بهرا – اعداد: ابراهيم اسحق *
ان نشأة الصحافة السريانية بمعناها الحقيقي بدأ بالصدور عند الكلدان السريان الآشوريين في منتصف القرن التاسع عند صدور اول صحيفة سريانية تحمل مقومات تمنحها صفة الصحيفة. فكانت الانطلاقة الاولى للصحافة للسريانية هي صدور صحيفة اشعة النور (زهريرا دبهرا) التي صدر العدد الاول منها في مدينة اورميا بايران في الاول من تشرين الثاني عام 1849.
لكن قد تكون نشأتها اقدم من هذا التاريخ!، ففي بلاد الرافدين كان العراقيون القدماء امثال الاشوريين والبابليين يمارسون الصحافة عن طريق نشر الاخبار والحوادث اليومية مكتوبة على رقم طينية او استخدام الكتابة الصورية على جدران المعابد والقصور.
ومع ظهور الصحافة السريانية بشكلها الحالي التي روجت للثقافة السريانية بمختلف فروعها وعملت بأدواتها وأهمها اللغة، (اللغة الأم) للشعب الكلدوآشوري السرياني. انقسمت الصحافة الى قسمين، الاول الصحافة الصادرة باللغة السريانية من الصحف والمجلات والوسائل الإعلامية الأخرى والثاني الصحافة الصادرة باللغة بالعربية والتي اختصت بشؤون الكلدان السريان الآشوريين والصحافة والإعلام السرياني.
مراحل تطور الصحافة السريانية:
مرت الصحافة السريانية منذ نشوئها والى يومنا الحاضر بست مراحل عملت على تطورها وهي كالتالي:
*اولا:مرحلة النشوء والتأسيس
(1849- 1918):
ان مرحلة نشوء الصحافة السريانية طويلة جدا، تمتد منذ صدور زهريرا دبهرا، وحتى الحرب العالمية الاولى، وهذا في أورميا، ولكن في مناطق أو أقاليم، نراها أقصر بكثير، كما في الموصل اذ ان أكليل الورد قد صدرت فقط في 1902. وفي هذه المرحلة نشطت البعثات التبشيرية في العديد من مناطق شعبنا، وخاصة أواسط القرن التاسع عشر.
اذ كان لصدور صحيفة زهريرا دبهرا باللغة الأم أهمية كبرى كونها أصبحت ميدانا لخروج اللغة السريانية من أروقة الكنائس والمدارس المسيحية الخاصة وكتب التراتيل والصلوات إلى ميدان العمل الفعلي فأخذت تنقل أخبار العالم وأخبار شعبنا إلى العالم المتحضر في وقت كان الأعلام فيها محصورا جدا بسبب سياسات الدولة أولا والتقنية ثانيا. كما أصبحت مدرسة لتعلم السريانية لمن يطلبها وعاملا مهما من عوامل تطوير اللغة ودخول مفردات جديدة غير التي كانت تستخدم في الكتب الطقسية والكنائس إضافة إلى قيامها بترجمة نصوص من لغات أُخرى إلى السريانية وبهذا فتحت المجال أمام الكتاب السريان لأن يتعرفوا على ثقافة وآداب شعوب أُخرى. وتَخرَّج منها العشرات من كتاب شعبنا وتعلموا مهنة الصحافة وبذلك شكلوا الرعيل الأول والنواة الأولى للصحافة السريانية والذين خطوا العتبات الأولى لهذه المهنة.
* ثانيا : مرحلة النزوح والهجرة
(1918- 1933):
تميزت هذه المرحلة بالحروب والتحريض في دور العبادة وعلى أوراق الصحافة ضد الشعوب المسيحية، فخلال الحرب العالمية الاولى أستبيحت دماء الارمن والكلدواشوريين وممتلكاتهم في مجزرة سيفو في تركيا بلغ عدد ضحايا المجزرة 500 الف من ابناء شعبنا الكلدواشوري ومليون ارمني. ولم تكن الاوضاع أفضل في الجانب الايراني “أقليم اورميا وغيرها”.
وفي العراق وسوريا، عدم الاستقرار كان الصفة السائدة لحياة شعبنا اضافة الى سوء الاوضاع الاقتصادية والامنية لشعبنا. وارتكاب الحكومة العراقية مجزرة بحق الكلداشوريين في شمال العراق في منطقة سميل وقراها، وقدرت ضحايا (مذبحة سميل) باكثر من ثلاثة آلاف شهيد ، اضافة الى تشريد الالاف من ساكنيها، فتحققت حركة نزوح وهجرة الى سوريا ولبنان، والى اوروبا والامريكتين.
ونتيجة لهذا المأسي التي تعرض لها شعبنا انحسرت الصحافة بشكل كبير في هذه المرحلة ولم يصدر سوى عدد من الصحف والمجلات في المهجر خلال هذه الفترة.
* ثالثا: مرحلة الوعي القومي الوطني
(1933- 1970):
ان ما تعرض له ابناء شعبنا كان احد الاسباب التي أدت الى ابتكار الاساليب الناجعة لتأطير الوعي القومي بالفكر السياسي الذي يؤسس على مبدأ المواطنة والشراكة في الوطن، وأيضا تقوية العلاقات مع الاخر وعلى اساس المواطنة. حيث تم تشكيل احزاب طرحت المفاهيم القومية والوطنية تشكلت على اثرها عشرات الجمعيات والاندية في الوطن والمهاجر، وأصدرت هذه المؤسسات، أو النخب صحفا انتهجت مفهوم الحق القومي وبطروحات وطنية واقعية.
* رابعا: مرحلة صدور قانون منح الحقوق
(1970- 1990):
بعد صدور قانون منح الحقوق (للناطقين باللغة السريانية !!) في اوائل السبعينيات من القرن العشرين، صدرت في بغداد ومحافظات اخرى عدة صحف ومجلات متحمسة للقيام بواجبها التاريخي. بالاضافة الى الجمعية الثقافية السريانية، اتحاد الادباء السريان، جمعية الفنانين السريان.. وغيرها.. تشعبت نشاطات هذه المؤسسات وخاصة في تعليم اللغة الام السريانية، ساعدتها في ذلك كنائس عديدة، وبتعلم وتعليم اللغة، كان هناك تطورا في المسرح والاغنية والاداب، وانعكس كل هذا على نمو الوعي القومي المصطبغ بالوطنية.
* خامسا : مرحلة ما بعد حرب الخليج الاولى
(1990- 2003):
بعد انتفاضة الشعب على النظام السابق في اذار1991 وتحريراقليم كردستان كليا من سلطة النظام الدكتاتوري. وبعد اجراء اول انتخاب ديمقراطي لترشيح ممثلي الشعب في البرلمان ومنها سن القوانين الجديدة… كانت بداية في مسيرة التغير لجميع القوميات والمكونات المتعايشة في اقليم كردستان … وفيها استطاع الاعلام بجميع قنواته العمل وبما يخدم مصلحة الشعب. حيث باشر الاعلام الكلدواشوري السرياني نشاطه من خلال الاحزاب السياسية الموجودة في الساحة بتأسيس لأول مرة في تاريخ شعبنا العديد من الأذاعات في اربيل ودهوك ومناطق اخرى. واستطاعت صحيفة ” بهرا” بعد مسيرة من صدورها السري ان تصدر من اربيل بشكل علني وباللغات السريانية والعربية. كما اصدر المركز الثقافى الاشوري في دهوك عام 1992 اول مجلة بأسم “نجم بيث نهرين” والتي لازالت مستمره في الصدور.. واعقبت المرحلة اصدارات اخرى تخصصيه منها صحيفة للطلبة بأسم “ميزلتا” و للنساء” نهريتا” خاصة بأتحاد النساء الأشوري.
* سادسا : مرحلة العراق الجديد ما بعد السقوط
( 2003 الى الحاضر):
كانت هذه المرحلة انطلاقة حقيقية للصحافة الحرة عامة ومنها الصحافة السريانية، كان لاجواء الحرية وتطوير الاساليب الديمقراطية، ونشر مفاهيم الحرية والتآخي، وقبول الاخر، والدفاع عن الحقوق المغتصبة، ونشر الوعي، دورا هاما في رفد مسيرة الصحافة عامة ومنها السريانية.
بالمقابل كانت تغطية نفقات وسائل الاعلام التقليدية ضخمة التكاليف ولا تستطيع تغطيتها الا الحكومات، لذلك فأن وسائل أعلامنا اصبحت محدودة.
كذلك كان ظهور الصحافة الاكترونية كنافذة معاصرة ساهمت في ديمومة الصحافة السريانية. المعوقات التي تواجه الصحافة السريانية في الوقت الحاضر:
ان كل الصحافة السريانية تواجه معوقات جمَّة في تناول مواضيعها باللغة السريانية وايصالها للقاريء الكريم بسبب انحسار القراء باللغة السريانية وذلك بسبب سيطرة اللغة العربية على ثقافة معظم ابناء شعبنا. حيث عمل النظام الملكي الذي صنعه الانكليز في اوائل القرن العشرين في العراق على اقفال ابواب المدارس السريانية منذ 1918 م وفتح بدلا عنها مدارس عربية في جميع ارجاء الدولة العراقية الحديثة. ونتيجة لذلك بدات اعداد قراء اللغة السريانية بالانحسار بالتدريج الى ان وصلت الحالة الى اضمحلال قراء اللغة السريانية تقريبا. اضافة الى ان الكثير من الكنائس تنصلت عن واجبها في تدريس اللغة السريانية وتقديم الصلوات باللغة العربية. وكذلك ولاسباب مختلفة اهمها (التكاليف المادية) احجمت بعض الصحف عن نشر موادها باللغة السريانية لقلة قرائها.
اهم رواد الصحافة والادب السرياني:
* الملفان (نعوم فايق) :
هو نعوم بن الياس بن يعقوب بالاخ ، ولد في مدينة امد (ديار بكر) في شباط عام 1868 واضيف له لقب فائق بعد نزوله إلى ميدان العمل مقتديا بالاتراك باضافة القاب لأسمائهم.
– في عام 1908 بادر الى تاسيس جمعية الانتباه، وبعد عام اصدر جريدة كوكب الشرق. اضطر للهجرة عام 1912 الى الولايات المتحدة الامريكية. وهناك اسس جريدة ما بين النهرين ثم تولى تحرير جريدة الاتحاد في 1922 لعام واحد. عاود نشر جريدته ما بين النهرين لغاية عام 1930.وفي 5 شباط 1930وافته المنية بعد ان الف 32 كتابا ومخطوطا في التاريخ واللغة وعلم الحساب والترجمة والشعر، واكثرها مخطوطات لم تطبع.
* شهيد الصحافة (اشور يوسف دخربوت) :
ولد اشور يوسف في مدينة خربوط عام 1858 م ، وقتله الاتراك في مذابح عام 1915. انشأ جريدة مرشد الاشوريين للغاية التي يدل عليها اسمها. وهي اول صحيفة اشورية قومية صدرت باللغتين السريانية والعربية تبحث في الادب والدين والتهذيب والتاريخ، ونشرت على صفحاتها اخبار الاشوريين في مختلف مناطق تواجده لذا يعتبر الشهيد اشور يوسف شيخ الصحافة الاشورية ومؤسسها بلا منازع.
* المفكر (يوسف مالك) :
علم من اعلام الفكر والسياسة الآشورية الكلدانية ونصير الامم والقوميات المضطهدة والمدافع الحر عن حقوق المظلومين والفدائي المتطوع الذي كرس حياته كلها خدمة لقضية شعبه بصلابة وثبات. ولد بتلكيف في 15 آذار 1899، كان كاتبا وصحفيا وسياسيا، ملأ بقلمه الجريء اعمدة الصحف وقد أدى به الى السجن والنفي. وكان على اطلاع باسرار السياسية البريطانية انذلك المعادية لنهضة الشعوب الشرقية المضطهدة بحكم وظيفته في دائرة الانتداب البريطانية.
كتب مقالات عديدة كتبها ونشرها في جريدته المشهورة ” اثرا -الوطن ” التي اسسها في لبنان عام 1938. وكانت تصدرباربعة لغات (السريانة والعربية والانكليزية والفرنسية). واصدر جريدة سياسية اسبوعية ” الحرية “. وبسبب دفاعه عن حقوق شعبه المسلوبة اصدر المفوض السامي الفرنسي بضغط من الحكومة الملكية وسادتها الانكليز امرا بنفي يوسف مالك الى قبرص. ثم عاد الى بيروت، حتى وافته المنية يوم 26 حزيران 1959 في ديار الغربة بعيدا عن الوطن والاهل.
* الصحافي الثائر (فريد نزهة) :
ولد في حماة في 10 كانون الثاني عام 1894 وهاجر إلى الأرجنتين مع قوافل المهاجرين الأوائل من سورية وهو من كبار أدباء الآشورين الذين ناضلوا من أجل القضية الآشورية. لا ييأس رغم كل الصعاب التي اعترضت طريقه، مات في 19 تشرين الأول 1971 .
أسس مجلة الجامعة السريانية في بيونس آيرس عام 1934. ووقف ضد أخطاء بعض رجال الأكليروس السرياني، وكان يوجه إليهم نقدا لاذعا شديدا في كثير من الأحيان. وجعل من مجلته التي أصدرها وترأسها أكثر من 37 عاما منبرا حرا لكل أدباء القومية الآشورية في العالم.
* المصدر: (الكتابات الادبية في الصحافة السريانية)، ساناي منصور كادو ،بحث تخرج لشهادة البكالوريوس، كلية اللغات ، قسم اللغة السريانية 2013 .
نشر التقرير في العدد 657 من جريدة بهرا …