فواد الكنجي
الإنسان المعاصر وهو يعيش في ظل التطورات الصناعية والتكنولوجية؛ وهي قوى التقنيات الإلية التي تسيطر على السلطة في اغلب دول العالم إن لم نقل اجمعها؛ وهي التي تقوم على تكريس المجتمع وتسخيره في خدمة تحديث مسارات الآلة التكنولوجية ليتم اختزاله الإنسان في بعد واحد تسلب إرادته وتجمدها في محيط الاستهلاك ليس إلا؛ ليكون مبرمجا وفق آلية محكمة بقوانين الإنتاج الصارمة؛ لكي لا يخرج أسره ما بين الإنتاج والتوزيع، وهذه الصيرورة في تشكيل البناء الاجتماعي المعاصر تؤطر في مجمل احتياجات الإنسان – ولكل ما هو جديد فحسب – لإدامة حداثته في هذا الإطار، ليخرج الإنسان المعاصر في المجتمع الصناعي وفق ماهية وإمكانية خاضعة لقوى الإنتاج وليس بماهيته وإمكانيته الذاتية في التفكير والإبداع؛ وهذا هو أول مؤشر لرسم خارطة (اغتراب الإنسان وتشيئه)؛ بعد إن يكون مغتربا فعلا عن ماهيته.. وإمكانياته.. وتفكيره.. وخياله، لان (الإنسان المعاصر) في ظل هذه العلاقة وهو خاضع لظروف العمل الصناعي والتسلط الرأسمالي يصبح مجرد عنصر مسلوب الإرادة قابل لتغير بغيره وفي أي وقت من أوقات هذه الدائرة العملاقة التي تطحن كل قدراته وإمكاناته الإبداعية، لكون كل إبداع يصبح (متشيئ) في ظل قوى الإنتاج الصناعي والرأسمالي، لان قوى الخيال.. والفكر.. والإبداع عند الإنسان تصبح خاضعة لظروف الإنتاج والصناعة، وهذا ما أدى إلى انحطاط قيم الإنسانية والتي أثرت تأثيرا سلبيا على قواعد العلوم الإنسانية وإبداعاتها من الأدب.. والفن.. والفلسفة.. والتاريخ.. وعلم النفس.. والاجتماع، لأن هذه القيم تدرج في قائمة المزايدة والاستهلاك السوقية؛ وهذا ما جردها من قيمها الأصيلة في بناء الوعي والثقافة الرزينة التي لها تأثير في زيادة الوعي وقدرة العقل في الإبداع وسمو الروح؛ بعد أن فقد دوره وظيفته في التعبير عن أصالة القيم والتعبير والتغيير نحو سلوك واعي للإنسانية في ظل قيم الإنتاج وسلطة الصناعة والرأسمالية؛ التي حولت الإنسانية إلى مجرد وسيلة من وسائل التسلية والاستمتاع الغير المجدي في أوقات الفراغ، ليتحول كل شيء في ظل هذه المعاصرة أداة عبودية للآلة الصناعية؛ بعد إن تم تسخير كل قدرات الإنسان وتطورات وتقنيات العلمية لسيطرة على الطبيعة؛ ولكن فيما بعد تم تحويلها للسيطرة عليه – أي الإنسان – والتحكم في إرادته وقدراته، والعمل على حمل الإنسان لتكيف مع ظروف المواكبة للعمل من القهر والقمع التي تفرضها قوى الإنتاج الصناعية والرأسمالية من اجل تثبيت دعائمها وسلطتها، وهذا ما أدى إلى قمع الأفكار الخلاقة الإبداعية التي تطمح إلى الإتيان بما هو جديد وتجاوز الرتابة والروتين؛ لان قوى الإنتاج الصناعي والرأسمالية دأبت إلى تاطير أساليب التفكير وتوحيد أنماط السلوك والاحتياجات؛ لان مصلحتها تقتضي بفرض نمط موحد من التفكير والسلوك على إفراد المجتمع من اجل حملهم على تكيف واقعهم مع واقع القمع والقهر التي تفرضه قوى الإنتاج والصناعة الرأسمالية، ليتم في المحصلة الأخيرة إخضاع المجتمع والإنسان والإنسانية لسلطة الإدارة الإنتاجية والصناعية البيروقراطية التي دأبت بأجهزتها الإعلامية والدعائية إلى تصنيع ثقافة جماهيرية تواكب تطلعاتها بالنظم تسلطية وقمعية؛ وهذا ما وسع (اغتراب الإنسان) في مجتمعه؛ بعد إن أحس بتجرده من أي قيمة تحسسه بذاته وبحرية تفكيره وإحساسه وان الحياة أصبحت بلا جدوى، وهذا ما افرز حالة خطرة من مشاعر (الاغتراب) اثر سلبا على نفسية الإنسان وبما يهدد وجوده بالضياع والعزلة؛ وهو ما يقود إلى سلوك خاطئ نحو مساك الإدمان والمخدرات سعيا لإنهاء وجوده – وهي ظاهر التي نشاهدها في اغلب المجتمعات المعاصرة – بعد إن يكون (الاغتراب) اخذ مأخذه في سلوك الإنسان الاجتماعي والنفسي ووجودي، وهذه الأمور تزيد من تقوقع الإنسان وانطواءه في ذاته؛ مما تقيد فيه أي دور في تطوير مواهبه وإبداعاته، بعد إن يجد الإنسان بأنه أصبح غريبا عن كل ما يحيطه، وهذا (الاغتراب) في ذات الإنسان يأتي حين يشعر هذا الإنسان بأنه أصبح غير قادرا على التواصل (لا) مع نفسه و(لا) مع الآخرين، وهي نتيجة آتية لعدم إشباع قدراته الإبداعية التي جمدت في أعماقه نتيجة سلطة الإنتاج والقوى الصناعية والرأسمالية، وهذا ما يقوده أو قاده إلى التمرد.. والعزلة.. والرفض، لعدم استطاعته إفراز وتفريغ طاقاته الإبداعية التي من شانها إن تزيد العواطف والمشاركة الآخرين معه؛ ولكن (كبتها) أعطت وتعطي نتائج عكسية مع الآخرين، وكلما زاد الابتعاد عن الآخرين زاد مشاعر الاغتراب والعكس صحيح .
فالتعبير عن الذات بأساليب الإنتاج (الأدبي) و(الفني) تحقق للإنسان ما هو في مكنوناته النفسية والاجتماعية والوجدانية وهي مكامن تعزز من حالة ثقة الإنسان واعتزازه بذاته؛ دون إن يعي بأنه يعيش (الاغتراب)؛ لأنه قادر على افرز همومه، لأننا نفهم (الاغتراب) بكونه تعبير عن معانات الإنسان الوجودية في ظل التحولات التي يشهدها عالمنا المعاصر في زيادة سيطرة قوى الإنتاج والصناعة الرأسمالية على المجتمع والآثار النفسية التي تفرزها سلطتها وهيمنتها على قدرات الإنسان الإبداعية وحريته؛ وهي سلطة التي تعزز مشاعر (الغربة) لتسلخ الإنسان عن طبيعته الاجتماعية ويخضعها لنظام الإنتاج الرأسمالي الذي ليس له علاقة بهذا الإنسان الذي تسخره لمصالحها الخاصة وهي لا تكمن له أي احترام وتقدير لجهده؛ بقدر ما تدفع له مقابل ما يقدمه من خدمة وما يتقاضه الإنسان العامل في كل مواقع العمل لا يوازي الجهد المبذول في ساعات العمل التي تستنزفه وتعصر جهوده بكل طاقاتها بقسوة وعدم المبالاة، وهذا ما جعل العاملين يحقدون على القوى المسيطرة في الإنتاج والرأسمالية كونهم يشعرون (بتشيؤهم) كل لحظة وكل دقيقة وهم يعيشون تحت سيطرة الآلة التي تطحنه وتطحن فيهم كل مشاعر الجمال والحب، لان (الصناعة) حولت حياة الإنسان إلى كد مستمر وتعب لا نهاية له إلا بنهاية حياته وهو ما يزيد حالة (الاغتراب) عند الإنسان وتسلب قيمته الإنسانية في ظل المجتمعات الصناعية والرأسمالية، وهذا الاستلاب يستمر تفاقمه في ذات الإنسان طالما انه لا يرى ضوء التغيير في هذه المجتمعات؛ أو بالأحرى في المجتمع الذي يعيش فيه؛ رغم إن إمكانية (التغيير) ممكنه؛ ولكن هذا (التغير) لا يأتي من طبيعة المجتمعات الصناعية – أو من داخل البيت الصناعي والرأسمالي – بكونها ذو بنية شمولية، وإنما يأتي عن طريق قدرة الإنسان ووعيه وإمكانيته في صنع حياته وبتحويل قدراته إلى مشاريع غير استهلاكية تخدم المجتمع وتسعى إلى تغييره عن طريق التسامي بالعمل المنتج بالعقل.. والفكر.. والحب.. والإبداع، ليتم إنتاج وعي مجتمعي قادر على تجاوز (الاغتراب) الذي يعيشه عن طريق (الوعي)، لان وعي بالأزمة الذي يعشيه الإنسان والمجتمع؛ هو طريق ممهد لحل الأزمة؛ الأزمة التي خلفتها الحضارة المعاصرة التي استطاع الإنسان إن يحقق حلمه في التقدم العلمي والتكنولوجي على مستوى الآلة الصناعة والإنتاج الرأسمالي؛ ولكن أعطى هذا الإنسان ضريبة سعيه ونجاحه في خلق عالم متطور تكنولوجي لهذا التقدم؛ بأنه أصبح جزء من (التشيؤ) في الماكينة؛ التي نجح هو ذاته – أي الإنسان – إلى تطويرها؛ ليصبح فيما بعد ضحية لهذا (التشيؤ) الذي نما في ذاته اغترابها مع نفسها والمجتمع إلى ابعد المسافات، ولكن الحضارة الصناعية والإنتاج الرأسمالي؛ ارتكبت وترتكب إلى يومنا هذا أفدح الأخطاء وذلك بعدم مراجعة ذاتها؛ في وقت الذي لم تسال نفسها إلى أين تقود مسيرة هذا التقدم والتطور الصناعي والتكنولوجي في حالة انهيار الإنسان……………..؟
الجواب :
لا محال سينهار كل شيء ………..!
ومن هنا فان أي انهيار للإنسان لا محال سيقابله انهيار وسقوط الحضارة، ويقينا إن عالمنا اليوم يمر بمرحلة تداعي خطير للغاية تنذر أزمته المتفاقمة اليوم بـ(اغتراب الإنسان) وإلى دمار وسقوط الحضارة .
فالتقدم الإنتاجي والصناعي والتطور التكنولوجي؛ لا قيمة له حين يصبح الإنسان لا قيمة له في ظل هذا التقدم بعد إن يكون (الاغتراب) قد أيقظ ضمير الإنسان بأنه لا وجود له؛ بعد إن تم استلاب منه كل مقومات الإنسان كانسان مفكر وعضو واعي ومدرك وفاعل ومنتج بكل الاتجاهات؛ فهو يقينا يرفض إن يكون (فعل) لا محل له من الإعراب؛ (فعل) أداتي وتقني ومتشيؤ في الآلة على حساب كل ما يملكه من قدرات مذهلة في الإنتاج.. والصناعة.. والتفكير.. والإبداع.. والتغيير، فهو لن يقبل بهذه السهولة إن يكون ضحية مهما كانت سلطة الإنتاج والصناعة الرأسمالية؛ لان هذه السلطة هي سلطة قوية بفعل الإبداع الذي ينتجه الإنسان؛ ولذلك حين ينهار هذا الإنسان فمن يقدم لصناعة والإنتاج الصناعي الرأسمالي حلولا في حالة عجز وخلل يحصل في ماكينتها ألأداتيه و تكنولوجيتها………….؟
…………………؟
ومن هنا فان حالة (الاغتراب) التي وصل إليها الإنسان أيقظته أو ستستيقظه لا محال؛ بان قيمته تساوي قيمة ما ينتج من سلع استهلاكية التي في مجملها تكون خاضعة قوى العرض والطلب؛ وهذه القوى السوقية التي تسيطر على كل مجالات الحياة فانه مدرك بحالة (الاغتراب) التي أوصلته هذه القوى المادية والتي أفقدته وسلبت منه جوهره الإنساني التي في طبيعتها متناقضة مع طبيعة وقوانين المادة، فان الحضارة المتوجهة نحو المادية هي حضارة متناقضة مع طبيعة الإنسانية؛ إن لم تكن سببا جوهريا في زيادة شقاءه.. وبؤسه.. واغترابه عن وجوده وبعده عن ذاته؛ بما تملك هذه الذات من مشاعر وأحاسيس وبناء علاقات وتكوين أفكار منتجه للقيم الإنسانية الإبداعية، ولكن في المجتمع الصناعي و الرأسمالي والمادية التي تسيطر عليها قوانين الإنتاج (شيئته) وحولته ككل الأشياء السلعية المعروض في السوق والمتأثرة بقيمة الصرف صعودا ونزولا، وهذا العرض الخاضع لقوانين الإنتاج هو بالتالي ينظم العلاقات بين الإفراد والتي أيضا تكون خاضعة لقوى العرض والطلب؛ بمعنى إن هذه العلاقات بين الإفراد والمجتمع تكون موجهة من قبل ما ترسمه مؤسسات الدولة الصناعية الخاضعة لسلطة الآلة وتقنياتها ليكون وعي الإنسان متموضع في هذه الحدود، وهذا هو اكبر تحدي يواجه (الإنسان المعاصر) حين يكون (تشيئه) بهذه الحدود وهو تحديا أخلاقيا، ولهذا فان صراع (الاغتراب) في ذات الإنسان والفرد الخاضع لقوانين الإنتاج يكون تحديا لوجوده الإنساني وككيان مستقل واقعا يشعر بمرارة في كل لحظة ودقيقة؛ لذلك فانه يواجه تحديا نفسيا حقيقيا بين بقاءه (متشيئا) وخاضعا لقوانين الإنتاج وبين الاستقلالية.. والكرامة.. والحرية.. وإنتاج عقلي يواكب هموم وتطلعات الإنسانية نحو بناء ترابط وعلاقات إنسانية سليمة في المجتمع ليتمتع بقيمة الحياة أخذا وعطاء أخلاقيا وإبداعيا وعلى كل مستويات الحياة الإنسانية الفكرية والثقافية والاجتماعية لينهي أزمته مع سلطة قوانين الإنتاج التي تحاول (تشيئه) وإبعاد أهميته التي لا تساوى بقدر ما تساويه المادة التي ينتجها، وهو لا محال إن مضى بهذا الاتجاه فهو سيضمحل رويدا.. رويدا وستضمحل ذاته ولن يشعر بوجودها فتتلاش ويتلاشى معها أيضا………………!
ولهذا فهو اليوم يدرك بأنه كان في بداية مرحلة النهضة والتطور الصناعي والإنتاج الرأسمالي مندفعا برسم أسس الاقتصادي لرفع مستواه الفردي بالاعتماد على الإنتاج المستقل والمجهود الشخصي للإفراد؛ وهذا ما كان يعزز من مكانته الاقتصادية لمرحلة (ما) إثناء الثورة الصناعية؛ ولكن النمو المتوحش للرأسمالية ما بعد الثورة الصناعية سحقت طموحاته واختفى دوره بعد إن استغنت الرأسمالية عن الإنتاج الفردي وأخذت تعتمد على المؤسسات والشركات الضخمة والوحدات الإنتاجية العملاقة التي عصرت جهود الإفراد في إنتاج بما هو لصالحها مقابل رواتب لا تسد رمق عيشه؛ وحتى هذا المبلغ التي تدفعه له تجعله ينفق ما يتقاضاه لشراء سلع جديدة ليصبح جل اهتماماته هو الاقتناء ما هو جديد من السلع حتى وان كان زائد عن حاجته، بكون الصناعة (شيئته) وجعلت منه إنسان مستهلك بامتياز لما تنتجه الآلة الصناعية، وهي التي أفرزت هذا (الاغتراب) في ذاته وأبعدته عن محيط مجتمعه ومن إقامة علاقات اجتماعية سليمة في المجتمع بعد إن ابتعد عن إنتاج أفكار إنسانية تخدم الإنسانية وترتقي بذاته كذات منتجه للقيم الإنسانية راقية ترتقي به وبالمجتمع فكريا.. وثقافيا.. واجتماعيا، وقد لعبت قوانين الإنتاج دورا قذرا في تعميق هذا الابتعاد وذلك من خلال أطالة ساعات العمل لتصبح غير محددة لتمتد لساعات الفراغ بغية إغراء الإنسان بجمع مزيد من أموال؛ وهو لا يعلم بان ذلك ما هو إلا لغرض شيطاني من لدن قوى الإنتاج الرأسمالية لاستنزاف جهوده؛ لكي لا تكون لدية أية طاقة يبذلها خارج هذا الإطار، ليشعر (الإنسان المعاصر) بعد هذه التجربة المريرة حجم (اغترابه) بعد إن سيطرة الآلة الإنتاجية والتطور التكنولوجي والصناعة الرأسمالية على المجتمعات المعاصرة وغيبت عنه العقلانية والثقافة الجماهيرية وأبعدت عنه كل أنشطة الإنسان الفكرية.. والثقافية.. والاجتماعية.. وقولبتها بما يخدم مصالحها ووفق قوانين الإنتاج – ليس إلا – ليكون (اغتراب الإنسان) وفق هذه الآلية نتيجة حتمية لهذا الاستلاب الأكثر قسوة على ذاته؛ لان تخديره وتنميطه بمكتسبات زائفة ووهمية وهي لا تكاد إن تخرج من معيار خضوعها لقوانين الإنتاج، وهو ما وسع هوة بين اندماج الإفراد فيما بينهم والمجتمع، لان النظام الصناعي والتطور التكنولوجي استغلوا العمل لصالح إنتاجهم؛ في وقت الذي ينبغي إن يكون العمل غاية لتحقيق ذات الإنسان واستقلالها من اجل رفاهيته وسعادته وعلى نحو سليم؛ بينما تم استلاب هذه العمل كما هو بشكله الراهن من قبل قوى وقوانين الإنتاج الصناعي.
وما هو مؤسف في هذا التبيان بان الإفراد نتيجة هذه الدوامة المستمرة وبهذه النمطية والتي أصبحت فوق طاقات فهمهم نتيجة عدم تحريك قدراتهم العقلية في التحليل نتيجة لاستلابهم المستمر ولفترة ليست بالقصيرة لتبدو لديهم الصورة بان وضعهم هو جزء من حالة الواقع لهذه الحياة نتيجة تحولات واقع العمل في الوحدات الإنتاجية العملاقة؛ وهي مرحلة أكثر تقدما لـ(اغتراب الإنسان) حين يفقد القدرة في التفكير ابعد من صورة التي يعمل ضمنها، ومن هنا تبرز المشكلة إمام الإنسان في كيفية إيقاظ الوعي عنده وإشعاره بحالة (الاغتراب) الذي هو فيه وهو لا يعيه، لان قوانين الإنتاج استلبت منه هذه (اليقظة) لكي لا يكون هناك أي نقد أو اعتراض أو أي آلية لتفكير خارج إطار الإنتاج لتعي واقعها؛ أو إلى أين هي ماضية في هذا الضياع لذات الإنسانية الحرة القادرة على التغير والاعتراض والنقد………………!
فان كانت كل شروط (التحول) دون ذلك؛ فان طريق إلى النهوض واليقظة هي أوسع مما صورتها قوانين الإنتاج والرأسمالية؛ لان عقلانية المجتمع لا تتوقف عن إدراك؛ ووعيها بمتطلبات الإنسانية الغير المادية؛ لان الدلالات التي يفرزها المجتمع الصناعي بقدر ما تتوجه لبناء تصورات موضوعية من خلال قدرات العقل الإنساني؛ فان هذا (العقل) مداراته تتجه في كل الاتجاهات ولا يمكن حصره في مجال الصناعة والتكنولوجيا وسبل الإنتاج وبناء الرأسمالي؛ وهذا (العقل) الذي يفكر بكل الاتجاهات والقدرات لا يمكن تاطيره في جوانب دون أخرى؛ وهي قدرات لا يمكن استلاب قدراتها في بناء الاتجاهات الإنسانية في مجال الأدب.. والفلسفة.. والفن.. والتاريخ.. وعلم النفس.. والاجتماع.. وسعيه في بناء قيم حضارية ترقي بأخلاق والعلاقات الاجتماعية لسمو الإنسانية ومجتمعاتها مهما كانت قوة وصرامة قوانين الإنتاج والقوى الرأسمالية؛ لان آلياتها تعتمد على هذا (العقل) الذي لا يمكن مصادرة اتجاهاته من عقول الإفراد، فبقدر من هم من (مفكرين) موجودين في وحدات الإنتاجية الكبرى؛ بقدر من هم موجودون في كنف المجتمع الحر يسعوا في بناء الاتجاهات الإنسانية بقيم ترتقي بالإنسانية في مجال الأدب ..والفلسفة.. والفن.. والتاريخ.. وعلم النفس .. وعلم الاجتماع، ليمنحوا عطائهم لبناء شخصية الإنسان بما تلاءم تطلعاته في فعل الخير.. والفضيلة.. والحب.. والتسامح.. وبناء علاقات إنسانية ترتقي بالمجتمعات بمستوى التحضر والرقي والازدهار ليبقوا عيونا ساهرة لكل ما يدور من أحداث حولهم.. ومراقبة كل شاردة وواردة.. يوعظون.. ويرشدون الإنسان أرشادا تربوية لمنع استغلال وعبودية الإنسان مهما كان نوعه وشكله والقوانين التي تستغله، ومن خلالهم تنطلق التحليلات الشمولية لكل المواقف؛ وهي قوى لقادرة على تحريك وتأثير في الإفراد وبنية الاجتماعية لكل المجتمعات؛ لان يقيننا بان حالة (الاغتراب) القائمة في المجتمعات هي ليست حالة مرضية غير قابله للشفاء؛ بقدر ما هي حالة عرضية تزول بزوال أسبابها؛ فالتفكير الايجابي والبناء العقلي موجود وقائم؛ وان حوافز الوعي وتشكيله مستمر باستمرار الوجود ووجود الإنسان مهما كانت سلطة قوانين الإنتاج والصناعة الرأسمالية طاغية في اغتراب الإنسان المعاصر .