شوكت توسا
باندحار النازيه على يد السوفييت وحلفائهم, وضعت الحرب الكونيه الثانيه اوزارها في مايو عام 1945, فإنفتحت على شعوب شرقنا الاوسطي (النامي) قنوات ونوافذ فكريه استهوت عشاق الحريه في العراق فوجدوا فيها سبيل ومادة نهضتهم ,كنا آنئذ بعمر الصغار لا نمتلك من الوعي سوى الانبهار بقصص وبطولات المناضلين الماركيسيين, ثم بمرور السنين تحولت هذه العفويه الى مجاراة الفكر ومن خلاله دعم كل ما له علاقه بالتحرر والانعتاق .
بوقوع نكسة حزيران 1967 ,انكسرت الجيوش العربيه,فجاء دور تنشيط العمل الفدائي الفلسطيني الذي حظي بدعم الحكومات والشعوب له, كطالب جامعي , كنت اتبرع بدرهم من مصروفي الشهري دعما للعمل الفدائي ودرهما اخراً أخصصه للتنظيم الطلابي الذي انتمي اليه, وحين اصبحتُ في العام 1973 موظفا حكوميا, تحول دعمي الطوعي للعمل الفدائي الى واجب رسمي باستقطاع دينار واحد من راتبي الشهري كواجب فكري أو انساني سمه ما شئت المهم علينا تأديته, كيف لا وقد شبنا على ايقاعات أغاني ام كلثوم الثوريه و صدح مغازلة فيروز لعروبة القدس, ناهيك عن اهازيج حاراتنا الامميه التي كانت تعج بعبارات نصرة حق الشعوب المضطهده في اصقاع العالم تارة , وتارة اخرى بمطالب تحقيق السلم للذين يهددون اليوم بالانفصال عن العراق !! غرائب لو وُضعت متناقضاتها في ميزان ادبيات الكراريس حمراء كانت ام خضراء ام صفراء, سيحار المرء في تفكيك طلاسمها , يا ترى هل حقا ان في الحياة اشياء ارقى تجيز تبديل الأقنعه واللعب على المبادئ التي كانت تناطح المقدسات احيانا, فغدا التلّون نتيجه طبيعيه تستدعي اعادة ترتيب الأفكار, والا كيف وفي غفلة من الزمن اضحينا على مناضلين يضعون بيضاتهم في سلة الغرباء و تحت حاضنات المعمّمين و الشاطر من يعبئ بالسكّله؟.
وفي العام 1980, فرحت عائلتنا بمولودتنا الجديده , فشاركتنا الفرحه شقيقتي الكبرى من لندن بارسال هديه عباره عن طقم ثوب ولادي مع قبعه, فتحنا الهديه واذا بها مكتوب عليها صنع اسرائيل !! يا للكارثه ما هذا النكد وانا الداعم الوفي لنضال الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني !! ,كيف فات شقيقتي ان تتأكد من هوية منشأ صناعة الهديه وهي المعتاده كما اعتدنا على معرفة منشأ صناعة الحاجه قبل شرائها للتأكد من جودتها , اقول هذا وانا الآن في حال المسترخي بخلاف ذلك الرعب الذي أخذني الى ضرب الاخماس بالاسداس بين محتار يتساءل ماذا لو كانت السلطات قد كشفت امر منشأ هذه الهديه,وبين شك يساورني بأن السلطات تقصدت للايقاع بنا ! هل نزيل القطعه المكتوب عليها مصنوع في اسرائيل وينتهي كل شئ؟ ؟ام نحرق الهديه باكملها ؟ لا هذا ولاذاك يا هذا !, أعد الهديه كما كانت في الكيس وانتظر ! , مرت الايام دون ان يطرق بابنا احدا , فأعدنا فتح الكيس ورفعنا القطعه المكتوب عليها مصنوع في اسرائيل ولبست طفلتي الثوب وهي لا تعلم بما جرى.
هكذا كان حال العراقيين ! لا الدعم للعمل الفدائي الفلسطيني وفر لهم الطمأنينه, ولا التغني بميلاد القائد شفع أزلامه,اما لفيروزنا التي كانت تغني لنا اجراس العودة فلتقرع, نقول لها عذرا يا فيروز, لا البيت بات لنا ولا القدس عادت لنا,ولا الاجراس ستقرع يوما, فالاجراس تريد لها مدفع ,والمدفع يحتاج لمصنع, وزناد المدفع يحتاج أصبع, والاصبع في ط… الشعب يركع ( عذرا للشعب).
الوطن والشعب من وراء القصد