شوكت توسا
من حُسنِ حظنا, أن لنا أسلافاً نجباء, سخوا على اخلافهم بكل ما امتلكوه, فلم يبخلوا علينا بامثالهم وحِكَمهم ,ضربوها نثرا وشعرا في مشاهد مناسبات تتكرر مع الزمن ضمن فعالياتنا الحياتية, تاركين لنا حرية الاختيار وتوقيت الرجوع الى نصوصها المختصرة كلما يخفق الاسهاب في جدواه .
تسهيلا لطرح فكرتي سلمياً, فضلت اختيارىكلمات العنوان من أصل نص المثل “إن سكرَ الفأر مشى على شارب البزون”, ويقال والعهدة على القائل, ان مناسبة المثل فيها ما يربطها بمشيئة الأقدار حين تسخى على احدهم بنتفة ريشات يتخيلها تصلح للطيران فوق البحار والمحيطات من دون بوصلة تقيه من التيه , ليس هذا فقط , بل خالها انها تصلح لمنازلة ملك الدجاج (علي شيش او طاؤوس)عندما ينفش ريشه, وبهذا الوهم يكون خياله المترامي قد إختطفه الى الاعتقاد الخاطئ بانه قد حقق ما عجز غيره عن تحقيقه, وما على الدنيا التي ورطتّه بفتات سخائها, إلا ان تغمض اعينها خشوعا لرشاقته الأخاذة و تفتح فاهها انبهارا بريشاته السحرية, فينطبق عليه المثل ” تزبّب قبل ان يتحصرم ويتعنّب”, والشاعر صفي الدين الحلي في هذا الصدد لم يكذّب خبرا حين قال “إن الزرازير لو طار طائرها – توهمت انها صارت شواهينا” , ولمن يود ان يتبّلها بالبهار, يمكنه ان يقرأ الزاء طاء .
عطفا على ما اسلفت ,نحن بلا شك في حسن تعاملنا او حتى في تصحيح اخطائنا مدينون لثراء خزين أورثه لنا الاسلاف ثرياً بالحكايات وبحِكَمِها المستقاة, تنطبق خلاصات زبدة مآثرها كما اسلفت على تفاصيل حياتنا اليوميه ,ومن هذه الحكايات قفزت الى ذهني قصة البزون مع فأرصغير تكفي لجسمه شمة خمر وليس رشفة شفه كي تثمل عقله وتربك ذاكرته,لم يكن هذاالفأرالمراهق بعد ْقد تعلم زجر الشمّة وايقافها عند حدها لئلا يدب دبيبها الى موطن الاسرار فتنسيه بان التطبّع لن يجديه مادامه عاجزا عن التغلب على طبع التجوال في مخازن المؤن والاطعمة يأكل من أصنافها خلسة ويقرض أغلفة الأوعيه إن وجدها خاويه,يسرح ويمرح دون رقيب يطارده ولا فخ يسلمه للعداله,الا اللهم عتويٌ عتيد نادرا ما كان يجد ضالته في حج المكان بحثا عن لقمته, فيدخل الفار مرعوبا في حالة الانذار خوفا من ان يفترسه .
و في ذات يوم مقفر من ايام أسبوعٍ شح ّفيه المقسوم ,بلغ الجوع بالفار مقتلا ً أنساه القيام باستطلاع المكان قبل الخروج من جحره ,فزرعه حظه العاثر وجها لوجه امام العتوي العتيد ,ما كان امام الفأر المذعورسوى القفز فوق برميل خشبي , ومن شدة أرتباكه لم ينتبه الى ان البرميل بلا غطاء , فغاص الفار في يمّ برميل مملوء بنبيذ الزبيب المعتق ,وبينما كان يحاول السباحة للنجاة بروحه اشتم عذوبة النبيذ او ربما رشف رشفة أسكرته جعلت منه هرقلاً تمكّن من القفزخارج البرميل ليعود و يتمشى هذه المره متبخترا يرزح يمينا وشمالا,واذا بالقط نائماً هذه المره باسطا شواربه في طريقه, لم يأبه الهرقل الثمل لوجود القط , فاستمر في المشي وهو يرزح, وقبل ان تدوس أصبع الفار شنب العتوي ,عطس عطسة ً أيقظت العتوي النائم على رائحة غريبه عليه لا تشبه النكهه التي اعتادها في لحم الفئران الصاحيه. فتركه دون ان يمّسه , ولان الثمالة أدّت بالفأرالى تفسير لغز المشهد بخلاف حقيقته, تقدم ليجرّب حظه في قرض أذن العتوي , ضحك العتوي ثم همس في أذن الفأر:تبقى فأراً,عُد لرشدك ومن حيث أتيت !!.
إنسانيتنا من وراء القصد
________
شنبات: شوارب
العتوي: البزون, وهو فحل القطه
رزحات: رقصات