زوعا اورغ/ وكالات
الكسر وعدم التجانس في العديد من مناطق التلال الاثرية جعلانا نستدل أن هناك تدميراً، قد طال هذه المستوطنات من خلال الكتل الحجرية والابنية، فقلعة اربيل التي اعلن عن اثريتها عام 1937 مثال على ذلك، اذ بدأت البعثة الآثارية الجيكية برئاسة كارل نوفيجك باجراء عمليات التنقيب لغاية عام 2006، وذلك من خلال مسح جيوفيزيائي جعلها تتوصل الى أن تلك التلال كانت مأهولة بالسكان منذ أقدم العصور وقد تعاقبت عليها حضارات وامبراطوريات عديدة.
فمنذ القدم تشكلت طبقات على تلال ومستوطنات سكنية قديمة، تم التعاقب عليها عصراً بعد آخر وهي تختلف في ما بينها من تل الى آخر حسب الارتفاع وعدد الطبقات وتعود الى حقب وعصور تاريخية ضاربة في عمق التاريخ.
(جي بي اس)
تحدثنا عن هذه المواقع الدكتورة نرمين علي استاذ مساعد في جامعة صلاح الدين، ومتخصصة بالتاريخ، وقتتقول: «توجد لدينا مئات المواقع في اربيل وتمتد لعصور ما قبل التاريخ حتى العصور المتأخرة اي القرن الثامن عشر والتاسع عشر والفترات العثمانية وتوجد مواقع غنية جداً، اذ تم اجراء العديد من المسوحات العلمية و تسجيل وتحديد احداثيات المواقع الاثرية عن طريق الـ (جي بي اس)، وقد عملنا مع البعثات العلمية باستخدام المنظومات الحديثة وعن طريق الاقمار الصناعية، اذ يتم تحديد الموقع الاثري عن طريق الصور الجوية الملتقطة من الاقمار الصناعية، اذ ان هذه الصور تساعدنا على رؤية هذه المواقع وتحديد البقايا الاثرية، واننا نستفاد من المسح الميداني وبعدها نحدد احداثيات الموقع الاثري، فسابقا في دليل المواقع الاثرية لم تكن هنالك منظومات حديثة في تسجيل المواقع بالرغم من وجود اطلس للمواقع الاثرية في ستينيات القرن المنصرم».
«دشتي شمامك»
ولم تحدد سابقا احداثيات المواقع الاثرية، الى جانب أن هناك كثيرا من المواقع لم تسجل سابقاً، والبعثات العلمية كالبعثات الفرنسية وبعثة جامعة هارفرد، قامت باكتشاف اشياء جديدة غير معروفة ولم تكتشف سابقاً»، واضافت نرمين «عندما نقوم بالتنقيبات نكتشف اشياء جديدة، فالتلال تعتبر بقايا مدن، بعض منها كانت مستوطنة واخرى متروكة ومنطقة اربيل هي منطقة ستراتيجية مهمة تقع بين الزاب الاعلى والزاب الاسفل، ونلاحظ ان التلال تتركز في جنوب غرب وجنوب شرق المدينة، وان هذه المنطقة تقع بموازاة نهر دجلة وفيها كم كبير من المواقع الاثرية، وخاصة التلال، اذ نجدها بشكل مكثف، ولدينا منطقة نطلق عليها «دشتي شمامك» او سهل شمامك وتضم العديد من التلال، ونعمل مع البعثة الفرنسية منذ عام 2011 في هذا الموقع ونحن مستمرون في العمل بالموقع، فهذا الموقع نطلق عليه المثلث الآشوري، و تتركز فيه التلال الاثرية الكبيرة وتعتبر هذه المنطقة من المناطق الستراتيجية، اذ انها كانت تمول آشور بالقمح والشعير والمواشي، ولدينا كتابات ونصوص مسمارية مدونة، وقمنا باكتشاف نصوص جديدة وبقايا ابنية وقصور تاريخية، وايضا هناك تركيز على التلال الاثرية في الطريق الرابط بين اربيل وكركوك، اذ تضم هذه المنطقة العديد من التلال الكبيرة التي كانت مدنا ومستوطنات قديمة مسكونة واغلب التلال الاثرية الموجودة في اربيل تعود لفترات وعصور ما قبل التاريخ والعصور الساسانية والعصور الاسلامية والفترات العثمانية».
جذور تاريخيَّة
واكدت الدكتورة نرمين علي «ان هذه التلال تعتبر جزءا من الطبيعة التاريخية للمدينة والمنطقة التي توجد فيها، فهذه التلال تعتبر منطقة سابقة واصبح فيها توقف للاستيطان، لهذا نجد ان هذه التلال هي عبارة عن تراكمات وطبقات اثرية، تتشكل لتكون عبارة عن تل، وتكون قمة التل بشكل مسطح وكل هذه التلال تعتبر شواهد تاريخية واثرية ودليلا على وجود الانسان في فترات وعصور ضاربة في عمق التاريخ ودائما نسعى للمحافظة على هذا الارث التاريخي، ففي بعض من هذه المواقع الاثرية وبسبب تقلب المناخ او غزارة الامطار تخرج العديد من القطع الاثرية من التلال، فهي قد تكون غير مهمة بالنسبة للناس، اما بالنسبة لنا فهي تعتبر شواهد تاريخية لفترات وعصور ضاربة في القدم ومن الممكن اجراء الزيارات من قبل المدارس والمهتمين للاطلاع على هذه المواقع الاثرية والتعرف على تاريخ هذه المواقع، فمن الممكن أن تستغل بعض المواقع لاجراء زيارة ثقافية او علمية للاستفادة والتعريف بتاريخ المنطقة وارشاد الناس الى اهمية هذه الجذور التاريخية وكيفية الحفاظ عليها، فهي تعتبر جزءا من تاريخ الناس وبالتالي هي جزء من تاريخ المنطقة وعملت البعثات على اكتشاف حقائق علمية جديدة، كالبعثة الفرنسية وكذلك الاسبانية والاميركية وبعثات من جامعة هارفرد، فكل هذه البعثات اكتشفت امورا جديدة لم تكن مكتشفة».
آلاف التلال
الدكتور ارام جلال الهموندي وهو استاذ متخصص بعلم الآثار والدراسات المسمارية القديمة في جامعة صلاح الدين، تحدث لـ»الصباح» قائلاً: « اكتشفت في مدينة اربيل وبحسب الدراسات والمسوحات التاريخية القديمة مجموعة كبيرة من التلال الاثرية القديمة، وفي اواسط القرن العشرين زار المنطقة العديد من العلماء الآثاريين واكتشفوا العديد من التلال والمواقع الاثرية المهمة، ولكن لم يلتفتوا الى مجموعة كبيرة اخرى من التلال الاثرية وحسب المسوحات الاثرية التي قمنا بها نحن كآثاريين مع البعثات الدولية وبالتعاون مع دائرة آثار اربيل، فعدد التلال الاثرية في اربيل ليس قليلا، اذ يصل الى الآلاف في ضواحي اربيل وبعضها اصبحت ضمن المناطق السكنية، والبعض منها يعود تاريخها الى الالف الرابع والخامس قبل الميلاد وبعضها الى العصور الآشورية، والى فترات عديدة اخرى ومن حسن الحظ ان غالبية التلال الاثرية لم يتم التعرض لها، سواء من سكان المنطقة او حتى من سراق الآثار، فبقيت كما هي، ولذلك واثناء التنقيبات نجد الطبقات الاثرية مضبوطة بشكل كامل وتبدأ اغلبيتها من الفترات الآشورية، وتصل الى عصر الوركاء وعصر عبيد وغيرها، وانا شخصيا شاركت في تنقيبات تل هيلاوى وتل نادر اللذين يعودان الى العصور الحجرية وبداية العصر الحجري الوسيط او ينتهيان الى العصر الحجري الحديث، وبعض هذه التلال هي مستوطنات ومدن قديمة مثلاً مدينة كيليري او قصر شمامك، اذ انه كان يعتبر واحدا من المدن التجارية المهمة في العصر الآشوري الحديث وفي الطريق باتجاه منطقة كوير هناك مجموعة كبيرة من التلال التي كانت بمثابة حصن ومناطق لتجميع الشعير والحنطة، وحتى الآن لم يتم التنقيب في كل التلال الاثرية، وللتلال انواع فبعضها يعود الى الفترات الآشورية وبعضها يعود الى فترات ما قبل التاريخ، ويعتمد تصنيفها على طبيعة التل وشكله والظروف المناخية التي سكن فيها الانسان القديم في ذلك التل آنذاك، فمثلاً تل شمامك يقع في منطقة مشهورة بالانتاج الزراعي كالحنطة والشعير وبعض الملوك الآشوريين مثل سنحاريب، ذكر في الكتابات انهم كانوا يعتبرونها اي قصر شمامك واحدة من المدن المهمة لبلاد آشور».
تلة السبع حضارات
ان العراق برمته من اقصاه الى اقصاه مليء بالمواقع الاثرية، فلا تخلو اي منطقة او مدينة او قرية من المواقع الاثرية، سواء كانت تلالا او ما شابه ذلك وسواء كانت شاخصة او تحت الارض، الدكتور عبدالله خورشيد وهو مدير المعهد العراقي لصيانة الآثار والتراث قال: «قامت الحكومة العراقية منذ تأسيسها، وخاصة في سبعينيات القرن الماضي بعملية مسح ميداني للمواقع الاثرية في العراق وبضمنها اقليم كردستان، وكانت البعثات تخرج الى كل المناطق وتسجل التلال الاثرية وكانت تشكل الفرق آنذاك من دون وجود الامكانيات والآليات والاجهزة المتطورة والتي هي موجودة في يومنا هذا، اذ تم تقسيم مدينة اربيل الى (مركز المدينة ومنطقة شقلاوة وجومان و راوندوز و ميركسور وحرير وقويسنجق وطقطق وقوشتبة ومخمور) في وقتها، وتم تسجيل العديد من المواقع الاثرية واغلبها تلال اثرية، فمثلاً في الدليل الذي صدر عام 1976 من الهيئة العامة للآثار والتراث وهو دليل المواقع الاثرية العراقية، ذكر آنذاك ان في مدينة اربيل تم تسجيل ما يقارب 474 موقعا واكثرها تلال وفي وقتها لم تتم دراسة هذه المواقع الاثرية للتعرف على ماهيتها، وهذا العدد يشمل محافظة اربيل كلها، ولكن في الوقت الحاضر وعندما جاءت البعثات الاجنبية وعملت في اقليم كردستان العراق خلال السنوات الماضية نلاحظ ان التنقيبات بدأت من منطقة التون كبري امتدادا الى مدينة مخمور، فقد زارت المنطقة العديد من الفرق للتنقيب مثل جامعة هارفرد وجامعة وارشو، اذ عملوا في مناطق شقلاوة وحرير واستخدموا في عمليات التنقيب طائرة درون.
كما استخدموا الاجهزة المتطورة واعطوا ارقاماً اكثر بكثير من الاعداد المسجلة، اي ان هنالك العديد من المواقع لم تسجل او لم يصل اليها احد، ونستطيع ان نقول ان قلعة اربيل هي تل ايضا والمنطقة بين مخمور والموصل مليئة بالتلال، ويتم اختيار التل للعيش آنذاك لخصوبة الارض ووجود مصادر للمياه بالقرب منه، فيصبح التل عبارة عن مستوطنة وفي بعض الاحيان يتم ترك التل في فترات، اما بسبب الحرائق او بسبب اندلاع الحروب او بسبب الظواهر الطبيعية.
ولكن من خلال الدراسات والبحوث نلاحظ بان احفاد هؤلاء الناس يرجعون الى المكان نفسه او التل ويقومون بردم الآثار المتبقية ويبنون فوقها فتصبح تلا، وحضارة لفترة معينة مثل ما هو موجود في قلعة اربيل والتي يطلق عليها تلة سبع مدن او سبع حضارات امتداداً من السومرية الى الفترة الاسلامية التي انتهت بالفترة العثمانية».