شوكت توســا
تمر علينا اليوم 16 أكتوبر 2018,الذكرى ال 22لرحيل المناضل الشيوعي توما توماس.
من دفاتر مذكراته التي توفرت لي في أواخرا وكتوبر 1996فرصة لقراءة القليل منها, اي بعد وفاته باقل من اسبوعين , نقتبس مما كتبه المرحوم ابو جوزيف في مقدمة اوراقه قوله: (( انا من مواليد عام 1924في بلدة القوش العريقة في بلاد بيث نهرين من بلاد آشور, تبعد 40 كم عن نينوى آخر عاصمه للاشوريين ,تميزت بلدة القوش بمواقفها القومية الشجاعة بمساندة ابناء قو ميتها اثناء المحن, أتذكر جيدا ( فرمان الاشوريين)أحداث سميل, وكيف احتضنت القوش العوائل الاثوريه التي هجرت قراها…. )).
بحسب مذكراته ,كان طيب الذكر قد تعرّف على الفكر الشيوعي بواسطة المرحومين شماشا ابريم عما والمحامي عبد الرحيم قللو في كركوك, ثم انضم الى صفوف الحزب في نهايات خمسينات القرن الماضي قبيل ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958, والتحق بعد ذلك كمقاتل أنصاري في صفوف الحزب الشيوعي ضمن الحركة الكردية في شمال العراق , ونظرا لبسالته واخلاصه في عمله الحزبي والعسكري, أصبح مسؤولا قياديا في حركة الانصار الشيوعيين في منطقة بهدينان ثم تدرج في تحمل مسؤولياته الحزبية والعسكرية.
إحتراما ًلتاريخه النضالي ولذكرى رحيله , نعيد اليوم بكل فخر واعتزاز نشر مقالتنا التي كـُتبت بمناسبة نقل جثمانه من دهوك الى مقبرة القوش بتاريخ 22 اكتوبر 2010.
إنه مشوار نصف قرن أو ما يزيد من النضال المتواصل, إنها رحلة عقود طويله بعناقيد مثقله بالظلم والقهر والتشرد , فقد خلالها فلذة كبده منير ورفيقة دربه ألماس, وفرهدت السلطات الغاشمة ممتلكاته, وتشردت كامل عائلته, ولكن رغم هذا كله, لم يحنِ توما توماس قامته العراقية الشيوعية الشامخة لأي من هذه النوائب التي تهز الجبال العالية , ولم تنل منه مغريات الحياة الفانية اي منال , ظل حتى آخر لحظه من حياته التي ودعها في سوريا وفيا لقضية شعب يسومه الحاكم الظالم كل انواع الضيم, ومن قامشلي كان قد نقل جثمانه الى مقبرة دهوك, ظل هناك ينتظر بالصبر الذي عرف عنه حتى نقل الى القوش التي وهبها ما لم يهبها إنسان قبله, ليعود الى الصدر الذي رضع منه أولا, وليتوسد تراب مولده في رقدته الأبدية الى جانب رفيقة عمره وشريكة عواديه التي رغم اشتداد النوائب ابت إلا ان تكون توأمه دائما.
إذن إجتمع الخالد الذكر برفيقته وحبيبته أم أولاده ليكون اللقاء الابدي رمزا للحب المتجدد والتضحية والفداء, إجتمعا تحت شاخصة قبر لابد أن تشكل في ضمير الانسان العراقي عموما والألقوشي خصوصا وعلى مدى الدهر, مثابة محطة تستريح عند ظلالها بعض خطى المناضلين المتعبة لكي تستلهم من ذكرى تاريخ من يرقد تحتها: العزيمة والثبات.
حين نريد التحدث بحياديه وتجرد عن رجل بقامة وفكر توما توماس, فأنا ارى من الظلم أن ننسب تاريخ نضال الرجل و نختزله بجرة قلم غير مسؤوله بطائفه او كتله بشريه قوميه, وإن فعلنا ذلك على طريقة النافخين في قربة مثقوبة من خلف البحار البعيدة, طريقة من بدلوا الوان جلودهم مرات ومرات كما الحرباء , فإننا في فعلنا هذا سنتجنى على تاريخ مناضل بطل وعلى رسالته التي تعني وطنا وشعبا برمته, على هذا الأساس لم يتردد في دعم ونضال الحركة الكردية , كما لم يألو جهدا في دعم ومساندة مؤسسي الحركة الديمقراطية الأشورية في بدايات الثمانينات , إذن رسالته هي أشمل وأوسع واقدس من رسالة راهب متنسك عزل حياته من اجل قضية تنحصر بين اربعة جدران عالية رطبه في دير عتيق.
الرجل توما توماس لا يليقه مطلقا أن ننسب نضاله سوى الى ما يستحقه, فالرجل حمل على كتفيه مدى ما يزيد على نصف قرن من رداءة الزمان, قضية شعب ووطن, هذه القضية كما نعرف جميعا تتجاوز سقف القومية والدين وتتسع مساحتها لتضم كل القوميات العراقية, فالشعب العراقي يظل رغم كل الدعوات الطائفية والقومية الضيقة, بعضه شريك لبعضه في السراء والضراء.
بقدر إعتزازنا وفخرنا بعودة جثمان طيب الذكر ابو جوزيف الى حضن أمه القوش التي ولدته وارضعته حليب الشهامة والشموخ ,إلا أننا نثق ان اي بقعه على ثرى العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ليست اقل طهرا ومعزة من الارض التي توسدها, ناهيكم عن ان الفكر(الشيوعي) الذي كان يتبناه الرجل يرفض بالمطلق بدعة النقاء العرقي ويتعامل مع الدين كقضية إيمان فردية محضه تخص صاحبها ليس إلا.
إن توما توماس لم يمارس النضال مجرد هواية كمخاض لعقده نفسيه حاشاه او ترف فكري يستجدي منه تحقيق مكسب شخصي على طريقة من صاروا يتخبطون كما المصاب بحمى الهذيان وسط شوارع المدن التي تستر عريهم الفكري وتخبئ عوراتهم وراء مسميات وتشكيلات وهميه خلقوها للتلاعب بعواطف البسطاء, إنما مارس نضاله كناموس إنساني إستمد بنوده من أنين المحرومين نتيجة السياسات الظالمة التي مارستها الأنظمة المسلطة على رقاب الشعوب بقوة الحديد والنار, ويوم بدل المطبلون والمزمرون لون جلودهم, إزداد إيمان الرجل ضراوة بتمسكه بلون جلده الموبوء بجراحات التشرد ونتوءات الصخور التي تعود ان يتوسدها واصبعه على الزناد دفاعا عن قضايا الشرفاء المضطهدين ومسلوبي الحقوق, ويوم ساوم المطبلون على شرف انتمائهم القومي والفكري الذي يتشدقون به اليوم , أصر الرجل على أنه إنسان عراقي كلدواشوري وهب نفسه للعراق كله, وهذا ما تحكيه لنا وثائق مؤتمرات الحزب الوطنية وعن لسان رفيق دربه دنخا البازي.
لم يكن توما توماس يوما عضوا في منظمه وهميه تضم مجموعة من الجهلة والأميين جعلت لها من صفحات الانترنيت مقرا يدار بفارة الحاسوب, أنما كان قائدا في تنظيم سياسي قدمّ الالاف من أعضائه أرواحهم رخيصة من أجل قضية الفقراء والمسحوقين والوطنيين الشرفاء, إذن لتسكت الأصوات الفاهية ولترتفع أصوات المنشدين بالمجد الذي يستحقه توما توماس ورفاقه الشهداء الأبطال.
بوركت سواعد الذين إستقبلوا نسر بلدتهم العائد, وبوركت تلك البلدة التي أنجبته إبنا بارا, ولكي يقوى عود القوم أمام العاتيات لابد من التحسّب والانتباه دائما من خلال إستذكار مواقف هذا الرجل الذي لم يفرط يوما بأهله ولم يألو جهدا في دعم ما يوحدهم ويحفظ بقاءهم كرماء أعزاء ,رحل عنا الرجل بجسده لكنه عاد بروحه المبتهجة الى مثواه بعد ان ترك لنا إرثا متميزا من عطاء الأشداء المحنكين, ورث ٌ لا يقبل الحكر ولا التقسيم البتة ً, ورثٌ أممي ووطني ثم قومي , فيه من الثراء بما لا يقبل التفريط به بأي شكل من الاشكال ,والذي يصون هذا الورث ويأتمنه بصدق, له الحق ان يتباهى به وبأسم صانعه ,شريطة العمل على تحقيق تلك الرسالة التي توالى وستتوالى على حملها الأجيال مثلما حملها المرحوم بدمه وعقله وتضحياته.
المجد والخلود للمناضل توما توماس (ابو جوزيف) .