د.عبدالخالق حسين
توضيح
كتبتُ هذه المداخلة لتقديمها كمحاضرة في الندوة السياسة التي نظمها (نادي الكلمة) في لندن مساء يوم 27 كانون الثاني/يناير 2019. وقد أدار الندوة باقتدار الأستاذ أبو فراس الحمداني. ولكن نظراً لضيق الوقت (20 دقيقة لكل محاضر)، اكتفيتُ بتقديم مداخلتي ارتجالاً وباختصار شديد. لذلك أعيد نشرها هنا كمقال وبشيء من التفصيل، لتعميم الفائدة، مع الاعتذار عن إعادة بعض الأفكار من مقالاتي الثلاثة الأخيرة، وذلك لإكمال الصورة، و حسب ما تتطلبه المناسبة.
مقدمة
السيدات والسادة الحضور الكرام، في البدء أتقدم بالشكر جزيل للأخ مدير الندوة الأستاذ أبو فراس الحمداني على مقدمته الجميلة، ، وشكراً للأخوة في نادي الكلمة على تنظيم هذه الندوة المباركة، ودعوتهم الكريمة لي ولزملائي الأفاضل، وكل الشكر للحضور الكرام. لا شك أن الغرض من هذا اللقاء هو تبادل الأفكار، ومناقشة هموم شعبنا بكل صراحة وشفافية، على أمل تقديم مساهمة، ومهما كانت متواضعة، لإنجاح العملية السياسية والديمقراطية، والخروج من هذا المأزق بسلام. فنحن هنا لنتحدث ونجادل بالسياسة، لأن السياسة هي السبب الرئيسي لتركنا الوطن العزيز، والعيش في الشتات، والسياسة، بالمناسبة، ليست كلمة بذيئة كما يتصور البعض، فهي تعني الاهتمام بالشأن العام. وإذا كان هناك سياسيون أشرار وفاسدون، فالسبب هو ابتعاد الأخيار عن السياسة. إذ كما قال سقراط: “إذا امتنع الأخيار عن السياسة، فسيعاقبون بتولي أشرارهم عليهم.” لذلك فالحديث بالسياسة ومشاكلها دائماً مثير للجدل والاختلاف، ونأمل من الجميع أن يقابلوا هذا الاختلاف بروح التسامح، وبالتي هي أحسن، إذ كما قيل: (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية).
عن أهمية التاريخ ومقولات الحكماء فيه
من نافلة القول، أن الحاضر هو نتاج الماضي، فالشعب العراقي منقسم على نفسه دينياً ومذهبياً وأثنياً وعشائرياً، ولغوياً ومناطقياً…إلخ، وهذه التعددية من نتاج التاريخ والجغرافية، وليس بإمكاننا تغييرها، بل يجب الاعتزاز بها كلوحة فسيفسائية جميلة لشعبنا، وهي ليست صفة خاصة بشعبنا وحده، إذ من النادر أن تجد شعباً بلا تعددية المكونات، وإنما المطلوب منا هو التعامل السليم مع هذه التعددية بروح المواطنة، والعمل الجاد على التعايش معاً بسلام، وهذا لا يتم إلا بإعطاء الأهمية للهوية الرئيسية، وهي الهوية الوطنية العراقية، مع حق جميع المكونات بممارسة هوياتها الثانوية بمنتهى الحرية. وبناءً على هذا المبدأ، نجد في الأنظمة الديمقراطية تكون تعددية المكونات مدعاة للوحدة حسب مقولة:(Unity in diversity). ولكن في النظام الدكتاتوري يحصل العكس، إذ يعتمد الطاغية، لدوام حكمه، على تطبيق مبدأ (فرق تسد)، واستعداء كل مكون على بقية المكونات، وشحنهم باحتقانات المظلومية. لذلك عندما سقط حكم الطغيان في العراق، انفجرت هذه الاحتقانات ضد بعضها البعض في صراعات مدمرة وكل مكون يعتبر نفسه مظلوماً أكثر من غيره، بغض النظر عن كون هذه المظلوميات حقيقية، أو وهمية، أو مبالغ بها.
ينقل لنا ويل ديورانت، صاحب كتاب (قصة الحضارة)، أن أحد ملوك أوربا نصح ابنه أن يقرأ التاريخ، ولا يضيِّع وقته بقراءة كتب الفلسفة، فرغم أن الفلاسفة يطرحون أسئلة مهمة، ولكن إجاباتهم غامضة، وغير مفهومة. بينما التاريخ عبارة عن سجل يدوَّن فيه أخطاء البشر من الأجيال السابقة، ونتعلم منها. ونحن إذ نستذكر التاريخ وندعو لقراءته، لا لنسجن أنفسنا فيه، بل لنستخلص منه الدروس والعبر، ونحاول قدر الإمكان تجنب الأخطاء. فالعاقل من يتعلم من أخطائه، والأعقل يتعلم من أخطاء غيره.
ولكن الغريب أن يطالبنا البعض وخاصة من المتعاطفين مع فلول البعث، بنسيان الماضي بذريعة التركيز على المستقبل، و(أن الماضي راح وانتهى). هذا قول حق يراد به باطل، ففي هذا الخصوص يقول تشرتشل: “لا يمكن أن تخطط للمستقبل، ما لم تعرف الماضي“، فالحاضر هو نتاج الماضي كما أسلفنا، وكما قال الفلسوف الأمريكي، جورج سانتيانا: (الذين لا يتذكرون أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها). لذلك يركز الإعلام الغربي ليل نهار على تذكير شعوبهم بجرائم النازية والفاشية، وكوارث الحرب العالمية الثانية، ليس ترفاً ولا بطراً، بل لمنع تكرارها. وعليه يجب على الشعب العراقي أن لا ينسى جرائم البعث، و بدعاوى مشبوهة.
شيء عن فلسفة التاريخ:
هناك ما يسمى بمكر التاريخ على حد قول هيغل. وفي هذا الخصوص يقول كارل ماركس: “الناس يصنعون تاريخهم بوعي، ولكن غالباً ما تأتي النتائج على غير ما يرغبون.” ولآدم سميث قول مشابه: (عواقب غير مقصودة لأفعال مقصودة، ولكن في نهاية المطاف تكون في صالح المجتمع البشري“.
مقولتا ماركس وآدم سميث تنطبقان على قيام بريطانيا بتحرير العراق من هيمنة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، و قيام القوات الدولية بقيادة أمريكا بإسقاط الحكم البعثي الصدامي عام 2003م، فمهما كانت غاية بريطانيا وأمريكا، سواءً للسيطرة على النفط كما يردد كثيرون، أو لخلاص الشعب العراقي من حكم الطغيان، فالمستفيد الأكبر من هذا السقوط هو الشعب العراقي. وسأأتي على هذا الموضوع بشيء من التفصيل لاحقاً.
إذ يخبرنا التاريخ ، وكما علمونا منذ التعليم الابتدائي، أن كان تعداد سكان العراق في عهد الدولة العباسية في حدود ثلاثين مليون نسمة. ولكن منذ غزوة هولاكو عام 1258، وبعدها الاستعمار العثماني التركي الذي دام لأربعة قرون، حصل إنهيار حضاري وفكري، وهبط نفوس العراق بشكل مضطرد، إلى أن بلغ ما دون المليون والنصف عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى حسب إحصاء قام به البريطانيون المحتلون آنذاك. وهذا يعني أن هذا الشعب كان في طريقه إلى الإبادة، إضافة إلى القطيعة الحضارية التي دامت ثمانية قرون أي ما يعادل 32 جيلاً منقطعين عن الحضارة.
لذلك أنا أعتبر أن الاحتلال البريطاني للعراق في الحرب العالمية الأولى، ومهما كانت غاية بريطانيا من ذلك الاحتلال، كان في صالح العراق، حيث تم نقله من عصر الظلمات إلى نور الحداثة. والمعروف أن ظلم الحكم التركي طال جميع المكونات، ولكنه طال المكون الشيعي أضعافاً مضاعفة، لأسباب سياسية وبغطاء ديني طائفي. إذ كان الأتراك ينظرون إليهم كمشركين لأنهم كانوا يرفضون أن تكون الخلافة في غير العرب، و قريش تحديداً، ولذلك حُرِموا من جميع حقوق المواطنة.
ولكن المفارقة أنه لما جاء الاحتلال البريطاني، والذي كان فيه خلاص الشيعة خاصة من الحكم التركي الظلامي المتخلف الجائر، كان الشيعة وبقيادة رجال الدين وشيوخ عشائرهم، هم الذين انتفضوا ضد الاحتلال البريطاني. فشنّوا حرب الجهاد ضد المحتل “الكافر”، دفاعاً عن الدولة العثمانية المسلمة، وبعدها ثورة العشرين، التي أرغمت البريطانيين على تأسيس الدولة العراقية الحديثة. ولكن المفارقة الثانية من قادة الشيعة، أنهم أصروا على عدم المشاركة في الدولة الوليدة إلا بشرط انسحاب آخر جندي بريطاني من العراق. وهذا لم يكن ممكناً رغم توسلات الملك فيصل الأول بأحد قادتهم وهو الشيخ مهدي الخالصي، أن يتساهلوا قليلاً، ويتصفوا بالمرونة كما تتطلبه المرحلة، وأن يشاركوا في الحكم. ولكن الشيخ أصر على موقفه، وبالنهاية تم تهجيره إلى إيران بتهمة التبعية الإيرانية، ومات الرجل هناك كمداً. وهكذا راح قادة الشيعة يعارضون الدولة الفتية بشدة في كل شيء، مما أدى إلى عزل وتهميش أبناء الطائفة لثمانين سنة، وتكلل حكم المكوَّن الواحد بظهور حكم البعث الصدامي الدموي الذي يُعتبر أسوأ حكم مستبد وجائر عانى منه الشعب العراقي، بل و أسوأ وأبشع وأشنع احتلال في تاريخ العراق، والذي رفع شعار (لا شيعة بعد اليوم). وجرائم النظام الصدامي باتت معروفة، وقد حاول الشعب العراقي بجميع مكوناته، التخلص منه في عدة انتفاضات، أكبرها انتفاضة 1991 بعد هزيمة النظام في الكويت، ولكن النتيجة كانت كارثية، حيث مقتل نحو 300 ألف من الثوار، و450 مقبرة جماعية في مناطق الوسط والجنوب، ومجازر الأنفال، وحلبجة في كردستان، وهجرة الملايين إلى دول الشتات، إضافة إلى الحروب العبثية على دول الجوار، والقائمة تطول. نقول، أن في عصر العولمة لم تعد هذه الجرائم مشاكل داخلية، بل هي مشاكل دولية. لذلك من واجب المجتمع الدولي التدخل لحماية الشعوب المستضعفة، والمهددة بجرائم إبادة الجنس من حكامها المستبدين.
الدعم الدولي لا مناص منه
ولكل ما تقدم، صار من المؤكد أن الشعب العراقي ما كان بوسعه التخلص من ذلك النظام الجائر إلا بمساعدة المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى أمريكا. وهذا ما حصل، فلولا أمريكا لكان صدام وأبناءه و عشيرته مازالوا يواصلون هوايتهم المفضلة في توسيع المقابر الجماعية، وتشريد الملايين من العراقيين إلى الشتات. لقد ساعدت القوات الدولية بقيادة أمريكا الشعب العراقي، ومعارضته الوطنية في إسقاط النظام الجائر عام 2003، وأقامت مكانه نظاماً ديمقراطياً يسمح لجميع مكونات الشعب بالمشاركة في حكم بلادهم. وكما ذكرت أعلاه، أنه مهما كانت غاية أمريكا من إسقاط النظام البعثي، فالمستفيد الأكبر من هذا السقوط هو الشعب العراقي. فلو قُدِر للشعب العراقي إسقاط حكم صدام بنفسه، لحصل من إرهاب وصراعات وانتقامات طائفية دموية مدمرة، بحيث ما حصل بعد السقوط على يد أمريكا، من إرهاب وصراعات كان أشبه بلعب أطفال. لذلك فمن حسن حظ الشعب العراقي أن تورطت أمريكا في إسقاط الحكم الجائر، وهذا هو المقصود من مقولة (مكر التاريخ). فوجود نحو 150 ألف عسكري أمريكي وقوات دولية أخرى، ساعدت على حماية العراقيين من أنفسهم، ومن الإرهابيين الوافدين من الدول الشقيقة، وإلا لتحققت نبوءة صدام السوداء أن (الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه أرضاً بلا بشر). إذ هكذا كانوا يخططون. ومن حسن حظ الشعب العراقي أيضاً، وجود زعيم ديني روحي لشيعة العراق يتصف بالحكمة، وهو سماحة الإمام السيد علي السيستاني الذي قاوم كل الدعوات المشبوهة، بإصدار فتوى الجهاد ضد “الاحتلال الأمريكي”، ولم يستجب لهم، لأنه كان يعرف المقاصد السيئة والنتائج الكارثية لمثل هذه الدعوات والفتاوى. ولكن عندما تعرض العراق إلى تهديدات الإرهاب الداعشي البعثي، أصدر فتوى الجهاد الكفائي لمواجهة شراذم داعش، وتكللت الجهود بالانتصار الساحق على الإرهاب البعثي الداعشي.
لا للحروب بالنيابة في العراق
هناك من يريد أن يجعل من العراق ساحة للحروب بالنيابة، بين أمريكا وإيران، أو بين السعودية وإيران كما حصل في سوريا واليمن. فالقوى السياسية العراقية، وخاصة الشيعية، منقسمة على نفسها إلى قسمين: قسم مؤيد لإيران، رافضاً لأي تواجد أمريكي في العراق بذريعة السيادة والكرامة. وقسم آخر يرى العكس، فيقول إلى متى نبقى حطباً لهذه المحارق بسبب الصراع الأمريكي – الإيراني، والصراع العربي- الإسرائيلي؟ ويرون في الدعم الأمريكي للعراق ضرورة وجودية، وحيوية لا بد منها، ودون معاداة إيران، وهذا ممكن.
واليوم يتكرر من بعض القوى السياسية الشيعية نفس السيناريو لعام 1921 ، تصر على إخراج آخر جندي أمريكي من العراق، وجعل هذا اليوم عيداً وطنياً يتكرر كل سنة. وقد تمترس هؤلاء بالكرامة والسيادة الوطنية، مدعين إن وجود قوات أمريكية في العراق ومهما كانت قليلة، يسيء إلى الكرامة والسيادة. والمفارقة، أن الذريعة نفسها يتمترس بها خصوم إيران في العراق، إذ يعتبرون أن العراق صار مستعمرة إيرانية، وهذا النفوذ الإيراني يسيء أيضاً إلى السيادة والكرامة. وهذا الوضع يذكرنا بنفس الأهزوجة التي كان يرددها أسلافنا في العهد العثماني: (بين العجم والروم بلوة بتلينة).
وفي عام 2011 حاول رئيس مجلس الوزراء آنذاك السيد نوري المالكي، إبقاء عدد قليل من القوات الأمريكية ضمن إطار الاتفاق الاستراتيجي بين العراق وأمريكا (SOFA)، ولكن بضغوط من إيران، ومؤيديها من القوى السياسية العراقية، وتهديدهم للمالكي بأنهم لا يدعمونه في ولايته الثالثة إذا ما سمح لبقاء بعض القوات الأمريكية، تخلى السيد المالكي عن الفكرة، وأصر على رحيل آخر جندي أمريكي من العراق بذريعة السيادة الوطنية.
أعتقد أن إذعان السيد المالكي للضغوط ورفضه للتواجد الأمريكي كان خطأً استراتيجياً أضر بالعراق، لأن البديل، وكما حصل لاحقاً، هو سقوط ثلث مساحة العراق بيد داعش، عام 2014، وتدنيس الأرض، وهتك العرض، وما تطلب ذلك من تضحيات جسام بالأرواح والأموال لتحريرها. وبذلك فقد خسر المالكي السيادة الوطنية، وخسر الولاية الثالثة، بل وراح خصومه، وحتى الذين فرضوا عليه رحيل القوات الأمريكية، يحمِّلونه مسؤولية جميع الكوارث التي حلت بالعراق على يد داعش من قتل ألوف الأبرياء، ودمار الممتلكات، ومجازر سجن بادوش، وسبايكر، وفرار الملايين من ديارهم، واغتصاب النساء، وبيعهن في أسواق النخاسة وغيرها كثير.
العراق أولاً
نعم، السياسة فن الممكن، لتحقيق أكبر قدر من المصالح للشعب، وتجنب الخسائر قدر الإمكان، وهذا المبدأ ليس مزحة كما يحاول البعض التهكم منه. ولعل الحسنة الوحيدة في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم مساوئه الكثيرة، أنه صريح بلا حدود، فقد رفع شعار (أمريكا أولاً)، وقال بحق، أن أية حكومة لا تجعل مصلحة بلادها أولاً، فهي حكومة خائنة لوطنها وشعبها. وإذا كان الأمر كذلك، والكل يسعى وراء مصلحة بلاده، فلماذا على العراقيين وحدهم أن يضحوا بأرواحهم، وبمصلحة وطنهم وشعبهم في سبيل إيران وغيرها، ويعرضوا العراق إلى الصدام مع الدولة العظمى؟ وإذا كانت أمريكا سيئة إلى هذا الحد، فهل من واجب العراق المنهك من تركة حكم البعث، وحروبه العبثية، والداعشية الإرهابية فيما بعد، هل بإمكانه أن يمرِّغ أنف أمريكا في الوحل، ليعطيها درساً في الأخلاق؟ إن الذين يدفعون العراق للصدام مع أمريكا، هم فريقان: فريق من أنصار إيران دون أن يعوا العواقب الكارثية، وفريق ثان، وهم من فلول البعث وأنصارهم يعملون على خلق فوضى عارمة وإفشال العملية السياسية على أمل كسب أمريكا إلى جانبهم وإعادتهم للسلطة كما أوضحوا نواياهم السيئة في مؤتمرهم الفاشل في مشيكان قبل أسابيع.
خلاصة القول:
إن العراق بوضعه الحالي الهش، وتشرذم وحدته الوطنية، وتفتت نسيجه الاجتماعي، والصراعات الشرسة بين قواه السياسية على السلطة والنفوذ والمال، وكونه مازال مهدداً بالإرهاب، فهو بأمس الحاجة إلى علاقة ودية مع أمريكا وإيران. وهذا ممكن وفي صالح جميع الأطراف. أما الادعاء بأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق هو لشن الحرب على إيران، فهذا غير صحيح، لأن بإمكان العراق منع أمريكا من استخدام قواتها في العراق ضد إيران في حالة نشوب الحرب بين أمريكا وإيران، والدليل على ذلك، هو لأمريكا قاعدة عسكرية في أنجرليك في جنوب تركيا، وعندما أرادت أمريكا دخول العراق من الشمال في عام 2003، رفضت تركيا ذلك، وأذعنت أمريكا للموقف التركي، فدخلت العراق من الجنوب، أي من الحدود العراقية الكويتية. كذلك نستبعد قيام أمريكا بشن حرب على إيران، إذ تكتفي بالضغوط الاقتصادية والحرب النفسية عليها.
لذلك نؤكد مرة أخرى، أنه ليس بإمكان العراق، ولا من مصلحته معاداة أمريكا، وإلا سيعود مسلسل سيناريو احتلال داعش للمناطق الغربية، ومعه استمرار حرب الاستنزاف للطاقات البشرية والمادية. كذلك لا نرى في الوجود العسكري الأمريكي في العراق أية إساءة للكرامة أو السيادة الوطنية، وإلا لكانت دول كبرى مثل بريطانيا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، وعشرات غيرها من الدول التي لأمريكا فيها قواعد عسكرية، هي الآن بلا سيادة ولا كرامة، وهذا مخالف للمنطق.
إن الإنسان أعلى قيمة في الوجود، لأنه الكائن الوحيد الذي يمتلك العقل والوعي والذكاء والتفكير، وهو مصدر القيم، ومؤسس الحضارة البشرية، لذلك وُجدت الأديان والفلسفات والأيديولوجيات والقيم من أجل خدمة الإنسان وليس العكس. لقد دفع هذا الشعب بما فيه الكفاية من تضحيات إلى حد الإنهاك، فمقابر النجف التصقت بمقابر كربلاء، وإلى متى يستمر هذا النزيف، وهذا الدمار بسبب أيديولوجيات ومفاهيم خاطئة؟ نحن بحاجة إلى إعادة النظر في الكثير من المفاهيم، وما يسمى بالمسلمات، وفق ما تتطلبه المرحلة الحضارية الراهنة واللحاق بالركب الحضاري المعاصر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com