فواد الكنجي
استمدت (الرأسمالية) مفاهيمها في احتواء العالم عبر منظومة (العولمة) كتوجه لاحتواء منظومة القيم الإنسانية لكل مجتمعات العالم وعبر الثقافة (الليبرالية) جملت مفاهيمها تجميلا سطحيا وليس جوهريا بمفاهيم (الحرية) و(الديمقراطية)، لتجمل أطرها الخارجية – فحسب – بهذه القيم لكي تستقطب المجتمعات بأنماط السلوك وأشكال العلاقات والمعاملات ومن سائر أشكال العيش والحياة عامة وخاصة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية وبما يخص تحديدا مبادئ ونظم اقتصاد السوق ومن التطور الصناعي والتكنولوجي؛ وكتوجه ثقافي.. وسياسي.. واقتصادي.. وعسكري؛ لتعميم النموذج (الأمريكي للرأسمالية) كنمط واحد تقوده (الولايات المتحدة الأمريكية) كقوة وإرادة تهيمن على كل شعوب ومجتمعات العالم وعلي كل بلدانهم وأنظمتهم؛ بل وأكثر من ذلك؛ تفرض نظام سياسي واحد على سائر دول العالم وهو(النظام الديمقراطي بالمفهوم الأمريكي) وكما خطط؛ وكما تريده مركز العولمة في (أمريكا)؛ بل وتفرض عملة (الدولار) التي هي عملة (الولايات المتحدة الأمريكية) كعملة رئيسية في التعامل في كل ما يخص شؤون الاستيراد.. والتصدير.. والتبادل البضائع.. والصيرفة.. والتجارة.. والصناعة.. والاقتصاد، بل وتفرض (اللغة الإنجليزية الأمريكية) كلغة للعولمة تعمم.. وتنشر.. وتفرض؛ على كل شعوب العالم كمنطلق في تسريع توحيد العالم، لان (العولمة اللغوية) تعني أن المجتمعات العالم أجمع تتحدث لغة واحدة وهي (اللغة الانكليزية) فقط؛ يتم بها التخاطب.. والتواصل.. والتعامل.. في جميع معاملات ومجالات الحياة؛ بدا بمؤسسات التربية.. والتعليم.. والثقافة.. ولغة الأعلام.. والصحافة.. والاقتصاد.. والسياسية.. وبقية العلوم الاجتماعية.. والثقافية.. والفلسفية.. والإدارية.. ولغة العلوم والتقنيات التكنولوجية والاتصالات.. والبحث العلمي.. ولغة المؤسسات الأممية الرسمية المختلفة، بعد إن يكون العالم قد تطبع بنظام (اقتصادي رأسمالي) كما تريده (العولمة الأمريكية)؛ لتكون (العولمة) هيمنة على الاقتصاد.. والسياسة.. وثقافة شعوب العالم وتنميطها بنمط واحد، وهذه (العولمة) التي تبثها (الرأسمالية الأمريكية) ما هي إلا مظهر من مظاهر (الاستعمار) بشكل جديد؛ وكشكل من أشكال التبعية والهيمنة (الأمريكية) على شعوب العالم؛ تقصي قيمهم.. ولغاتهم.. وتطمس ثقافاتهم.. وهوياتهم القومية.. والوطنية.. وتفرض القيم (الأمريكية) الأحادية القطب؛ ليتم صهر ثقافات المجتمعات في ثقافة (الأمريكية) بل وتصهر عملاتها بعملة (الدولار) .
وهذا التوجه (الأمريكي) ببث ثقافة (الليبرالية الراديكالية والنيوليبرالية الراديكالية) في العالم لعولمته؛ ورغم القوة.. والعسكرة.. واقتصاد (الأمريكي)؛ الذي يسخر لتحقيق هذا الهدف (الأمريكي)؛ إلا إن شعوب العالم المعارضة رفضت وترفض تطبيع (العولمة) من قبل تنظيمات وتيارات وطنية محلية ذات انتماءات دينية.. وثقافية.. وقومية.. ووطنية.. وتاريخية؛ لأنهم أدركوا حجم مخاطر العولمة (الأمريكية) على مجتمعاتهم ومستقبلهم الوطني.. والقومي.. والتاريخي؛ لأنهم أدركوا بان العولمة الثقافية.. والسياسية.. والاقتصادية.. والمالية.. وقوة العسكرة (الأمريكية) لم تأتي إلى بلدانهم إلا من اجل تمزيق وحدة الهوية.. والوطن.. والتاريخ.. والأمة.. واللغة.. والقومية؛ لأنها ثقافة تنشر الانحلال الأخلاقي والقيمي.. لأنها ثقافة تركز على الجانب المادي وتهمل الجانب المعنوي للثقافة .
العولمة مظهر من مظاهر الاستعمار بشكل جديد لم تأتي إلى بلدان العالم لا من اجل احتلالها
فان قيم (العولمة) ليست قيم (الانفتاح) بقدر ما هي (فلسفلة رأسمالية راديكالية) تسعى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي للمجتمعات وتفكيك كل روابط تجمع الفرد بالوطن.. والدولة.. والجغرافية.. ولغة الأم.. والقومية.. والديانة.. والتاريخ.. والقومية، لان (العولمة) لم تنشر قيمها من اجل بناء التنمية ورفاهية المجتمع؛ بقدر ما تسعى إلى جعل دول العالم مستعمرات لها؛ وتأخذ من مجتمعاتها مراكز تسويقية لصناعة والاقتصاد (الأمريكي) وفرضت الهيمنة العسكرية والإعلامية عليهم؛ لتبقى المجتمعات تحت التبعية والتخلف؛ لان (العولمة الرأسمالية – في المطلق – لم يكن مفهومها هو السعي للعيش المشترك مع كل المجتمعات العالم وكل مجتمع ضمن خصوصيته الاجتماعية؛ بقدر ما سعت من اجل إلغاء وطمس معالم الهوية الثقافية والخصوصيات التاريخية والاجتماعية لكل مجتمعات العالم بصورة عامة، بل وعملت (العولمة الأمريكية) من اجل اختراق السيادة الوطنية والقومية للدولة ثقافيا.. واجتماعيا.. وسياسيا؛ وذلك بغية (تميع) كل ثقافات الشعوب في ثقافتها (الرأسمالية) وتطهير الثقافات المناوئة لثقافتها، بعد إن استطاع إزاحة (الإيديولوجية الشيوعية) التي كانت تخلق لها متاعب لا حصر لها؛ بل وتزاحمها التنافس على قطبية العالم؛ ولكن بزوال (الاتحاد السوفيتي) ودولتهم (الشيوعية) تمكنت (الرأسمالية الأمريكية) ببناء أفكارها (الليبرالية الراديكالية والنيوليبرالية الراديكالية) وسخرت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة في هذا المهام لتحتل قطبية العالم بامتياز؛ لتبد بهيمنتها الاستعمارية بشكل جديد على دول العالم بعد إن أخليت الساحة لها بدون منافس للسيطرة على مقدرات العالم؛ لتسعى (العولمة الرأسمالية) فرض إرادتها على شعوب العالم لكي يبقوا بلا وطن.. وبلا امة.. وبلا تاريخ، ولتمهيد لهذا الغزو فأنهم يفجرون الصراعات الطائفية الدينية والعرقية والسياسية لتكون اغلب المجتمعات العالم ساحة للفوضى والاضطرابات كما يحدث لكثير من بلدان العالم اليوم .
العولمة الأمريكية جندت تكنولوجيا الاتصالات للهيمنة على الفضاء الثقافي والإعلام الوطني والقومي لشعوب العالم
فـ(العولمة الأمريكية) ومن خلال تكنولوجيا الاتصالات الحديثة عملت على تحريك رؤوس الأموال والصناعة والإنتاج السلع إلى اختراق الحدود الجغرافية لكل دول العالم؛ ليكون العالم ساحة بورصات كبرى مندمجة بالصناعة (الأمريكية)؛ مستغلة أجندة (العولمة) لنشر الثقافة (الليبرالية الراديكالية والنيوليبرالية الراديكالية) من اجل تغيير كل أنماط الحياة وسلوك الإنسان الاجتماعية.. والأخلاقية.. والثقافية؛ بل وعملت إلى إضعاف القيم الوطنية والقومية من خلال مراكز صناعة وترويج (الثقافة الأمريكية) فجندت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة ووسائل الإعلام لبث المعلومات والرسائل والنصوص المرئية عبر الصور والإشارات على شاشات الأجهزة الالكترونية الهاتف النقال.. واللابتوب.. والحاسوب.. والايباد.. والتلفاز؛ لاكتساح الفضاء الثقافي ولأعلام الوطني والقومي لشعوب العالم؛ لامحاء تاريخهم وتراثهم ليتم تدريجيا ذوبانهم في (ثقافة العولمة) وقيم السلوكية (الأمريكية) التي حركت مفاهيمها على تيار (الحرية) و(الديمقراطية)؛ (ديمقراطية) السوق و(حرية) انتقال السلع والأذواق فحسب وليس بالمفهوم الفلسفي الإنساني لـ(الحرية والديمقراطية)، وذلك بترويج الثقافة الاستهلاكية عبر الإعلام مستغلين تكنولوجيا الاتصالات الحديثة العملاقة والتي اقل ما توصف بأنها تكنولوجيا لا حدود لإمكانياتها الرهيبة؛ لكي لا يتم لأية قوة منافستها – وهذا بدون أدنى شك – جاء على حساب القيم الأخلاقية.. والثقافات الوطنية.. والخصوصيات القومية والدينية؛ هذه التكنولوجيا التي ضيقت الخناق على الإنسان بعد إن تم تجريده من قيمته الإنسانية في الإبداع والجمال ومشاركة الأخريين؛ ليتم عزله عن قضايا الإنسان المصيرية المتعلقة بالأمة ومشاعره القومية.. والوطنية.. والاستقلال.. والسيادة؛ ليتم إخضاعه بقوانين الآلة وتكنولوجيا الاتصالات التي عملت إلى (تشيؤء) الفرد؛ بعد إن شوهت قيم الإنسانية من أعماقه الداخلية ومشاعره؛ ليفقد إنسان إبداعه فيسقط في عالم (الاغتراب) و(التشيوء)؛ وكل هذه الأفعال التي تقوم بتنفيذها القوى (الرأسمالية الأمريكية)؛ وعبر نظام (العولمة)؛ يأتي في سياق من اجل ضبط سلوك الإنسان؛ بل من اجل ضبط سلوك الدول والشعوب وفرض الهيمنة عليهم بتهميش كل قيمهم المعنوية والأخلاقية من الثقافة.. والإبداع.. والوطنية.. والقومية؛ وطمسها لتحل محلها (ثقافة العولمة الرأسمالية) التي تحاول إثارة الغرائز الجسدية والشكلية في نفوس الإفراد وإلهائهم بالمشاهدات والصور وإعلانات لمنتجاتها الصناعية؛ من اجل تصريف بضائع المنتجين للقوى الصناعية (الرأسمالية) والتي يبثها (إعلام العولمة) عبر تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، فتنشيط هذا الاتجاه (المادي) في نفوس الإفراد يأتي من اجل تحجيم النشاط الذهني.. والعقلي.. والإبداعي عند الأفراد؛ ليكونوا مجرد (أداة متشيئين في المادة) ليس إلا؛ من اجل إنماء (السلوك الاغترابي) في نفوس الأفراد؛ ليتم تفكيك الروابط الاجتماعية والأسرية؛ بعد إن تكون (ثقافة العولمة) قد أخذت مأخذها في صياغة الرأي العام في إغراء الأفراد بصور الإعلانات وما يبثها (إعلام العولمة) بنشر ثقافة الاستهلاك والتسويق التي يتمحور حولهما كل شيء يخص (الإنسان المعاصر)؛ وبفضل التطور التكنولوجي وشبكات الاتصال أصبحت (ثقافة الصورة) بدلا من (ثقافة الكلمة) خاصة في مجتمعات التي تنتشر فيها (الأمية)؛ بعد إن أصبحت (الصورة) التي تبث بوسائل الاتصال الحديثة هي مرتكز للنظام الثقافي الجديد التي تصدرها (العولمة)، بمعنى أنها أصبحت (نظام إنتاج وعي الإنسان بالعالم)؛ لان (الصورة) التي تبث عبر تكنولوجيا الاتصالات الحديثة من الهاتف النقال.. والحاسوب.. والايباد.. والتلفاز.. واللابتوب؛ (لا) تحتاج إلى المصاحبة اللغوية؛ لأنها تنفذ إلى إدراك المتلقي بشكل سلس وبما تتملك كل مقومات التأثير الفعال في عقل المتلقي؛ لان (ثقافة الصورة) التي تصدرها (العولمة) هي ثقافة شعبية يشرف عليها الضالعين في شؤون إدارة الصناعة والتجارة ونخب الرأسمالية؛ وليس ثقافة معتمدة من قبل نخبة المؤلفين.. والأدباء.. والمفكرين سواء في عالم الآداب.. والفنون.. والسياسة.. والاقتصاد.. والفلسفية.. وعلم النفس.. وبقية المعارف والعلوم الإنسانية المختلفة، لذلك فان (العولمة) عبر تكنولوجيا الاتصالات الحديثة تيقنت بان تأثير (الصورة) يكون فعال ويصل محتواه إلى ذهن المتلقي بشكل مباشر وسلس؛ وبما تجعل هذه (الصورة) تشغل كل تفكير ووعي الإفراد؛ وهذا ما يحفزهم من اجل اقتناء كل ما هو الجديد في عالم الاتصالات الحديثة؛ لذلك سعت وعملت (الرأسمالية) دوما وبشكل متواصل إلى الابتكار.. والتجديد.. والصناعة؛ لاستحواذ على الأسواق وعلى عقلية الفرد الذين يقضي جل أوقاته في معاودة شراء ما يطرح في الأسواق حتى وان كان ذلك فاض عن حاجته، لان (الإعلام المعولم بثقافة الرأسمالية) عمل واستخدم كل تقنيات التكنولوجيا الاتصالات الحديثة لاحتلال عقلية الفرد من اجل القضاء ونزع أية خصوصية اجتماعية.. أو ثقافية.. أو أخلاقية.. أو دينية؛ لان مخطط (الرأسمالية) لاحتواء العالم اجمع واستعماره هو بث (ثقافة العولمة) من اجل إخضاع الشعوب العالم والهيمنة عليهم كبديل عن فكرة (الاستعمار) و(الاحتلال) المباشر بالقوات المسلحة .
الإعلام المعولم استخدم كل تقنيات التكنولوجيا لاحتلال عقل الفرد
فعبر هذه الثقافة (الثقافة الرأسمالية) التي هي قوى ناعمة؛ تمكن (الرأسمالية) الهيمنة على الشعوب ومقدرات العالم وبكل وسائلهم القذرة؛ بعد إن يتم غسل أدمغة الأفراد بثقافة (العولمة) التي تنشرها من خلال (تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الحديثة) هذا العملاق الذي يسعى للهيمنة على إرادة الأفراد ووعيهم والعمل لتكيفه بدعامات (ثقافة العولمة الرأسمالية) بعينها؛ من اجل تقبل الأفراد لفكرة الانخراط في حركة (الرأسمالية الأمريكية) اقتصاديا.. واجتماعيا.. وسياسيا.. وثقافيا.. وإعلاميا، لان (ثقافة العولمة) استقطبت مجتمعات العالم بما حققته من انجازات (براغماتية) قربت واختصرت (الزمان) و(المكان) في عالم بـ(تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الحديثة) التي تعمل على إخضاع المجتمعات لثقافة (العولمة الأمريكية)؛ بل وعملت على تهميش سيادة الدولة وتفكيكها؛ لان القوى (الرأسمالية الأمريكية) التي همشت حضارات الأمم لصالحها؛ وبعد إن (عولمت العالم) فهي التي من تقر من (من هذه الدول) يتم إبقائها أو إزالتها، لان هذه (الدول) أمام عملاق تكنولوجيا الاتصالات الحديثة أصبحت (ضحية)؛ فهي من تدفع فاتورة إرادة الهيمنة والتسلط (الأمريكي)؛ بعد إن سخرت (العملاق الأمريكي تكنولوجيا الاتصالات الحديثة) والمنبثق منها شبكات المعلومات العالمية (الإنترنت) وغيرها من تقنيات الاتصال لتنفيذ كل الآليات والأدوات من أجهزة الإعلام وبالصوت والصورة والبث المباشر وبالكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية، لان قوى (الرأسمالية) وجدت بان تأثير (ثقافة العولمة) على مقدرات المجتمعات والشعوب العالم اقوي واخطر من (الاقتصاد) التي تهيمن علية (أمريكا)؛ لان من خلالها تسوق منتجاتها وخاصة الالكترونية بين الشعوب التي خضعت لها؛ بل وأخذت تركض ورائها لأنها وجدت نفسها محكومة داخل مجتمعاتها بإملاءات (العولمة) و(الأمركة)؛ بل إن مجتمعات العالم اجمع وجدت نفسها لا تستطيع توظيف قدراتها وإمكاناتها لمواجه القوة الطاغية لـ(تكنولوجية الاتصالات الأمريكية الحديثة)؛ لان (العولمة) أفقدت من أعماق الأفراد قوة الإبداع.. والابتكار.. والإرادة؛ لان (الفرد) أصبح في (عالم العولمة) مجرد جهاز استقبال والتقاط ما يأتي إليه وما تبثه (ثقافة العولمة)؛ وهو اكتفى بتكيف نفسه في هذا (الاستلاب) بعد إن ففقد مشاعره.. وإحساسه.. وذوقه.. وإبداعه؛ ليأخذ القهر النفسي والاجتماعي مأخذه منه؛ بعد إن فقد القدرة بالتحكم على مشاعره.. وإبداعه.. وتفكيره؛ فماتت مواهبه من أعماقه ولم يستطع تحفيزها للثورة والتمرد؛ بقدر ما استسلم لثقافة (العولمة) صاغرا لها لا يستطيع القيام بأي عمل وإبداع؛ لان الأفراد فقدوا القدرة على توظيف إمكانياتهم وطاقاتهم الذاتية من أجل صنع التغيير.. والإبداع.. والتطور؛ لان (ثقافة العولمة الأمريكية) احتكرت كل عوامل القوة.. والغلبة.. والمنعة.. لذاتها فحسب وسلبت من المجتمعات هذه القوة.. والغلبة.. والمنعة؛ لان (العالم المعولم بالامركة) صار كله حكرا لها، لان (أمريكا) تسعى إلى (عولمة العالم) والى تطبيق (العولمة) ونشره في العالم عبر ثقافة (الليبرالية الراديكالية والنيوليبرالية الراديكالية) ومن خلال ما تغذية بالقيم المادية بحتة؛ مستغلة لتروج لهذا المهام من خلال عملاقها التكنولوجي للاتصالات الحديثة وما أحدثته من ثورة المعلومات الناتجة عن التطور العلمي والتقني الهائل لوسائل الاتصال الجماهيري التي تسيطر على الفضاء الكوني لتفرض ما تبثه من صور وتكرارها بتقنيات وأساليب فنية لنقل للمعلومات نقلا سريعا بالكلمة والصورة وبشكل فوري وعلى نطاق واسع وكأنها هي الحقيقة لتوهم المتلقي بأن دخوله إلى (العولمة) معناه انحسار الجوع.. والفقر؛ وان أبواب الرخاء تفتح له أفاق رحبة؛ ولأكن لا يعلم – هذا المتلقي – بان الحقيقية ما وراء (العولمة) هو استشراء البؤس.. والفقر.. والخوف.. والقلق.. والضياع.. والاغتراب عن الذات.. وتعويم الفردية.. والعزلة، لان (العولمة الرأسمالية) كفكر استبدادي لا تهتم سوى بالإنتاج.. والإرباح.. وأسواق لتروج ما تنتجه لذلك، فان جل ثقافتها تنحسر في هذا الترويج وليس من اجل بناء العقل.. والحكمة.. والإبداع.. وبث روح البهجة في نفوس الأفراد؛ بقدر ما تسعى إلى اغترابه.. وتشيؤه.. وانسلاخه من واقعة الاجتماعي، لان (العولمة الرأسمالية) هي (عولمة) لتعميق (اللاعقل) و(اللامعنى) في أعماق (الفرد) لكي يبقى على الدوم يبحث على ما هو الجديد.. وما يوزع في الأسواق من الإنتاج من اجل اقتنائه حتى وان كان فائض عن احتياجاته؛ لذلك فان في ظل هذه البيئة (المعولمة) فان ما ينتعش هو الترف.. والفساد.. والملاهي.. وصالات الدعارة.. والقمار.. والمضاربات المالية.. وأسواق المخدرات.. وبيع السلاح.. والجريمة المنظمة.. والمضاربات المالية والعقارية.. وصناعة الأجهزة الالكترونية؛ لكي يسود في العالم (المعلولم) لغة اللامان.. وللاستقرار.. والانتقال المستمر بحثا للتغيير.. والعمل.. والأمان، لتعيش المجتمعات العالم في عالم من التخلف.. و الظلم.. والقهر؛ لان الأفراد في مجتمعات العالم لم يعد لهم أي خيار؛ لأنهم وجدوا أنفسهم ما بين نظام حكم مهزوم وما بين (العولمة) التي هزمت دولته قبل مجتمعه، لان العالم (ما بعد العولمة) يصبح حكرا للقوى المهيمنة التي احتكرت كل عوامل القوة.. والغلبة.. والمنعة لنفسها؛ لان المجتمعات فقدت حركة للإصلاح والتطور لدرجة التي فقدت الحركة الذاتية لتطوير إمكانياتها وقدراتها لكي تحفز مواطنيها لنهوض لمواجهة ما يحدث من حولهم من تطور في العالم لتكيف واقعهم مع التطورات والتحديات الجديدة التي يشهدها العام بعد (عولمته) ليتم توفير كل مستلزمات الضرورية لاستيعاب النهضة وتطورات هذا العصر؛ لكي يتسنى للمجتمع والإفراد المشاركة والتفاعل (الايجابي) وليس (السلبي) مع طبيعية تكنولوجيا الاتصالات الحديثة في هذا العصر، لان أي مجتمع من مجتمعات عالمنا يزخر بالكفاءات والطاقات الإبداعية الخلاقة؛ ولكن حين يهزم (نظام الدولة) إمام تحديات (العولمة) ولم يتمكن بقيام بجميع واجبات النظام في حفظ الاقتصاد الدولة.. والسياسة الدولة.. والأمن الدولة.. والثقافة.. والإعلام؛ فلا محال ذلك ينعكس على الإفراد والمجتمع.
الاقتصاد المعولم اخطر من الاستعمار القديم ومن كل الحروب الكلاسيكية السابقة
الاقتصادي (المعولم) والذي تتبناه قوى الرأسمالية الأمريكية وهو من اخطر الأسلحة التي تحارب بالياته قوى (الرأسمالية) لعولمة العالم؛ والذي يعتبر بمثابة سلاح بيد (قوات الرأسمالية) التي تزحف باتجاه دول العالم لاحتوائها واحتلالها؛ هو السبب الرئيس في تفاقم الأوضاع داخل اغلب دول العالم؛ اجتماعيا.. وسياسيا.. واقتصاديا؛ وخاصة الدول النامية؛ لدرجة التي احدث عجز هائلة في موازينها التجارية ومدخولات الإفراد في هذه الدول؛ بعد إن ارتبط سعر العملة المحلية بـ(الدولار الأمريكي) وبما يقابلها من سعر صرف؛ وهذا ما أدى إلى أوضاع مزرية داخل اغلب دول العالم بما سببت الأوضاع الاقتصادية إلى زيادة نسبة أسعار السلع الأساسية لارتباط شرائها بقيمة (الدولار الأمريكي)؛ في وقت الذي حجمت المصانع والمعامل نسبة العاملين فيها وسرحت الكثير منهم؛ وهذا ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطال بين صفوف القوى القادرة على العمل والتي تبحث عن فرص للعمل وبما سبب إلى تشريد الملايين من العمال وبما زادة من نسبة البطالة بين صفوف الشباب والخرجين.. وارتفاع أسعار السلع.. وقلة مدخولات الأفراد والأسر، لأن طبيعة تكوين اغلب هذه الدول – وهي دول نامية – تساعد على زيادة تفاقم أوضاع الداخلية بسبب عدم استقرار أوضاع الحياة فيها وعلى كل مستويات الحياة الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية؛ وهذا بدوره يؤدي إلى تراجع دور الدول – وخاصة النامية منها تحديدا – في الاستثمار والتنمية الاقتصادية بما يجعلها خاضعة لا محال لنظام (المعولم) وتحت هيمنة القوى (الرأسمالية الأمريكية) التي هي أساسا تحاول (عولمت العالم) من اجل استعباد كل دول العالم.. واستعمارها.. ونهب خيراتها.. وثرواتها الوطنية؛ فتقع هذه الدول فريسة لها؛ لان هذه الدول تحديدا تتعرض وبشكل دائم إلى تقلبات مفاجئة في أسعار صرف العملات المحلية والأجنبية نتيجة تتابع هجمات المضاربة.. وزيادة تدفق الأموال القذرة.. وسعة تهريب الأموال المحلية.. واستشراء الفساد في كل أركان هذه الدول؛ لان إدارة السلطة في اغلب هذه الدول – إن لم نقل جميعها – تمسكها مافيات وميلشيات مسلحة تستحوذ على كل مقدرات الصناعة.. والتجارة.. والاستيراد.. والتصدير؛ بعد إن تمكنت هذه القوة (الفاسدة) في إضعاف السلطة الوطنية – إن لم يتم تغيبها – عن تطبيق القوانين الوطنية نتيجة عجزها من أداء مهامها داخل حدود الإقليمية لهذه الدول؛ لأنها لم يعد لها سلطة في إدارة اقتصادها وثرواتها الوطنية؛ بعد إن فقدت سلطتها السياسية؛ لان سلطة الشركات الأجنبية وظفت عملها في إدارة السلطة لصالحها وبالتعاون مع المافيات وميلشيات المسلحة؛ فلم يعد احد ينادي بالسيادة ورفض التبعية باتجاه الاندماج بالمؤسسات العالمية؛ لان إدارة السلطة هم شلة من الفاسدين؛ وفي مثل هكذا بيئة ملوثة لن تستطيع بأي شكل من الإشكال هذه الدول – أي الدول النامية – إتباع إيديولوجية اقتصادية وفق السياسة الوطنية المستقلة؛ خاصة إذ ما علمنا بان (العولمة) أساسا بنيت وفق الطبيعة الاقتصادية من الاستثمار والتنمية وعلى كل مستويات الصناعة والتجارة وسوق العملات، لذلك فان أي بعد سياسي لا بد إن يرتبط بالبعد الاقتصاد؛ بمعنى إن ارتباط الاقتصاد بالسياسة، وفي النظام (الرأسمالي المعولم) والذي يسعى إلى (عولمة) كل النظم لدول العالم؛ فأن التغيير في البعد السياسي لهذه الدول يرتبط بالاقتصاد؛ لذلك فان أية سياسة وفي أية دولة من دول العالم (لا) تستطيع إتباع إيديولوجية سياسية بمعالمها ومفاهيمها الخاصة لأنها لا تستطيع الانغلاق على نفسها لا سياسيا ولا اقتصاديا؛ لان الجميع اليوم وفق هذا النظام (المعولم) يعيشون في ظل شبكة من العلاقات (المتحدة بالعالم المعولم) تقودها الشركات والقوى الصناعية (الرأسمالية الأمريكية المحتكرة والتي لا تتعامل إلا بالدولار)؛ لذلك تسعى هذه الدولة بعد إن غابت عنها إدارة وإرادة وطنية حرة إلى إبرام اتفاقيات الاستثمار مع هذه الشركات الاحتكارية وإلى الانضمام وجلب للعديد من هذه الشركات والمؤسسات الدولية إلى الداخل؛ وهو الأمر الذي يجعلها تدفع فاتورة السيادة والاستقلال الدولة مقابل ذلك وكذلك من قوة سلطتها محليا؛ لان لقبول لمثل هكذا استثمار؛ يعني قبولها تدخل هذه المؤسسات والشركات الاحتكارية في نشاطاتها وقراراتها؛ وبهذا القبول فان الدول تفقد هويتها ولن يكون لها أي سند قانوني وسياسي يحدد هويتها؛ لان (العولمة) عالم بدون وطن.. وبدون دولة.. وبدون هوية.. وبدون أمة.. هو عالم تكنولوجي تصنعه الاتصالات الحديثة بشبكات الاتصال الالكترونية سياسيا.. واقتصاديا.. وثقافيا.. واجتماعيا؛ عالم فوق نظام الدولة.. والوطن.. والأمة؛ وهذا هو تفتيت النظم لصالح (العولمة) لصالح الشركات والمصانع العالمية لنظام (الرأسمالي الأمريكي) التي لها أنظمتها وقوانينها التسويقية والتشغيلية والتصنيعية والمالية؛ وهذا ما يجرد أي اعتبار للدولة أو نظامها السياسي؛ أي إن (العولمة) في ظل هذا النظام تطرح أفق جديد للأنماط الحياة الاجتماعية الغير التقليدية تسد كل منافذ الوطنية والتحررية في المجتمع لصالح قيم (الانفتاح) والتبعية، وهي بذلك تحاول تعميق الفوضى في أركان الدولة ليتم الرضوخ لأنظمتها وقوانينها (المعولمة)، لذلك فان مرحلة (ما قبل عولمة) تسود في الدولة الكثير من الاضطرابات والفوضى في موئسات الدولة من استشراء الفساد.. والإرهاب.. والفوضى.. والتظاهرات.. واعمل عنف.. والفقر.. وارتفاع الأسعار.. وزيادة نسبة البطالة بين صفوف أبناء الشعب؛ لان تحول وتكيف المجتمعات من مجتمعات مغلقة إلى مفتوحة؛ لن يأتي بين ليلة وضحاها؛ لان وسيلة (العولمة) للسيطرة على المجتمعات هو خلق وإشاعة الفوضى في المجتمعات؛ يرافق ذلك بما يتم بثه عبر شبكات الانترنيت لغسل أدمغة الأفراد وإقناعهم بان الخلاص هو التوجه نحو (العولمة) و(الانفتاح)؛ و(أمريكا المعولمة العالم) تسخر في هذا التوجه القوة التكنولوجية بكل تقنياته وفنونه وبكل ابتكارات ثورة الاتصالات والمعلومات؛ فهي تبدأ في ظل ما يسود داخل الدول من فوضى وعدم الاستقرار بالسيطرة على كل مرافق الحياة الاجتماعية.. والاقتصادية .. والسياسية.. والثقافية.. والإعلامية.. ووفق مناهج وبرامج مبتكرة خصيصا لهدف (العولمة)؛ ومن اجل (عولمة) كل مؤسسات الدولة برمتا وبشكل جديد تفرض على المجتمعات من خلال ما تثبه من محيطهم الفضائي ومن خلال الأقمار الصناعية وبوسائل العديدة للاتصالات الحديثة الانترنيت وعبر الهاتف النقال.. والايباد.. واللابتوب.. والحاسوب.. والتلفاز؛ وبما لا يستطيع أي مجتمع في دول العالم السيطرة على ما يتم بثه في الفضائيات الكونية التابعة لتكنولوجيا القوى (الرأسمالية الأمريكية) من بث برامج والمناهج التي تفرضها (العولمة) والتي لا يمكن تحديد افقها وتوسعها العمودي والأفقي وكثرتها وتنوعها، لان شركات التواصل وبث المعلومات الفضائي تبث إرسالها إلى كافة دول العالم وبمضامين تحث وبشكل متلاحق بتسريب أراء جديدة اغلبها (أمريكية) الطابع وبما لا توافق أغلب النظم الوطنية لدول العالم والتي من شانها إن تتحول إلى وجهة نظر وقد تصل إلى مبادئ، وتتحول إلى عقائد جديدة؛ وهذه البرامج التي تعمل على غسل عقل الفرد رويدا – رويدا هي بمثابة الدائرة التي تقوم بسحق (الهوية الوطنية) وتشتيت للنسيج الاجتماعي للمجتمع؛ لان اغلب دول العالم اليوم لا تستطيع الدخول في منافسة حقيقية مع برامج (الثورة التكنولوجيا للاتصالات الحديث الرأسمالية) ولا يمكن لها إن تدخل وتنافس السوق العالمية لا من ناحية الاقتصادية.. ولا من ناحية الإعلامية.. ولا من ناحية العسكرية؛ لان (عولمة العالم) من قبل ثورة التكنولوجيا الاتصال والمعلومات الحديثة باتت حقيقية؛ وهي أشبه ما تكون بالحروب الكونية الجديدة التي أشعلتها (العولمة) في العالم بقيادة (الولايات المتحدة الأمريكية) وتغذي نتائجها؛ وهي بالتالي اخطر من (الاستعمار) القديم ومن كل الحروب الكلاسيكية السابقة .