فواد الكنجي
الاغتراب، تعبير عن معاناة الإنسان الوجودية والعزلة التي يشعر بها (الفرد) وبما يترك ذلك من هوة واستلاب فكري وقيمي مع نفسه ومجتمعه نتيجة اصطدامه بواقع التحولات والتطورات التكنولوجيا المعاصرة التي أثرت تأثيرا فاعلا في بنية التقدم الصناعي.. والاقتصادي.. والاجتماعي.. والثقافي.. التي بنيت على نطاق توسع الرأسمالية بمفاهيمها الليبرالية ونيوليبرالية؛ والتي كانت لها الأثر في توسيع مشاكل الحياة الاجتماعية التي ضيعت الإنسان نتيجة ضغوطات التطور التكنولوجي التي أثرت على سلوك (الفرد) بما أضعفت إرادته وفككت الروابط الاجتماعية والإنسانية، ليعيش (الفرد) حالة من التناقض ليس فحسب بعلاقته مع الأخريين بل حتى مع نفسه؛ لان الجميع في ظل مفاهيم وقيم الليبرالية التي أنتجتها قوى الصناعية للرأسمالية هي قيم أفقدت اتجاه التلاؤم مع الأخر؛ وهذا ما أدى إلى فقدان الاتجاه في المجتمعات وليس في مجتمع (ما) محدد بذاته، لان هذا الوضع؛ أصبح ظاهرة الحياة للإنسان المعاصر؛ بعد إن توفرت كل العوامل لتهيئة الشعور (الفرد) بالاغتراب نفسيا.. واجتماعيا.. ووجوديا؛ لكي يجد نفسه في لحظة من الزمن لا يملك سوى ذاته؛ فيتقوقع في داخلها؛ ونتيجة لذلك يعجز الفرد من استثمار مواهبه وقدرته وطاقاته الإبداعية؛ فيتيه من دون تحقيق أحلامه؛ فيعيش (الفرد) حالة من الاضطراب في عدم قدرته في إقامة العلاقات الاجتماعية والتوفيق بين مطالبه وحاجاته ورغباته من ناحية وبين مشاركة الأخريين والتواصل معهم؛ ليصاحب هذا الشعور في نفسية (الفرد) مشاعر متناقضة مفعمة بالتمرد.. والرفض.. والانسحاب.. والعزلة.. والتمرد؛ لدرجة التي يشعر بأنه لا يستطيع الاندماج مع الواقع لان بيئته أحيطت بـ(ثقافة العولمة) التي هي أساسا ثقافة عرض.. والطلب.. والاستهلاك.. والتسوق.. والنزوة. واللذة.. والشهوة.. والاستسلام.. والمخادعة.. وهي (ثقافة التشيؤء) بامتياز؛ وهي ثقافة بعيدة كل البعد عن الثقافة الإنسانية التي تنطلق من قيم العقل.. والروح. والعدل.. والأخلاق الفاضلة.. والمشاعر النبيلة؛ التي تبدع في مجالات الفكر.. والفن.. والقيم الإنسانية الجميلة.. والإبداع.. وتفاعله الإنساني مع الإبداعات الفنية والفكرية التي كانت تشكل المعاني الإنسانية الرفيعة والخلاقة وكان أكثر أفراد المجتمع وفي كل المجتمعات العالم يحضون بقدر كبير من الثقافة الفلسفية والأخلاقية؛ بل إن اغلب أفراد المجتمعات كانوا يمتلكون قدرا كبير من التربية الأخلاقية والفنية والأدبية ويذوقونها بروحها الجمالية؛ بل أنهم كانوا يحضون بمعارف حول الحق.. والخير.. والدين.. والجمال؛ لان اغلب أفراد المجتمعات كانوا متفتحون على ثقافة الآخرين وإنتجاتهم وأعمالهم الفكرية والفنية، لان (الفرد) كان يسعى بكل جهد وجد إلى تثقيف نفسه بالقراءة والمطالعة ومراجعة إبداعات الفكرية للآخرين؛ وهذه الصورة في عالمنا المعاصر انحسرت إلى درجة كبير وباتت محصورة في طبقات نخبوية؛ لان (الحياة المعاصرة) اليوم جعلت الإنسان المثقَف فيها محصورا بفيئه نخبوية وبين عدد قليل جدا من إفراد المجتمع، وهذا التناقض بين الثقافتين (ثقافة التشيؤ) و(ثقافة العقل والإنسانية) – ونظرا للهيمنة الرأسمالية على مقدرات العالم وثقافة الشعوب وطغيان الفكر الليبرالي والنيوليبرالي – انحسرت ثقافة (العقلنة) و(الأنسنة) تحت عناوين (ثقافة العولمة) بـ( دلالاتها المعاصر)؛ لتشيئ الإنسان المعاصر، وهذا الأمر له دلالات خطيرة في تراجع قيم الإنسانية؛ وهذا ما يشعرنا حقيقة بالقلق لاختفاء نموذج الإنسان المثقف والذي ترتب عنه اختفاء الثقافة الإنسانية في حياتنا المعاصر التي طغت عليها (الثقافة العولمة) بطابعها الليبرالي والنيوليبرالي والمحصورة بين ثقافة اللذة والمتعة بطابعها الاقتصادي والتكنولوجي التي خلقت أزمة حقيقية لمفهوم الثقافة للإنسان المعاصر التي تواجه – حقيقة – تحديا عظيما يتعلق أمره بروح الإنسان.. وخياله.. وملكاته الإبداعية، لان) الثقافة) لم تكن مجرد عقلا أو معرفة علمية؛ بل لأنها – أي الثقافة – هي طريقة في الحياة.. والوجود.. ومنهج للعيش.. والتأمل.. والإبداع.. والنظر.. والتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه الإنسان في المجتمع، لان (الثقافة الحقيقية) هي ما أبدعه الإنسان فكرا.. وعقلا.. وتفاعله مع البيئة والكون الذي يعيش فيها لارتقاء بالإنسانية قبل ارتقاء بالفرد نفسه؛ وذلك بأساليب التفكير والعقل السليم الذي يسعى إلى التكيف والسيطرة على الوجود الذي يعيش فيه؛ وهذا التكيف لم يأتي اعتباطيا بقدر ما انفرد الإنسان بوعيه عبر الثقافة التي انمي ملكة التفكير.. والتأمل.. والنظر.. عنده كمنهاج في تكيفه مع البيئة والكون؛ وهذا التحدي الذي قاده الإنسان اصطدم بعد توسيع نطاق الرأسمالية وهيمنة فلسفتها الليبرالية على كل مجتمعات العالم ليصطدم (الإنسان المعاصر) بثقافة الاستهلاك وطغيان التكنولوجيا – وخاصة تكنولوجيا الاتصالات – التي حولت الإنسان إلى مجرد (آلة مشيئة) في عصر السرعة والتقنية الحديثة؛ لتحول كل البشر إلى أشياء بلا أحاسيس.. وبلا مشاعر إنسانية.. وبلا إبداع فكري؛ لتفاقم من (اغتراب الإنسان) بعد التشيؤ واستلاب الإنسان المعاصر؛ التي ألغت من أعماقه الجوانب الإنسانية في الإنسان؛ بل وقتلت الإنسانية في داخل الإنسان المعاصر؛ إن لم نقل قتلت إنسان في داخل الإنسان؛ لتضع الإنسان في دائرة الإذلال القهري والعبودية، لان القيم المادية الرأسمالية المعاصرة دفعت الإنسان إلى التشيؤ والضياع في متاهة (ثقافة العولمة) التي قتلت في الإنسان قيمه الأخلاقية العليا لتحيي فيه نوازع اللذة.. والمتعة.. وميول العنف.. وحب الذات.. والعدوانية.. والتوحش.. والانفراد.. والاحتكار.. لتسحق الإنسانية بسطوة الرأسمالية.. وقيم الليبرالية.. والعولمة.. التي أنمت في روح الإنسان الانفرادية والتوحش؛ ليته في دائرة هذا الاستهلاك والرغبة الشبقية ليفقد الإنسان كل نشاطه أو فعله الإبداعي الذي يعتمد على التأمل.. والنظر.. والتعقل.. والصبر.. والانتظار قيمته ودلالته ومعناه.. وهذا يعني أن كل النشاطات الإنسانية والتي (لا) ترتبط بالاستهلاك.. واللذة.. والسرعة.. تصبح مدعاة للسخرية.. والازدراء.. والاحتقار.. كإفراز طبعي أنتجته الرأسمالية بمفهومها الليبرالي والنيوليبرالي والعولمة.
وهذا الانحسار في القيم هو صورة الحياة للإنسان المعاصرة بكل تفاصيله؛ بل وبكل معاني الثقافة.. والصيغ التربوية.. ومعايير إنسانية؛ لان (التكنولوجيا المعاصرة) سيطرة على الإنسان والإنسانية؛ لأننا اليوم نعيش عصر الثورات العلمية الهائلة في كل مجالات الحياة؛ من تطور في عالم الحواسيب.. والانترنيت.. والميديا.. وتقنيات الاتصال..والموبايل.. واللابتوب.. والايباد.. والهندسة الوراثية.. والذكاء الاصطناعي.. وتطورات الرقميَة.. واللات الذكية، وهذا التقدم العلمي تخلب العقل بغرائب وعجائب وهلوسات التقنية التكنولوجية المعاصرة؛ وبالتالي فان هذا الواقع الافتراضي والتغييرات الهائلة في معاني الحياة تفوق قدرة الإنسان على التخيل أو التصور؛ مما يضع (الإنسان المعاصر) في حالة الضياع والذهول بما يراه من صور الحياة في ظل التكنولوجيا والحضارة المعاصرة؛ مما يسبب له هذا التطور حالة من العجز لعدم استطاعته التوازن في معطيات الحياة المعاصرة نتيجة توسع الهوة بين التطور التكنولوجي.. والتقدم المادي.. وسيطرة الرأسمالية على الحياة بقيم العولمة والليبرالية والنيوليبرلي.. وبين القيم الأخلاقية التي نشاء عليها الإنسان؛ والتي كانت سائدة في الحياة قبل التطور الحاصل في العالم المعاصر في مجال التقنية والتكنولوجيا، ولهذا فان (الإنسان المعاصر) لم يستطع مجارات هذا التطور الهائل ومواكبة بتوازن ودون التطرف والانغماس في معطيات المادة.. وقيم الرأسمالية ..والليبرالية.. والعولمة؛ لذلك سببت هذه الحالة للإنسان المعاصر أزمة أدت إلى تفاقم مشاعر العزلة.. والانفرادية؛ لان (الإنسان المعاصر) وجد نفسه معزولا عن ذاته ومجتمعه بعد إن وجد الأفراد في محيطه الاجتماعي يعيشون بعلاقات سطحية مع الأخريين؛ بل وجد هذه العلاقات السطحية قائمة بين أفراد الأسرة الواحدة وتفككها؛ و وجدها سائدة بين الأصدقاء.. وبين الأقرباء.. والمعارف.. وبين جار وجار.. بما ترتب عن انتشار هذه الظواهر الاجتماعية نوع من التهديد لوجود الإنسان الاجتماعي وصحته النفسية في المجتمع؛ ليقع أفراد المجتمع المعاصر ضحية للاغتراب؛ لان الكل يجد نفسه محاط بنوع من مشاعر العزلة.. والانفراد.. والضياع.. والتسلط.. لتتفاقم في نفسية الإنسان المعاصر صراعات نفسية حادة.. وشرود ذهني.. وعدم التركيز.. وللامبالاة.. والعبث.. وهذا ما يقودهم إلى الإدمان والتصرف بسلوكيات سلبية هروبا من واقعهم وسعيا للخلاص، لأنهم يعيشون في حالة من التوتر النفسي والقلق الدائم نتيجة عدم قدرتهم من إشباع الرغبات والدوافع.. وعدم تحقيقها وإحساسهم بالإحباط.. والفشل.. والعجز؛ وهذا ما يشعرهم بالقهر.. وتحقير النفس.. والحرمان.. والفشل في موجهة ضغوط الحياة المعاصرة، لان (الإنسان المعاصر) يشعر باختلال المعايير الاجتماعية والمتمثلة في أخلاقيات التعامل الأفراد مع بعضهم البعض والتي تتحكم في السلوك الإفراد وفي بيئة المحيطة من حوله؛ لان (الفرد) يجد بان كل من حوله يعيش حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث بمجريات الأحداث الاجتماعية لدرجة التي يشعر بان بيئة الاجتماعية وكل ما يحدث من حوله شديدة الغرابة والتعقيد؛ وان الكل يعيش مع نفسه ومع الآخرين بنزعة همجية وبربرية لدرجة التي تجعل (الإنسان المعاصر) يشعر بان كل معانيه الأخلاقية والإنسانية باتت بلا جدوى.. وبلا قيمة.. نتيجة (تشيئ واغتراب الإنسان المعاصر)، لان طغيان الرأسمالية والمفاهيم العولمة والليبرالية والنيوليبرلي فرضت هيمنتها على كل مجريات الحياة فلا قيمة للثقافة.. ولا قيمة للأخلاق.. ولا قيمة للإبداع الأدبي والفني والفلسفي؛ بعد إن أصبحت (الثقافة) في عصر العولمة ثقافة سوقية.. واستهلاكية.. والنزوة؛ وهي مفاهيم تتعارض كليا مع الثقافة الهادفة بمعطيات الأخلاق.. والإبداع الفكري الإنساني.. والمرتبطة بالجوانب العقلية والوجدانية؛ لان بطبيعة الإنسان هو السعي إلى الارتقاء بالقيم الإنسانية الجمالية بحب الخير.. والعدل.. والفضيلة.. وسمو النفس، لان (الثقافة) تعني حضور الإنسان واثبات لوجوده ككائن مفعم بالانسنة والعقلنة، ولكن (الإنسان المعاصر) وقع – على حين غرة – بفعل التطور التكنولوجي للآلة الرأسمالية ومفاهيمها في عولمة العالم بثقافة الليبرالية والنيوليبرالي باتساع نطاق سيطرة التكنولوجيا الحديثة وخاصة تكنولوجيا الاتصالات في عالم الميديا.. والاتصال.. والموبايل.. واللابتوب.. والانترنيت.. والايباد.. والتلفزه.. وهيمنة الصورة؛ لتهيمن على حياة (الأفراد) بشكل مطلق بعد إن اتخذوها صيغ للحياة يعتمدونها في عملية استمرار حياتهم اليومية وتواصلهم فتشيئوا؛ وهذا (التشيؤ) في ثقافة الآلة الرأسمالية وصناعتها أوقعت مفاهيم (الإنسان المعاصر) بحالة من تناقض بين مفهوم (الأنسنة) بقيمها الذاتية.. و(العقلانية) بقيمها الوجدانية في الإنسان.. وبين مفهوم (التشيؤ) الذي هو مرادف لمفهوم (الاغتراب) بتغيب الجانب الإنساني؛ لان (الإنسان) يتحول وفق لهذا المفهوم إلى (شيء) من الأشياء المادة ويخضع لقوانين (الأشياء) ليصبح كائن جامد بلا إرادة أو المعنى أو الدلالة، حيث يتم إخضاع كل شيء بذات الإنسان كانسان لقيم التشيؤ.. واللاجدوى.. والأداتية؛ لان محيط (الإنسان المعاصر) طوق بقيم التسلية.. واللهو.. والوهم.. والخداع؛ وهذه (القيم) هي قيم عبثية جلها مرتبطة بالصورة.. والتقليد.. والمظاهر.. والأوهام.. والخداع؛ لا تمتلك عمقا أو دلالة ذات صلة بالقيم (الآنسنة) وفي ظل هذه البيئة العبثية يقضي الأفراد في ظل (التكنولوجيا المعاصرة) جل أوقاتهم وهم يلهون مع الموبايل.. والكومبيوتر.. والايباد.. وشاشة التلفزة.. والألعاب الالكترونية.. والتقاط الصور.. وغيرها من أدوات اللهو والتسلية؛ حيث ينغمسون في هذه المشاهد هائمين.. تائهين في أعماق النشوة المبتذلة التي تجردهم من كل المعاني الأخلاق.. والإبداع.. والفكر السليم لبناء المعرفة وتطور وسمو الإنسان؛ وللأسف هذه المشاهدات أصبحت صورة (الإنسان في عالم المعاصر)، لان دور (التربية والتعليم) أصبحت تواكب ثقافة الاستهلاك وإذعان إلى (الإعلام الرأسمالي) الذي يسعى إلى بناء شخصية (الإنسان الاستهلاكي)؛ لان كل ما تسعى إليه (الرأسمالية) في عالمنا اليوم؛ هي تعزيز هذه القيم والمفاهيم في المجتمعات؛ ليتم بناء سيكولوجية الاستهلاك لاذعان شخصية الفرد لمعطيات سوق الرأسمالية؛ فتكون كل طموحاته وثقافته بحدود اللهو.. والتسلية.. والاندماج السلبي باللهو.. والشبقية.. والتسلية.. والحلم.. والتخيل السلبي؛ لكي يتم إبعاده (الإنسان المعاصر) عن الحياة الحقيقية والتواصل الحقيقي مع الآخرين والمجتمع؛ لان الحياة (الافتراضية) التي يعيشها الفرد في (عالم افتراضي) مصورة له بوسائل سهلة والوصول إليها أيضا يكون بوسائل سهلة ومتاحة وذلك عبر جهاز التلفاز.. والحاسوب.. واللابتوب.. والإنترنيت.. والموبايل.. والايباد.. وجل المواضيع المطروحة للمشاهدة والمتابعة هي (بلا قيمة) وهى بقدر ما تخدم وسائل الإنتاج والصناعة الرأسمالية والتي بتطور تكنولوجيا المعلومات تشكِل (ذاكرة الإنسان المعاصر) والتي تبنى على ضوئها ثقافة هذا (الإنسان – الإنسان المعاصر) بعيدا عن ثقافة القراءة والمطالعة والتعمق في المفاهيم الفلسفية والنفسية والأخلاقية، فـ(الثقافة الاستهلاكية) التي تركز عليها الرأسمالية بمفاهيمها الليبرالية والنيوليبرالي ليس لها أية علاقة مع الذكاء والمعرفة العلمية الحقيقية والتي تبنى على مقومات الفكر.. والنقد.. والتحليل.. والنظر.. والتأمل.. أو مع الأعمال الفكرية الفلسفية والاجتماعية والنفسية بطابعها الإنساني، الأمر الذي أدى بالمجتمعات إلى انحدار المستوى التربوي والتعليمي؛ لان (الانترنيت) و(الحواسيب) و(الموبايل) أصبحت تغطي مختلف أنشطة (الإنسان المعاصر) العقلية والإنسانية، وان تكنولوجيا الاتصالات المعاصرة أصبحت متاحة للجميع وبما تستطيع إن تقدم كل الخدمات وبدون جهد وبغياب الحس النقدي والممارسة التخيل الفكري والإبداع؛ وهذا ما أدى إلى هيمنة (القيم المادية) التي كان لها دورا في تراجع (قيم الحياة الاجتماعية الأخلاقية)؛ بما حولت (الإنسان المعاصر) إلى (إنسان) مأخوذ بالآلة الرأسمالية المبنية على إنتاج السلع.. والتجارة.. ومفهوم الربح.. والتملّك.. والسيطرة.. والهيمنة؛ لتتحول جل معطيات الحياة المعاصرة إلى (ثقافة السوق – ثقافة العرض والطلب) والتي هي الأخرى تتحول إلى منتج للتسويق الاستعراضي؛ وهذه الثقافة ساهمت مساهمة خطيرة في بناء عقلية مجتمعات ليست لها الرغبة في التعليم والتثقيف؛ لان المجتمعات أصبحت تعاني عسر في (القراءة) بعد إن اوهن عقل الفرد بفعل الكسل.. واللهو.. والاسترخاء؛ انه لم يعد يبذل جهد بعد إن يجد كل ما يريده متاح أمامه عبر الانترنيت.. والموبايل.. واللابتوب.. والايباد.. والحاسوب.. فلا يسعى ولا يبادر على تنمية ذكائه وتغذية عقله بالفكر من اجل أن يبدع في حياته بعد إن ابتعد عن القراءة.. والكد.. والجد.. والتعب، ولا شك فان في ظل هذا النظام التربوي والأخلاقي في مؤسسات (التربية والتعليم) في (الدول الرأسمالية) التي تجند كل شيء من اجل بث (ثقافة الاستهلاك) في مؤسسات المجتمع وفي بنية وهيكلية نظام الدولي المعولم؛ وهذه الثقافة التي هي نقيض ثقافة الرزينة المرتبطة بقيم الفكر.. والعقل.. والإبداع؛ لذلك فان كل المسارات الحياة المعاصرة تتجه نحو تعطيل معطيات العقل.. والفكر.. والإبداع؛ ولا يبقى أمام أفراد المجتمع سوى لقلة من الإفراد يستطعن تجاوز هذه الثقافة المدمرة للوعي والإبداع التي تبثها (الرأسمالية) في مجتمعات العالم عبر العولمة.. والليبرالية.. والنيوليبرالي، وهذا ما يجعلنا إن نطلق صفة للحياة المعاصرة بكون إنسانها (مريض سوسيولوجيا)، لان مهما كان جبروت (الرأسمالية) ومهما حاولت طمس معالم الثقافة ومقومات العقل.. والفكر.. والإبداع؛ فان (الثقافة الحقيقية – ثقافة الانسنة والعقلنة) ستبقى تتبرعم من جذورها؛ ومياهها ستتدفق من أعماق منابعها الرصينة؛ ولا يمكن للرأسمالية تجفيف جذورها أو منابعها مهما فعلت، ولهذا فإنها ستتواصل في نمو.. ولا تنقطع.. ولا تتوقَف عن تغيير ذاتها وواقعا.. ولا يمكن إن تختزل بكل ضغوطات الواقع الرأسمالية، لتأخذ حضورها في الوعي.. والذكاء.. والتطور.. والإبداع.. والعقل، هذا (العقل) سيبقى مرشد يرشد الأفراد لمعرفة لحقيقة مهما انغمست الحياة في ثقافة اللذة.. واللهو.. والاستمتاع.. والعبثية.. والاستهلاك؛ لأنها ثقافة تفتقد إلى مرتكزا حقيقية لفهم الواقع والذي يسعى الأفراد البحث عنها مهما حاول الواقع خلق متاهات لتضيعهم وأبعادهم عن مخارج للوصول إلى الحقيقية؛ لان ذات الأفراد لقادرة على تغذية ذكاء (الفرد) بفعل وجداني وبدون تأثير بمظاهر الحياة العولمة.. والرأسمالية.. وثقافتها الليبرالية؛ وان كان تأثير بها قد وقع على الإفراد؛ ولكن سيبقى لمرحلة ما؛ ولان كل حقائق الفكر والعقل تقول لابد في لحظة الحقيقية تستيقظ مشاعره ويسأل (الفرد) ذاته إلى أين……………؟
وهنا وبفعل ذكاء (الإنسان) الذي يتفاعل مع وجدانه بمدركات العقل؛ وعندما يفهمها ويدرك صورته الحقيقية لأنها جزء من هويته في الانسنة والعقلنة؛ سيدرك الحقيقة؛ لان ثقافة الرأسمالية الاستهلاكية ثقافة غير واضحة وغامضة وليس لها صلة بمعطيات الحياة الاجتماعية الحقيقية، لان ثقافة الرأسمالية ثقافة تدمر المشاعر.. والأحاسيس.. وتعطل قدرات الذكاء في العقل؛ لان هذه ثقافة تبنى بأسس (غير معرفية عقلية) بمعنى تنقصها (المعرفة) و(الثقافة)؛ بهذا المعنى تفقد قيمتها الإنسانية وعقلنتها؛ لان (المعرفة الحقيقية) هي التي ترتبط بـ(القيم) و(الحياة) و(الفكر) و(العقل) وهذا الارتباط هو من يحمل لها دلالة ومعنى؛ لان (الحياة) التي تحاول (الرأسمالية) بكل وسائلها سيطرة على مقدار العالم ومنها (الوعي) لتعطيل الثقافة بدلالتها الفلسفية والفكرية وتغييب الرؤى المعرفية بقيم العقل الشمولية للحياة؛ هي – لا محال – ثقافة مبتورة ومجزأة في كل مجالات الحياة، لذلك تخلق الفوضى في كل جزيئات الحياة العامة ولاسيما في المجالات الفكر.. والمعرفة.. والإبداع، لذلك لابد للإنسان المعاصر الخروج من هذه العدمية لوجوده في الحياة العامة والاجتماعية تحديدا؛ لان خروجه من بوتقة ثقافة الرأسمالية المعولمة للعالم بثقافة الليبرالية والنيوليبرالي؛ هو خروج سيتيح له اكتشاف أفاق رحبة لوجوده الحقيقي.. وحياته.. وهويته المعرفة بمعرفة (الانسنة) و(العقلنة) .