زوعا اورغ/ متابعات
مع اقتراب الاحتفالات بأعياد الميلاد أطلق شباب موصليون مسلمون مبادرات لإعادة إحياء كنائس المدينة وإعمارها من تركة الخراب الثقيلة التي خلفها تنظيم “داعش”، وبهدف تشجيع عودة النازحين المسيحيين إلى منازلهم.
في منطقة حي العربي بالجانب الأيسر من الموصل حيث يقع دير مار كوركيس، ينهمك الشاب الموصلي المسلم بندر فارس مع رفاقه في الكشف عن الأضرار الذي لحق بالدير، الأنقاض والأحجار والدمار تملأ المكان. يحاول بندر (21 عاماً) مع مجموعة الشباب إعادة إحياء الدير وافتتاحه من جديد في سباق مع الوقت، فأعياد الميلاد ستحل قريباً وبندر ورفاقه سيحييون الدير بتنظيفه وإزالة الأنقاض والآثار المدمرة منها من أجل أن يحتفل جيرانهم المسيحيون بأعياد الميلاد. ويكلل عمله بنصب شجرة عيد الميلاد وتزيينها.
الموصل عراق مصغر
يصف الناشط المدني بندر فارس لـDW عربية مدينة الموصل بأنها ليست لجهة وطائفة معينة، إنما هي عراق مصغر تجمع العديد من الطوائف والقوميات، “وبعد تحريرها من سيطرة تنظيم داعش لا بد لهذه المكونات أن تعود للمدينة”، ويتابع: “إعادة إحياء وافتتاح الكنائس أكبر تشجيع لعودة المسيحيين مع إيصال رسالة التعايش ومع حلول الأعياد سنعد الدير للاحتفال، وجيراننا المسيحيون رحبوا بالفكرة”.
بندر يعرف تماماً ماذا تعني أن تكون الحياة تحت قوانين “داعش”، إذ كانت عائلته من ضمن الكثير من العائلات التي عاصرت فترة احتلال “داعش” للموصل، ولم تخرج عائلته من المدينة، متحدية الظروف الصعبة، ومنها وفاة والدته المصابة بالسرطان لعدم تلقيها العلاج الكافي بعد انقطاع الأدوية عن المدينة.
عن ذلك يقول بندر: “ما رأيته أيام داعش كان صعباً من تهجيره للمسيحيين وبقية الطوائف وقتل العديد من الشباب وتعليقهم على أعمدة الكهرباء ورمي الناس من فوق البنايات والعديد من المناظر المؤلمة”. يصمت متأملاً كل هذه الفضائع التي مرت عليه وعلى سكان الموصل، ويضيف: “كل ذلك خلق لدي تحدياً أكبر بإعادة إحياء المدينة من جديد بعد التحرير ومساعدة الناس على قدر المستطاع”.
شارك بندر مع العديد من الفرق التطوعية في حملات إغاثية وإنسانية للعائلات المتضررة جراء الحرب والنازحين وفي حملات لتنظيف شوارع الموصل والمدارس والجامعات، ليؤسس بعد ذلك مع مجموعة من الشابات والشباب فريق خاص بهم وهو “مثابرون للخير” التطوعي، عن ذلك يقول بندر: “عددنا الآن ما يقارب 40 شخصاً وحملاتنا بمجهودنا الشخصي وتبرع الناس الخيرين وإحدى الحملات، كما دعمنا الفنان المشهور وعازف العود العراقي نصير شمة لترميم الأقسام الدراسية في جامعة الموصل”.
النازحون المسيحيون
كانت عائلة الشاب ريان عدنان أول عائلة مسيحية نازحة تعود إلى ناحية بعشيقة، شمال شرق الموصل بالرغم من تضرر منزلها وسرقته. ريان (25 عاماً) يدعو بقية النازحين المسيحيين إلى العودة إلى مناطقهم خصوصاً مدينة الموصل لبدء صفحة جديدة من حياتهم.
وفي حوار مع DW عربية يصف حملات الشباب الموصلي المسلم بإعادة إحياء الكنائس بالمشجعة والمعبرة عن عمق الترابط الاجتماعي بين المسلمين والمسيحيين في العراق، مضيفاً: “اتصل بي مؤخراً صديق مسلم من الموصل ليقدم المساعدة بترميم كنيسة مار كوركيس للسريان الأرثوذكس في بحزاني بالقرب من بعشيقة، أفرحني الموضوع كثيراً خصوصاً وأن علاقتي بجيراني المسلمين قوية جداً وأغلب أصدقائي من المسلمين”.
إقامة أول قداس
“في الخامس والعشرين من الشهر الجاري سننظم أكبر وأول قداس بمناسبة عيد المسيح بكنيسة مار بولص الكلدانية في منطقة حي المهندسين بالجانب الأيسر بالموصل”، يقول عمار الحاتم (23 عاماً)، وهو شاب موصلي مسلم وناشط مدني وأحد أعضاء فريق “خلية شباب نينوى”، ويتابع بالقول: “سننظف الكنيسة ونزيل الأنقاض منها مع تزيين أشجار الميلاد وسندعوا بقية النازحين المسيحيين العودة إلى مدينة الموصل”.
عمار ورفاقه في “خلية شباب نينوى”، التي أسسها مجموعة من الناشطين والمدونين عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمساندة القوات الأمنية العراقية أيام عمليات تحرير نينوى مع حملات إغاثية وإنسانية. وكانت من أولى الفرق التي ساهمت الشهر الماضي بإعادة إحياء الكنائس منها كنيسة قلب اليسوع، وهي ثاني أكبر كنيسة بالشرق الأوسط، في قضاء تلكيف بشمال الموصل، حيث عملوا طويلاً على تنظيفها ومحو من جدرانها شعارات “داعش” التي تحض العنف والتنكيل بالمسيحيين وقتلهم.
يقول عمار لـDW عربية: “أخذنا معنا فرقة موسيقية للعزف داخل الكنسية لبث روح الحياة من جديد وحتى الأطفال شاركونا حملة التنظيف واخترنا يوم الجمعة وهو يوم استراحة ومقدس لدى المسلمين لكن لإيصال رسالة بأن المسلمين مع المسيحيين دوماً”.
وبشأن الأصداء التي حققتها مبادرة الفريق يضيف عمار: “التجربة أخذت صدى واسعاً محلياً وإعلامياً وعلى صفحات التواصل الاجتماعي والكثير من المسيحيين تجاوبوا معنا ورحبوا بمبادرتنا”.
الموسيقى تحطم ما خلفه “داعش”
فرقة “اوتار نركال” المؤلفة من أربعة شبان موصليين مسلمين يعزفون العود والكمان والغيتار هي التي عزفت داخل كنيسة قلب اليسوع المدمرة. خالد وليد (26 عاماً)، أحد مؤسسي الفرقة، يقول عن ذلك: “حارب داعش الفن وقتل وعذب بعض الفنانين بالموصل وحطم آلاتهم الموسيقية، لذلك كانت مبادرتنا إعادة إحياء الكنائس بالعزف داخلها إيماناً منا بأن الموسيقى غذاء للروح والحياة ورسالة للمحبة والسلام”.
ويضيف في حوار مع DW عربية: “كان التجاوب كبيراً من المسيحيين معنا سواء على أرض الواقع أو صفحات التواصل الاجتماعي”، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن “الفرقة ستعزف قريباً مع حلول أعياد الميلاد في إحدى الكنائس بقضاء الحمدانية، جنوب شرق الموصل مع مجموعة من الشباب الموسيقيين هناك”.
جثث مقاتلي “داعش” في الكنائس
من جانبه يؤكد كاهن كنيسة كرمليس والمشرف على كنائس الموصل وكنيسة مار بولص الكلدانية، القس ثابت حبيب، لـDW عربية أن “جميع الكنائس في الموصل مغلقة ومشوهة بصورة مؤلمة، بعض الكنائس في الجانب الأيمن ما زالت تحوي جثث داعش إلى اليوم وهنالك كنائس شوهها داعش بنبش جدرانها وتحطيم الرموز المسيحية”، ويتابع “لم يأت إلى الآن دعم حكومي أو غيره لكنائس الموصل لإعادة أعمارها”.
وقال الأب ثابت إن “رسالة هؤلاء الشباب رسالة تعايش وأخوة بين المسلمين والمسيحيين”، مضيفاً أن “المسيحيين فور سماعهم بهذه المبادرات رحبوا بها لتكون بداية صفحة جديدة يتعلم منها أبناء الموصل التعايش مع الآخرين”.