شيرزاد شيخاني
شذ عن القاعدة ورفع صوته بوجه الزعماء العرب ومسح بهم الأرض ، فاعتبروه مجنونا !. كان دكتاتورا بمقاييس المصطلحات السياسية لأنه حكم أكثر من أربعين عاما ، لكنه كان ألطفهم وأشرفهم . فلم يرتكب مجازر ضد شعبه ، ولا ملأ السجون بمعارضيه . لا قصف بلدة ولا طمس قرية بطائراته . لم يشن حربا على جيرانه ، ولا احتل أراضي غيره .. إنشغل ببناء بلده وسعى لتحقيق الرفاه لشعبه . ولكن الشعب تنكروا له ، خذلوه وخانوه !. قتله الأوباش ليدخل البلد في دوامة من العنف والحرب الداخلية التي لا أول لها ولا آخر .. ذلك هو الرئيس النبيل معمر القذافي .
لم يكن القذافي مجنونا ، بل كان يتوق كقائد ثوري شب على مباديء ثورية أن يحقق وحدة عربية قوية بمواجهة قوى الاستعمار والرجعية ، وكان أمينا على تلك المباديء حتى آخر لحظة من حياته . ولكن كل الذين إعتبروا أنفسهم أعقل الحكام ، أصابهم مس من الجنون .
أولهم زعيم الأمة العربية جمال عبدالناصر الذي كان يوصف بأعظم قادة العرب في التاريخ المعاصر . كرسته آلة اعلامية ضخمة كزعيم للأمة العربية ومناضلا صنديدا ضد الإستعمار والصهيونية والإمبريالية ، ولكنه قاد شعبه وأمته الى هزيمة مخزية في حرب لم تدم سوى ستة أيام في حزيران عام 1967 .. وقبلها مني بهزيمة أشنع حين فشلت وحدته الإندماجية مع سوريا ! .
كان عبدالناصر مهوسا بعظمة زائفة ، وهذا بالذات ما نستطيع أن نصفه بجنون العظمة . لذلك ملأ سجونه بالأحرار المصريين ، ولاحقت مخابراته معارضي نظامه في كل مكان ، وجعل من نفسه دكتاتورا أوحد وزعيما مزيفا للأمة العربية! .
نفس الحلم الزائف قاد صدام حسين الى أن يتحول الى دكتاتور أرعن ، ويدعي أنه حارس البوابة الشرقية للأمة العربية وأنه صاحب رسالة خالدة يقود أمته نحو تحرير فلسطين . ولكن الذي حصل أنه خاض عدة حروب عبثية فاشلة مني في جميعها بهزائم منكرة من القادسية الى حرب احتلال الكويت ، وأخيرا هزيمته الكبرى في حربه ضد أمريكا التي قوضت نظامه الى الأبد ! .
كان صدام مثله مثل ناصر مسه جنون حقيقي حين خاض حربا شوفينية ضد الشعب الكردي فدفن أكثر من 180 ألف انسان كردي أحياءا في صحارى الجنوب ، وظن أنه سوف ينهي بتلك المجازر الوحشية قضية قومية مشروعة للشعب الكردي . قتل وشرد ملايين العراقيين ظنا منه أنهم يعوقون مسيرته نحو توحيد الأمة العربية بقيادته وتحرير فلسطين من الصهيونية والإستعمار !.
عمر البشير كسابقيه من الدكتاتوريين العرب ، أصيب بالجنون حين شن حربا شعواء على أبناء بلده في الجنوب فتسبب بذلك بسلخ جزء من بلاده ، ثم خاض حربا مدمرة في دارفور وقتل الآلآف وشرد الآلاف !.
بشار الأسد ، مجنون آخر دمر بلده وسواها بالأرض وخاض حربا شرسة ضد شعبه ، أنزل عليهم براميل المتفجرات ودمر مدنا وسواها بالأرض ، في وقت أنه عجز تماما كما والده من تحرير ولو أشبار من أرض بلاده المحتلة في الجولان!.
آخر مجانين العصر هو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد . هذا الحاكم مصاب فعلا بمرض جنون العظمة ، فهو يمتلك من الأموال الطائلة ما ان مفاتيحه تنوء بالعصبة أولي القوة ، وهذه الأموال جعلته يحلم بأن ينصب من نفسه حاكما للأمة العربية ، فتراه يمد أذرعه بكل شبر من أراضي الدول العربية ، بل ويتجاوزها أحيانا الى خارج حدود العرب من خلال تمويله لنشاطات إرهابية هنا وهناك . فهو يقف وراء تمويل جميع الميليشات الاسلامية المنتشرة في أرجاء العالم وفي أراضي العرب بليبيا وسوريا ومصر والصومال . أينما كان هناك نشاط إرهابي في قارات العالم ستجد تمويله يأتي من قطر!.
كل هؤلاء الحكام الدكتاتوريين يستأسدون على شعوبهم ، لكنهم من أجبن الجبناء حين يواجهون قوة إستعمارية أو إمبريالية !.
هؤلاء الذين أبتليت بهم شعوب المنطقة ، لو كرسوا نصف أموال الدولة التي يسخرونها لأجهزة المخابرات والإعلام لصنع دكتاتورياتهم ، وصرفوها من أجل تحسين التعليم وترقية الخدمات الصحية لمواطنيهم ، وتعبيد الطرق وبناء المدارس والمستشفيات ، ما تأخرت شعوبهم عن اللحاق بركب الحضارة الانسانية ، ولا أصبحوا في قاع المجتمعات البشرية . ولكن ماذا نفعل والشعوب برمتها مخدرة بأوهام يصنعها الدكتاتوريين فقط لتشديد قبضتهم على أعناق تلك الشعوب .
أقول ، أن الدكتاتورية ليست جينات وكروموسومات تنتقل من حاكم الى آخر ، ولا هي سلعة تصدرها لنا دول الإستعمار والأمبريالية ، بل هي منتج محلي تصنعه الشعوب العربية بصمتها وهوانها وإستسلامها . وما الدكتاتور الا فرد من أفراد هذه المجتمعات المتخاذلة ..
” كما تكونوا يولى عليكم ” ، صدق رسول الله …