زوعا اورغ/ وكالات
ينظر حسن مناحي الشغانبي إلى جواميسه وهي تجتاز مياه “نهر العز” شمال محافظة البصرة، والمياه لا تصل إلى ركبها، وأحيانا أقل من ذلك.
احتاج الشغانبي، الذي يعيش من منتجات تلك الجواميس وحليبها إلى المسير بها مسافة أطول هذا اليوم ليصل إلى مستوى مياه يصل إلى صدور تلك الحيوانات التي تقضي جل نهارها في الماء من أجل التبريد، وفي الطريق، اضطر إلى رشها عدة مرات من أجل حمايتها من الحرارة.
يقول حسن لموقع “الحرة” إنه “خسر جاموسة الصيف الماضي بسبب نقص المياه وتلوثها، لكن هذه المرة القطيع كله مهدد”.
وتعود مخاوف حسن إلى جفاف أراض واسعة من الأهوار، وانخفاض نسبة الماء، وجودته، بسبب قلة الواردات المائية القادمة من دجلة والفرات.
ويعتمد سكان عرب الأهوار بصورة تامة على رعي الجاموس، فأرضهم لا تنبت فيها الحشائش اللازمة لرعي الأغنام، كما أن وفرة المياه – في السابق- جعلت منها المكان المفضل لتربية هذا النوع من الحيوانات، ومنذ آلاف السنين.
يقول ليث بشير، اختصاصي التاريخ في إحدى الجامعات العراقية إن “عرب الأهوار موجودون هناك منذ أكثر من 5 آلاف سنة، وهم يقومون بنفس الشيء تقريبا منذ ذلك الوقت، يصيدون الأسماك في زوارق محلية الصنع ويربون الجاموس، حياتهم كلها تعتمد على الماء ويعتمد تاريخهم عليه كذلك”.
وليس عرب الأهوار فقط، وإنما أيضا عشرات أو ربما مئات من أنواع الطيور المهاجرة، التي تقضي شتاء دافئا نسبيا في المياه العراقية، بالإضافة إلى أنواع من الحيوانات البرية المهددة بالانقراض مثل “كلب الماء” العراقي الذي تناقصت أعداده بشكل كبير.
ويقول علي عبد الخبير مدير مركز شؤون الأهوار، وهو منظمة متخصصة برصد التغيرات البيئية في المنطقة إن “نقص الإمدادات المائية سيؤدي إلى كارثة فيما يتعلق بالتنوع الأحيائي من ناحية انقراض أحياء برية أو مائية فضلا عن نقص الموئل وفقدان مكان استراحة الطيور المهاجرة”.
ويهدد هذا التغير وجود الأهوار على لائحة التراث العالمي التي تحدد أهمية الأهوار بهذين العاملين.
ويضيف عبد الخبير لموقع “الحرة” إن “نقص المياه سيؤدي إلى هجرة سكانية من تلك المناطق إلى المناطق الحضرية كون السكان يعتمدون بشكل أساسي في حياتهم ومعيشتهم على صيد السمك و حليب و لحوم الحيوانات خصوصا الجاموس”، كما أن “الهجرة الجماعية إلى المنطقة الحضرية ستؤدي إلى تأثيرات اجتماعية نظرا لاختلاف القيم والتقاليد والمستوى الثقافي وما شابه ذلك”.
ويستشهد الخبراء بزيادة المشاكل العشائرية شمال البصرة وجنوب محافظة العمارة بفقدان قبائل عرب الأهوار لأراضيها ونشاطاتها الاقتصادية، ومنازعتها سكان مدن الريف التي تعتمد على الزراعة ورعي الأغنام، ومحاولة الطرفين الانتقال للنشاطات الاقتصادية المرتبطة بالنفط في المحافظة، والتي تعاني أساسا من شح الفرص.
ويلوم عبد الخبير الحكومة العراقية التي يقول إنها لا تمتلك “توجها حقيقيا بالاهتمام بمعالجة مشكلة المياه الواردة إلى الأهوار، بل العكس هناك أصوات داعمة لترشيد المياه الواردة إلى تلك المناطق بدعوى أن ذلك يعتبر هدر في المياه بسبب التبخر للمسطحات المائية غافلين عن تأثير المسطحات على التوازن البيئي وتلطيف الجو فضلا عن كونها مصدرا اقتصاديا مهما جدا لعشرات الآلاف من السكان”.
ويضيف “لعل إهمال ذلك تجلى بشكل كبير في المؤتمر الدولي الأول للمياه في بغداد منتصف شهر مارس هذه السنة ولم تذكر فيه مفردة الأهوار في توصياته، أما الحكومة المحلية فهي ليست بأفضل من المركزية”.
ولم تستجب وزارة الري العراقية، أو حكومات العمارة والناصرية المحلية (وهي المحافظات التي تتشاطر أهوار جنوب العراق) لتساؤلات موقع “الحرة”.
لكن علاء البدران، وهو استشاري في مجلس محافظة البصرة ومتخصص في الزراعة والمياه يقول إن الحل الوحيد لمشكلة المياه في الأنبار هي من خلال تحريك وتدوير المياه “للتخلص من الأملاح والملوثات”.
ويقول البدران لموقع “الحرة” إن “التلوث يسبب مشاكل كبيرة للحيوانات التي تعيش في الأهوار، وللنباتات التي تعيش عليها تلك الحيوانات كما حدث في هور الحمار وأدى إلى مشكلة كبيرة”.
ويضيف البدران إن “الأموال لا تخصص بشكل كاف للأهوار العراقية، لكن هناك عدم اهتمام من قبل المسؤولين الأعلى سلطة في الحكومة العراقية”.
والأهوار العراقية هي مسطحات مائية واسعة تمتد على أجزاء من محافظات العراق الجنوبية، وتعيش فيها أنواع من الأسماك والحيوانات والطيور، بالإضافة إلى استيطانها من قبل قبائل عرب الأهوار كالشغانبة والكرامشة والبو المحمد، الذين يعتمدون على مياهها بصورة كبيرة للعيش.
ومنذ تعرض الأهوار إلى التجفيف خلال فترة النظام العراقي السابق، الذي كان يحارب حركات تثور ضده مستخدمة الطبيعة الجغرافية للأهوار، لم تعد الأهوار إلى طبيعتها رغم جهود إنعاشها، ورغم إدخالها في قائمة التراث العالمي كموقع مهم أحيائيا وتاريخيا.