)، بعد إن يجد (الفرد) نفسه في خضم زمن شديد الغرابة والتعقيد وفي صورة جديدة للحضارة الإنسانية المعاصرة تسحقه تقنية المادة.. وثورة الصناعة (الرأسمالية) وثقافة العولمة والذكاء الاصطناعي وشبكات الاتصالات الحديثة، فكل شي حول (الفرد متشيؤ) في المادة وهو مطوق بقوة الهيمنة والسيطرة المادة والمنافسة لتحقيق الربح بعد طغيان الوسائل المادية النفعية على الغايات الإنسانية الأخلاقية النزيهة، ليتحول (الفرد المتشيء) إلى عتلة من عتلات الآليات الماكنة الصناعية (الرأسمالية) تروجها (الليبرالية) في (ثقافة العولمة)، لتجرد الفرد من قيمه وإنسانيته وتسقط عنه هويته وانتماءه الوطني، ليبقى بلا قيمة إمام ارتفاع قيمة الإنتاج الصناعي (الرأسمالية) التي تهيمن على الأسواق المجتمعات لتغلق منافذ الحياة الاجتماعية بوجه الأفراد، وبهذا الإطار التنافسي من اجل الحصول على كل ما هو جديد حتى وان كان فائض عن احتياجاته ليتم تجريد الفرد من ملكات التفكير بالإبداع والابتكار والتأمل بقيم إنسانية عالية، ليبقى الإنسان أو الفرد بلا ثقافة، ليعيش حياته في دائرة (الاستلاب الثقافي).

ثقافة العولمة تعمل على غسل الأدمغة وتدمير الوعي لدفع الفرد إلى الانسلاخ عن واقعه ليشعر بـالغربة والضياع:

لذلك فإن (الإنسان المعاصر) اليوم يعيش حالة من (الاغتراب) نتيجة الصدمة الثقافية التي استهدفت:

أولا: ملكات الوعي والتفكير والتأمل.

ثانيا: استهدفت هوية الإنسان وانتماءه القومي والوطني وقيمه الإنسانية والاجتماعية.

ولما كانت سمات (الثقافة الغربية المعولمة) تتمثل بالمادية والاستهلاك والفردية وجلها تخضع لقانون (العرض) و(الطلب)، بمعنى إن هذه الثقافة تعمل بكل ما يتيح لها العمل من اجل غسل الأدمغة وتدمير الوعي لدفع الفرد إلى الانسلاخ عن واقعه ليشعر بـ(الغربة) و(الضياع)، وهذا ما يدفعه إلى التمرد والعدوانية حتى مع ذاته.

ومن هنا فإن الفرد الذي يعيش في ظل الثقافة التقليدية، هو أساسا يعاني من حالة (الاغتراب المزدوج) بين (الثقافة التقليدية) و(ثقافة العولمة والحداثة)، فـ (الثقافة التقليدية) توصف بكونها (ثقافة تخلف)، وهي ثقافة التي تسود في بلدان الشرق أو بالأحرى في بلدان العالم الثالث، قياسا لحجم التطور التكنولوجي والاتصالات الحديثة والذكاء الاصطناعي التوليدي والثورات الرقمية التي تسود في بلدان (الرأسمالية) الغربية، فـ (الثقافة التقليدية) تفرض على أفراد مجتمعاتها فروض الخضوع والطاعة لكل ما أورثوه من الماضي، من ميثيولوجيا ومن الخرافات والأوهام والتعصب لغرس قيم الخضوع للأمر الواقع بما تضفى (الطابع القدسي) على معظم جوانب الحياة في مجتمعاتهم.

حضارة الإنسان سقطت في مأزق بين الانفتاح والانغلاق ليصبح الاغتراب قضية الإنسان المعاصر أينما كان:

وفي ظل القهر السياسي والاجتماعي والأخلاقي تتحول الثقافة في هذه المجتمعات إلى كيان مفرغ من إنسانيته وتجرد الفرد من قدرته على الحركة والانطلاق والإبداع، وهذه الثقافة إي (الثقافة التقليدية) ما هي إلا ثقافة تعمل على استلاب الفرد ووضعه في دائرة (الاغتراب) كما تعمل (ثقافة العولمة والحداثة) على حد سواء، فهذه الصورة قاتمة جدا للثقافة الإنسانية بصورة عامة فيما يتعلق بـ(الاغتراب) الفرد في هذا العالم، لان كلا الثقافتان يسعيان إلى تفريغ الإنسان من معانيه الإنسانية ومن مضامينه الأخلاقية، بل وتعملان على تخدير الإنسان.. وتعليب العقل.. وتدمير ملكة الإبداع والتأمل والتفكير لتحطيم ذات الفرد المبدعة، لذلك (سقطت حضارة الإنسان) في هذا المأزق بين (الانفتاح) و(الانغلاق)، ليصبح (الاغتراب) قضية الإنسان المعاصر أينما كان، لان شعوره بـ(الضياع) و(الغربة) تأخذ أفعاله وإدراكه، بكونه فقد (المعرفة) بحقيقة نفسه وذاته، لإحساسه بضياع أهدافه.. واللاجدوى من الحياة، لأن ضميره حين استيقظ وجد بان لا شيء يوافق العقل، بقدر ما يجد بان كل المعطيات العالم، في ضل هذه الحداثة، تنجرف وراء مصالح دنيوية أنية، فـ(الحداثة) السائدة في المجتمعات الغربية والتي يرفد أفكارهم الفلاسفة الماديون والبرغماتيون والعلمانيون ومن يبنون برامجهم وفق رؤاهم، هم نخب من السياسيين الرأسمالية يديرون أعمالهم وسياساتهم وبرامجهم واستراتيجياتهم من اجل التقدم التكنولوجي، الذي لا يخدم إلا مصالح الطبقة (الرأسمالية)، لزيادة الإنتاج.. والكسب مزيد من الأموال والترفيه والسيادة والسيطرة على الآخرين، ليسقط (الإنسان المعاصر) في فخ الاختراعات والاكتشافات لزيادة الإنتاج من جهة ومن جهة أخرى لتحقيق الترفية والرخاء، ولكن نسى هذا (الإنسان) بأن من يستفيد أكثر من كل ذلك هو يأتي بدرجة الأولى لصالح (الطبقة الرأسمالية) على حساب طبقة (الفقراء) من الأفراد والشعوب، لبتم في المجتمعات العالم قاطبة ازدياد الفارق بين الطبقتين بين (الأغنياء) و(الفقراء)، فيتم استغلال غالبية العوام بمشاريع مشروعة وغير مشروعة، فيباعوا.. ويشتروا حالهم كحال أية سلعة في سوق العرض والطلب لتمحي من المجتمعات قيم النبيلة، ليستغرق (الإنسان المعاصر) في هذه المظاهر (المادية) وأفكارها وينقاد وراء رغباته وشهواته وغرائزه وملذاته الحسية انقيادا أعمى ليخرج (الإنسان المعاصر) من إنسانيته.. (يتبع 2 ـ 2).

 

zowaa.org

menu_en