فواد الكنجي
من أهم متطلبات التنمية المعرفية والثقافية هو توجيه الفكر لبناء مقومات الوعي عند الأفراد لإدراكهم مدى أهمية التحضر.. والتقدم.. والازدهار إي مجتمع، لأن متطلبات الحياة للإنسان المعاصر بحاجة إلى الإدراك الواعي والاهتمام والتفاعل المشترك من اجل إيجاد سبل نهضة لكل مؤسسات الدولة الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية؛ لدرجة التي يتطلب من أي فرد من أفراد المجتمع وفي أي موقع كانوا بناء معرفتهم الثقافية بناءا سليما ومتواصلا مع كل مستجدات الواقع وتطورات الحاصلة في الحياة العلمية والثقافية وذلك من خلال التفكير.. والتحليل.. والوعي.. والمعرفة.. والثقافة.. ومحاورة الآخرين كمرشد.. ومعلم.. وأستاذ؛ لكي يستطيع إن يؤثر على طريقة التفكير ونمط العقلية السائدة في المجتمع بشكل عميق لتكون بينه وبين المؤسسة الاجتماعية علاقة دائمة لتطوير قدراتهم وتحسيس الآخرين بأهميتهم ومكانتهم بما يتحتم عليهم المشاركة الايجابية في مختلف ميادين الحياة لكي يتم بناء مؤسسات الدولة بناءا سليما يضمن للأفراد سبل العيش الكريم.. والرفاهية.. والعدالة الاجتماعية، فيتعاملوا مع مختلف مكونات المنظومة الاجتماعية بروح التضامن والتآخي بشكل يضمن مشارك الجميع بروح وطنية خلاقة لبناء دولتهم بناءا حضاريا زاهرا بالنمو والازدهار وعلى كل مستويات الحياة، لان بغياب الوعي المعرفي والثقافي للأفراد الذين هم بنية المجتمع لا يمكن أن تتحقق حياة حضرية متميزة في البلاد .
فالمجتمع المتحضر هو مجتمع لديه وعي بمدنية المجتمع لما يسود فيه من أفكار حداثية مرتبطة بالثقافة والمعرفة وبالمسألة الحرية.. والتنمية.. والمساواة.. والتآخي.. واحترام حقوق الإنسان والرأي الآخر؛ باعتبار هذه المفاهيم هي مفاهيم عامة للحياة الحضرية المعاصرة؛ والتي تساهم للانتقال إلى مجتمع مدني يتح للأفراد التعاون والمشاركة لبناء حياة أفضل لائقة بالمجتمع المتحضر في دولة لها سيادة واستقلال؛ لما يملك المجتمع من الوعي الثقافي والمعرفي؛ بعد إن تجند المؤسسة (التربوية والتعليمية) – هذه المؤسسات التي يجب على الدولة ومؤسسات المجتمع تقديم كل الرعاية لها – لكي تبذل كل جهودها في استحداث مناهجها وتطويرها لتوعية أجيال المجتمع؛ والتي بدورها تقوم برفد مؤسسات المجتمع بأفكار مدنية لنشر الوعي المدني بين أفراد المجتمع، لان نشر هذا الوعي يساهم في تحسين نوعية وظروف حياة الناس من الناحية الاجتماعية.. والصحية.. والمعيشية.. والثقافية.. والعلمية.. والأخلاقية ؛ بل إن هذا (الوعي) الذي تنشره المؤسسة (التربوية والتعليمية) يرسخ ثقافة التآخي.. والتسامح.. والتفاهم.. والتواصل.. بين مختلف أطياف ومكونات وفئات المجتمع المدني وبما يعزز بين الأفراد والجماعات ثقافة الشراكة والتقارب بين كل أفراد المجتمع ثقافيا ومعرفيا .
ومن هنا يتبين لنا مدى أهمية المؤسسة (التربوية والتعليمة) في تغيير وتحديث ثقافة المجتمع؛ لأنها مؤسسة لديها كل المؤهلات العلمية والثقافية و تستطيع ترشيد الأفراد والمجتمع؛ كما إنها تستطيع إن تتفاعل مع الحداثة وتواكب الأفكار التقدمية المدنية والتفكير العقلاني والأخلاق؛ وكل ما في العلوم المعرفية من جديد؛ لان بطبيعة الحياة المعاصرة تستدعي مواكبة الأفكار الجديدة التي تواكب العلم والثقافة والتطور التكنولوجي؛ وهذا ما يجعل مؤسسة (التربية والتعليم) تواكب الحداثة والتغيرات الحاصلة في الحياة المعاصرة؛ من اجل إحداث تغييرات هامة في المجتمع ورفده بكل ما هو جديد علميا.. ومعرفيا.. وثقافيا؛ وعبر استحداث مناهجها وبشكل مستمر لكي لا يبقى المجتمع متخلفا عن التحضر، لان (التحضر) و(المدنية) هو أمر لابد منه لمواكبة متطلبات العصر والحداثة والحياة المدنية المعاصرة؛ لان التحضر من خلال ثورة المعلومات والتكنولوجيات أصبحت نموذجا للحياة المعاصرة في كل مجتمعات دول العالم؛ أي إن كل أنماط الحياة قد طرأ عليها تغيرات ايجابية؛ ليس فحسب في طبيعة العلاقات الاجتماعية بل في كل أنشطة الحياة البشرية لدرجة التي أصبح (التحضر) من الأهمية باعتبارها وسيلة وأداة للوعي المعرفي؛ وبما مهد كل الظروف المناسبة للحراك المدني وتعميق الممارسات المدنية في المجتمع، من احترام حقوق الإنسان.. والتآخي.. وعدم التهميش أي مكون من مكونات المجتمع في الحياة السياسية.. والاجتماعية.. والاقتصادية؛ بعد إن أصبح من حق أي فرد من أفراد المجتمع دون تميز تشكيل وبناء المؤسسات والكيانات والجمعيات الثقافية المختلفة لبناء ورفد مؤسسات لدولة بكل ما هو ايجابي وسليم لتحضره وازدهاره، وهذه الخلفية الحضرية للمجتمع تنمي المشاركة في العمل وبناء مؤسسات الدولة بإيجابية وفاعلية؛ بما يتيح للأفراد الدخول في علاقات اجتماعية مع الآخرين – ألمختلفي عنهم – في السمات الثقافية.. والدينية.. والقومية.. والاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية، لان إرساء (الوعي) على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع هو الذي يجعل المجتمعات تباشر بسن القوانين وتشريعات من أجل إرساء الوعي المدني في المجتمع، باعتبار هذا (الوعي) يعبر عن كل مفاهيم الوعي عند الإنسان ويهتم بإنسانيته وعاطفيته، وبوجود (الوعي) تتحقق عملية التحضر المجتمعي، لان (الوعي المدني) يلعب دورا هاما في تحضر المجتمع، وان (الإنسان المدني)؛ إنسان يوصف كونه متوازن مع نفسه والآخرين؛ يحترم الإنسانية والقوانين ويعمل بها وينتمي إلى وطنه قبل الانتماء إلى عشيرته وقبيلته وأي تنظيم اجتماعي أو سياسي أخر، باعتبار إن هذا (الوعي) هو من إنتاج المنظومة المدنية الحضرية؛ وباعتبار إن الإنسان يمتلك بهذا القدر أو ذاك من الوعي والأخلاق المدنية تمكنه المشاركة الايجابية في توعية المجتمع؛ بمعنى إن لديه الإلمام بجميع الممارسات التي نلاحظها في هذا المجتمع أو ذاك؛ وهي بدون ادني شك تختلف من مجتمع لآخر من حيث النظرة التقيمية لهذا الفعل عن ذاك .
لذلك يعتبر (الوعي الاجتماعي) من أهم عناصر تقدم وتطور المجتمع؛ بكونه يلعب دور عظيما في استقرار المجمع ونهوضه وتحضره، وهذا (الوعي) هو الذي يشعر الفرد بأنه مرتبط مع باقي أفراد المجتمع؛ بكونه جزء من الكل وهذا الشعور يجعل هذا الفرد أكثر ترابطا وتعاطفا مع المجتمع؛ وهو ما يجعله يقوم بأداء واجباته الوطنية بأفضل صورة ووجه؛ لان شعوره بالمسؤولية هو الذي يضبط سلوك وتصرفاته بشكل أخلاقي؛ ولا يصل الإنسان إلى هذا المستوى من المسؤولية إلا بعد إن يعمل الإنسان على تنمية (الوعي) بشكل مستمر من خلال تطوير قدراته الفكرية ومن خلال ربط تلك القدرات بتنظيم علاقته بالبيئة المحيطة وبتجاربه الحسية التي تشكل خبرته في الحياة .
ولما كان (الوعي) يرتبط أساسا بـ(المعرفة) أي بالمعرفة العلمية والمعرفة الإنسانية، ولنمو (الوعي) عند الفرد لابد من تفعيل قدرات العقل بالبناء المعرفي؛ بمعنى إن يبذل الفرد جهوده لمعرفة الواقع والحياة التي تحيطه ومن ثم العمل لصقل (الوعي المعرفي) ضمن اهتمام الفرد في مجال معين، وهنا نجد في اغلب بلدان العالم بان النظام (التعليمي) يتجه نحو التخصص بعد إن كان في الماضي نظاما عاما؛ ولكن في هذا العصر يذهب طلاب العلم والمعرفة إلى مجال التخصص في علم أو معرفة محددة؛ و يتجهون ضمن اختصاص الذي يرغبون التخصص بعلومه، هذا في مجال (الوعي الفردي) اما (الوعي الجمعي) فيرتبط بنظام الحياة بشكل عام من حيث معرفة سلوك والأنظمة والقوانين التي تنظم الحياة في المجتمع، وهنا تكمن التكامل بين الوعي الفردي ووعي الجمعي، لان الطرفيين يشتركون في مساحة سلوكية داخل المجتمع ويكون بينهما نوع من اخذ وعطاء بهذا الشكل وذاك؛ لأن هناك علاقة وثيقة بحياتهم اليومية وهذا ما يفعل دورهم في الحياة وفي وعي اتجاه كل مجالاتها؛ ومنها (الوعي الثقافي) الذي أساسا يرتبط بشكل عام بالجانب الأدبي.. والفني، و (الوعي المعرفي) وهو وعي يرتبط بالمجالات العلمية المختلفة، الذي يشكل القاعدة المعرفية مهمة بكون هذا نوع من (الوعي) هو الذي يحرك وعي المجتمع، ويتفاعل مع واقعه سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو على مستوى المجتمعات الأخرى، وهنا سنتناول بإيجاز (الوعي) الذي يجب تنميته ضمن بعض جوانب الحياة لتوضيح قيمة الوعي في معرفة كل ما يحيط ويدور حولنا:
فـ(الوعي الأخلاقي) هو الوعي يساهم بشكل كبير في تنمية الشعور لدى الإنسان والذي يكمل دور العقل لتشكل الوعي لدى الإنسان بشكل متكامل.
أما (الوعي البيئي) هو وعي يجب الإلمام بـواقع البيئي؛ لان التلوث البيئي أصبح يهدد الحياة؛ ولابد من معرفة كل مسببات ذلك.
و(الوعي السياسي) رغم إن هذا نوع من الوعي لا يتطابق مع القيم الإنسانية بشكل عام؛ بكونها أفكار متطرفة تتغير على الدوم وليس هناك ثوابت بقدر ما لها من نزعة (سادية) و(ميكافيلية)، ولكن لان (السياسة) في هذا العصر أصبحت واقع حال؛ لذلك يتطلب من الأفراد أن يفهموا هذا العالم بشكل واضح حتى يتمكنوا التفاعل معه بشكل يراعي مصلحتهم ووجودهم وهوياتهم.
أما (الوعي الاقتصادي) له أهميته لمعرفة الإنسان بشؤون الاقتصادي؛ ليشكل ها نوع من الوعي ثقافة للشعب ليكون منتجا في مختلف المجالات.
وحينما ينمي الفرد وعيه على كل أصعدة وأنشطة الحياة فلابد أن يتحول هذا الوعي إلى سلوك جمعي من خلال اخذ وعطاء؛ وبانتشار التجارب الفرد واشتراك في أنشطة المجتمع؛ ومن خلال تبادل المعرفة والتجارب التي تخلق التأثير الإيجابي في واقع المجتمع، وهذا ما يعمق الوعي ويدعم التجديد في الأفكار الني تسهم في التحضر المجتمعي؛ بعد إن يشترك الجميع في كل الأنشطة المجتمعية – والتي لا محال – ستعمل على تنمية الوعي والنهوض بإفراده والمجتمع للمشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية في ظل أجواء تتسم بالحرية والثقافة الحضرية المجتمعية، لان نظام الحياة الذي يسير وفق هذا الاتجاه لا محال سيغرس القيم والأفكار والمحافظة على العادات الايجابية وسيعمل على تمكين الأفراد وإبراز مواهبهم وثقافتهم وعلومهم في خدمة المجتمع.
لان تحضر الأفراد يرفع من درجة وعيهم للمشاركة والمساهمة والمتابعة و بالأداء الفاعل في الشؤون الحياتية؛ لان تنمية الوعي سيساهم بتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني التي تكمن أهميتها في التحضر.. وحضرية المجتمع؛ والتي منها تأتي التغيرات الإيجابية في المجتمع والدولة نحو التحضر؛ بعد إن تصبح جميع مؤسسات الدولة والمجتمع متجه نحو التنمية الثقافية كمنهج للحياة وأسلوب لتسيير وتقديم الخدمات للمجتمع؛ وبعد إن (تجند) كل مؤسسات التربية والتعليم للتنشئة أجيال المجتمع.. وتوعيتهم بالعلم والمعرفة.. وباحترام حقوق الإنسان.. والثقافة التعددية.. والحريات.. والاهتمام بالمرأة وتمكينها اجتماعيا.. وسياسيا.. واقتصاديا؛ وهذا ما يجعل توجه المجتمع يتجه نحو بناء علاقات اجتماعية تأخذ منهجها بوعي وتسير نحو التحكم بالضمير.. والأخلاق.. واحترام إرادة الأخر؛ بعيدا عن نظام السلطوي سواء على نطاق الأسرة أو المجتمع؛ الذي يصل حد القمع.. وتقيد الحرية.. وتعزيز ثقافة الخوف؛ وهذه التنشئة الخاطئة تأتي نتيجة عدم الوعي وغيابه من سلوك الإنسان؛ وهي سلوكيات اجتماعية انتشرت في مجتمعاتنا متخلفة عن التحضر والمدنية؛ وهي بقياس التحضر والوعي تعتبر صيغ للهمجية والتخلف؛ لان فرض إرادة على الآخر لا تأتي بالقوة وإنما تأتي بالتعليم.. والتهذيب.. والتثقيف.. والوعي.. والإقناع بما هو صح وخطا، لان كما هو معروف بان (الفرد الاجتماعي) هو إنتاج عمليات التنشئة الاجتماعية وبما فيه من قيم تنعكس على الممارسات الحياتية اليومية، لذلك يجب توجيهه نحو القيم وتشذيبها بالقيم المثلى بالمعرفة.. والأخلاق.. وبقدرات الوعي.. والتحكم بالممارسات.. وترشيد الأفراد بقيم العدالة.. والمساواة.. واحترام حقوق الإنسان.. ونشر وعي بين الأفراد وتنشئتهم على قيم الاندماج الاجتماعي والثقافي والتكيف مع البيئة الاجتماعية الحضرية، لان الوعي يساهم في التثقيف الأفراد وتنمية النسيج المجتمعي، لذلك فان الثقافة المجتمعية يجب تنميتها بشكل مستمر لكي تؤثر على مستوى التحضر المجتمع؛ لذلك كلما كانت ثقافة المجتمع عالية كلما كانت مستويات تحضره عالية والعكس صحيح، وبهذا المعنى فان دور مؤسسات (التربية والتعليم) مهم جدا في توعية الأجيال لإدامة رفد المجتمع بمثقفي الذين ينخرطون إيجابا في بناء مؤسسات المجتمع لتكون ثقافة هؤلاء ثقافة يتقبلها المجتمع ويتبناها بعد إن يدرك الفرد حقيقتها فيتفاعل معها ايجابيا؛ ولهذا يجب إن تكون هناك دوما ثقافة اجتماعية ناظمة لسلوك المجتمع؛ ويجب إن تتولى مؤسسات (التربية والتعليم) هذا الدور لكي تتحول الثقافة إلى وعي مجتمعي يفرض واقعه على الفرد؛ حتى إذا لم يدرك الفرد ذلك؛ لان الثقافة حين تصل إلى هذا مستوى من المسؤولية ستكون هي الناظمة لطبيعة توجهات المجتمع بعد إن يدرك الفرد وتكون لديه معرفة كاملة بحقوقه وواجباته ليتم التناسق بين العلاقات التي يعيش وفقها الفرد والمجتمع وفق ثقافة الاجتماعية؛ ولما كان الفرد جزء من هذا الوجود فعلية واجب تنظيم علاقته مع هذه البيئة لكي يضمن الاستقرار الفكري والتصوري للمجتمع .
ومن هنا نفهم؛ بان لكل مجتمع ثقافة، ولكل ثقافة هوية، ولكل هوية خصوصية، ومنها تنبثق القيم السامية والعراقة والأصالة التي هي من أهم مقومات الثقافة والثقافة الإنسانية بكل روافدها ومنابعها، لذلك فان لكل مجتمع أو امة ثقافتها تتميز عن باقي المجتمعات أو الأمم؛ رغم إن الثقافة – بشكل عام – وعبر كل ألازمنه تتلاقح وتقتبس من غيرها أي منها ومعها وتتحاور وتتفاعل بهذا الشكل وذاك؛ فتكتسب القدرة والقوة في التناغم والمناعة وعلى التكيف مع البيئة والمحيط الإنساني بشكل عام، وهذا التنوع الثقافي يفرض نفسه رغم وجود اختلافات في العادات والأعراف والقوانين المنظمة لكل جماعة؛ ولكن الالتماس والتداخل بين عناصر وأجزاء الثقافات هو ميزت من مميزات عصرنا الحالي نتيجة التواصل الدائمة بين أفراد المجتمعات وشعوب العالم المختلفة وهذا ما يساهم ويساعد على بناء الخبرة والتجربة الإنسانية بشكل عام، ولكن نتيجة الهيمنة السياسية.. والعسكرية.. والاقتصادية؛ شاب هذا التواصل بين الأمم نوع من الإقصاء.. والتهميش.. والتقزيم.. والاستغلال؛ وذلك بغية لاحتواء ثقافة الآخر؛ وهذا ما سببته وتسببه (الثقافة الاقتصادية) ألتي اليوم تهيمن على مجريات الحياة العامة؛ باعتبار (الاقتصاد) أصبح عصب الحياة المعاصرة، ولكن مهما اشتدت ضغوطاتها ستبقى مرحلية؛ أي إنها ضغوطات لمرحلة ما من تاريخ المجتمعات.
لذلك نقول وبهذا المعنى بان (الثقافة) لكونها تشمل كل مناحي الحياة والتي تساهم في إنتاجها وإبداعها بأفضل صورة وأداء ومسؤولية وفق متطلبات والحاجات وضرورات معيشة الفرد، كما إنها تشمل لكل سلوكيات الإنسان المعاصر من القيم الأخلاقية.. والأسلوب المهذب.. ووفق طريقة تفكيره وتفاعله المهذب مع الآخر لان الثقافة هي (الكمال) وهذا الكمال يتطور كلما تلقى الفرد المزيد من العلوم المعرفية ومزيدا من القراءة والبحث المستمر بما ويوسع مدارك الوعي عنده، والفرد هو جزء من الكل أي من مجموعة الأفراد الذين يكونون المجتمع؛ وبالتالي يصبح المجتمع المكون من مجموعة أفراد مثقفين يساهمون بتنوير الآخرين بالممارسات الصحيحة من اجل تنوير حياتهم وحياة المجتمع .
وهنا يجب إن نميز بين (الفرد) الذي يسعى ويميل إلى تطوير وتنمية قيمه (الإنسانية) ويهتم بالآخرين، وبين (الفرد) الذي يميل إلى تطوير وتنمية قيمه (المادية) ولا يبالي بالآخرين؛ بل و لا يرى إلا ذاته؛ ويغفل بتعمد القيم والمبادئ الأخلاقية نتيجة سيطرة الثورة التكنولوجيا والقيم الرأسمالية التي تسخر كل شيء من اجل المادة ليصبح الإنسان عبيدا لها؛ لتخضع حياته لتطورات الماكنه والإنتاج فحسب؛ بعد إن يصبح ميل المجتمعات (الرأسمالية) و(الليبرالية الراديكالية) نحو قيم المادة؛ وهذا ما يخضع الأفراد لهذه السياسة التي يجد الفرد سعادته وفق ما يقتنيه من المنتجات المادة الجديدة حتى وان كانت فائضة عن احتياجاته، وهذا النمط الذي للأسف يسود اليوم في (المجتمعات الرأسمالية) وتخضع لثقافة (العولمة)؛ فان ثقافة الأفراد في هذه المجتمعات لا ترتقي أكثر من معلومات عن السلع المطروحة في الأسواق وأسعارها وبوسائل وتقنيات الاستهلاك المتداولة، وهو نقيض الثقافة (الثقافة الإنسانية) التي تشمل جميع مناحي ومظاهر الحياة الإنسانية وقيمها؛ والتي ترتبط بالجوانب الاجتماعية للإنسان والتي بها الأفراد يبدع في تاطير علاقاته مع الآخرين بالقيم الإنسانية الروحية وفيما بينهم من خلال ما يكتسبوا من سلوكيات وقيم نبيلة هادفة لتكون نظرتهم للحياة نظرة شمولية تكتسب بعدا اجتماعيا، وهذه (الصنعة) التي يصنعها الإنسان من خلال ما يتلاقه من العلوم والمعرفة المتواصلة ومن خلال طبيعة العلاقات الإنسانية مع بيئته؛ لان (الثقافة) أسلوب وطريقة العيش في الحياة؛ وهي (صناعة) يقوم الأفراد بصناعتها بشكل وأسلوب مقبول وملائم لهم ومن جميع أفراد المجتمع، وبما تتضمن من أساليب الإدارة ونمط التفكير وآداب السلوك والمعتقدات، أو منظومة الأخلاق والقيم التي يؤمن بها الأفراد من نمط العيش.. واللغة.. ومن علاقات.. وأنظمة سلوك؛ التي تؤسس بنية التواصل بين الفرد والآخر.. وبين الفرد والمجتمع، والكل يسعى إلى الإبداع لصالح تطور المجتمع؛ بعكس ما يسود في (ثقافة العولمة) .
ومع ذلك فان يقيننا بان (الثقافة) تتغير بمرور الزمان وتغير المكان، فعبر كل حقبة زمنية تتغير الثقافة التي تؤمن بها جماعة اجتماعية معينة؛ وقد تطعم بأشكال ثقافية أخرى نتيجة اختلاط أفراد هذا المجتمع مع ثقافة المجتمعات الأخرى، فهناك مجتمعات تتبنى الثقافة (اللامادية) والتي تشمل المعرفة.. والفن.. والأخلاق.. والقانون.. والعادات والتقاليد الاجتماعية.. وكل القدرات الإبداعية الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع، وان العرف الذي يأخـذ طابعا إلزاميا وينشا نتيجة للتفاعل الاجتمـاعـي إلى جانب العنصر المادي للثقافة – ولكن ليس بالمفهوم المعولم لثقافة الرأسمالية الليبرالية – علاوة على العلاقات بين الناس، وبين العناصر المكونة لهذه الثقافة، وهناك مجتمعات تأخذ الثقافة الرأسمالية الليبرالية (المادية) التي هي نقيض الثقافة (اللامادية) التي تسعى دوما تأهيل الفرد لكي يكون مؤهلا وقادرا على الاندماج في الحياة الاجتماعية لكي تساعد الأجيال على الاستفادة من إرث الماضي والعمل على المحافظة عليه للأجيال اللاحقة، وهذه الثقافة هي التي تميز بها الثقافة (الشرقية) عن الثقافة (الغربية الأمريكية) المادية، بكون (الثقافة الشرقية)، ثقافة تراكمية ومكتسبة وتنتقل من جيل إلى آخر وتشمل قيم.. وأعراف.. وقوانين.. وفنون.. آداب.. ومعتقدات؛ وهي نتاج (الفكر المجتمعي)؛ إضافة بكونها من أهم محددات الرئيسية للوعي الجماعي داخل المجتمع؛ هذا (الوعي) يتميز بتأثيره القوي على الأفراد؛ وهو الذي يدمج الإفراد في بيئة الجماعة بشكل ضمني عبر الثقافة والمثاقفة التي تقوم على الاحترام المتبادل.. والمساواة.. والتسامح.. والتآخي.. وعم التميز.. والاختلاط.. والاعتراف بالآخر.. والتواصل لضمان التقدم والتطور المتبادل لتحقيق نهضة حضارية تخدم الجميع .