زوعا اورغ/ وكالات
بدلا من احتفالهم، يعبرون عن مخاوفهم، هذا هو حال الصحفيين في العراق مع الذكرى الـ152 لعيد الصحافة العراقية، التي أكد رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الثلاثاء، بأنها لا تزال ركناً أساسياً من وسائل الدفاع عن مصالح الشعب.
ويأتي الاحتفال هذا العام، في وقت تشهد فيه الساحة الصحفية اغتيالات واسعة بين ناشطين وصحفيين سُلبت حياتهم لكشفهم الحقائق، فضلا عن تهديدات مستمرة وتضييقات جمة، بحسب صحفيين عراقيين تحدث معهم موقع “الحرة”.
فقد خسرت الساحة الصحفية “أسماء ثمينة جدا في السنوات الأخيرة خاصة مع التظاهرات الشعبية المستمرة منذ نحو عامين”، بحسب الصحفي العراقي من بغداد، مروان الجبوري، لموقع “الحرة”.
صحيفة الزوراء التي تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين نقلت عن نقيب الصحفيين العراقيين، ورئيس اتحاد الصحفيين العرب، مؤيد اللامي، أن “عدد قتلى الصحافة العراقية منذ عام 2003 حتى الآن بلغ 475 صحفيا”، واصفا إياه بـ”الرقم كبير الذي لم يحصل في الحرب العالمية ولا حتى في حرب فيتنام”.
واعتبر اللامي أن “العمل الصحفي العراقي حاليا شاق وصعب، وأشبه بالبحار المتلاطمة”.
خطوط حمراء
وكان أحمد حسن، هو الصحفي العراقي التاسع والثمانين ممن تعرضوا لاغتيال أو محاولة اغتيال تستهدف أوساط الصحفيين والناشطين العراقيين، منذ المظاهرات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر 2019، بحسب أرقام مفوضية حقوق الإنسان العراقية.
وتعرض حسن، لإطلاق رصاصات استقرت إحداها في رأسه، الشهر الماضي، قرب منزله في محافظة الديوانية العراقية، وذلك بعد يوم واحد فقط من اغتيال الناشط البارز في تظاهرات كربلاء، إيهاب الوزني، في المدينة القديمة وسط المحافظة.
فبعد اندلاع المظاهرات الشعبية في أكتوبر 2019، والمستمرة حتى الآن، زادت التحديات والمعوقات والتهديدات ضد المؤسسات الإعلامية وعلى الصحفيين، “وصارت الخطوط الحمراء كثيرة، بل صار العمل الصحفي أصعب مما كان عليه الوضع أثناء سيطرة تنظيم داعش المتطرف على أجزاء من البلاد”، بحسب ما قالته الصحفية العراقية سهى عودة، لموقع “الحرة”، مضيفة “رأينا كيف يتم خطف الصحفيين وتهديدات ضدهم فضلا عن القيود التي باتت تفرضها الحكومة على الصحفيين”.
وفي الشهور الأخيرة، أصبحت الكثير من القضايا لا تستطيع سهى وغيرها من الصحفيين والصحفيات العراقيين الكتابة فيها، “لأن كثيرا من المعلومات لا أستطيع الوصول إليها، ولا يتم الرد على أسئلتي، حتى من دوائر الدولة، لأنها تابعة لأحزاب معينة”.
وتضيف “لا يستطيع الصحفي العراقي، وأنا منهم، الكتابة عن الكثير من المواضيع أو تسمية الأمور بمسمياتها، فضلا عن وجود اسمي على مقال يتحدث مثلا عن فساد أو حادثة معينة عن انتهاكات حقوق الإنسان صار من الصعب جدا، ويهدد حياتي، خاصة مع عدم وجود نقابة قوية قادرة على الحماية ولا حتى حكومة أو دولة قادرة على حماية الصحفي والمواطن أيضا”.
فمن الخطوط الحمراء التي بات الصحفيون العراقيون من الصعب تجاوزها، بحسب عودة، “النيل من الرموز سواء كانت السياسية أو الدينية أو العشائرية”، مضيفة أنه “ليس بإمكان الصحفي اليوم الحديث عن الكثير من المواضيع مثل قضايا السلاح المنفلت والفصائل المسلحة خارج سلطة الدولة أو حتى الفساد أو الرشوة أو الابتزاز أو انتهاكات حقوق الإنسان، وكثير من القضايا الأخرى”.
“رسالة تحذيرية”
المشكلة الكبرى التي يراها الجبوري في حديثه مع موقع “الحرة” هو “أنه لم يتم الإعلان عن نتائج التحقيقات ولا الكشف عن الجناة، ما جعل الأمر يبدو وكأنه كان رسالة تحذيرية لبقية الصحفيين”.
ويقول الجبوري: “بالفعل، تغيرت مواقف كثير من الصحفيين، لأنهم رأوا أمامهم كيف يتم استهداف العشرات من زملائهم واغتيالهم، وبدون القبض على من ارتكب هذه الجرائم”.
وتؤكد الصحفية الاستقصائية العراقية، سهى عودة، التي رفضت الإفصاح عن مكان تواجدها، أن “التضييقات تتزايد في مناطق وسط العراق وبغداد وحتى المناطق التي تمت إعادة السيطرة عليها من تنظيم داعش كثيرة، وصارت حرية التعبير أقل”، مضيفة أن “الوضع ينحدر يوما بعد يوم”.
ويحتل العراق المرتبة 163 في مؤشر حرية الصحافة التابع لمنظمة “مراسلون بلا حدود” من بين 180 دولة.
الصحفيات يواجهن تحديات مضاعفة
أما المصاعب التي تواجه النساء الصحفيات، إلى جانب كل التحديات الأمنية والسياسية، “يضاف إليها التحديات الاجتماعية وعدم وجود مساواة مع الصحفيين”، كما ترى عودة، مشيرة إلى أن الصحفية العراقية “ليست موجودة كصانعات للقرار أو إدارة المؤسسات، فضلا عن عدم وجود عقود عمل، وأجور متدنية جدا”.
ومنذ شهر أكتوبر الماضي، لم تستطع سهى إلا كتابة تحقيق صحفي واحد، “أحاول أن أنتج تحقيقا عن رشوة، لكنني أواجه الكثير من التضييقات، لا أحصل على معلومات ولا يتم الرد على أسئلتي، فضلا عن أن هناك خطورة كبيرة علي عندما أكشف عن اسمي عند التعامل مع المؤسسات، أضف إلى ذلك أن هناك أيضا صعوبة كبيرة في الحصول على المعلومات من قبل المسؤولين في بعض الدوائر على اعتبار أنهم ينتمون إلى جهات سياسية، خاصة وأنه يشوب عمل دوائرهم بعض الفساد الذي يطغى على الساحة الخدمية والمؤسساتية التي يديرونها”.
يشير الجبوري إلى أن “هناك قانون حماية الصحفي”، ويصفه بالـ”جيد”، لكن “لا يتم تطبيق الكثير من بنوده على أرض الواقع”.
وحذرت مفوضية حقوق الإنسان العراقية، الشهر الماضي، من تزايد حالات القتل والاغتيال بحق الناشطين العراقيين بحسب بيان لعضو المفوضية فاضل الغراوي، الاثنين.
وقال الغراوي: “نحذر من الانحدار في منزلق خطير للبلد في حال استمرار مسلسل الاغتيالات والفوضى التي تستهدف الكلمة الحرة”.
كما حذر بيان آخر للمفوضية، الشهر الماضي، الحكومة من موجة جديدة لاستهداف وتصفية واغتيال الناشطين والاعلاميين وصناع الرأي والكلمة الحرة، مضيفة أن “سيناريو التصفيات والاغتيالات والترهيب وتقييد الرأي مستمر وبوتيرة متصاعدة أمام عجز الأجهزة واللجان الحكومية المشكلة لكشف الجناة ووقف نزيف الدم، ويمثل انتكاسة أمنية خطيرة وتحد فاضح للمؤسسة الأمنية والاستخبارية العراقية على المستويين المحلي والاتحادي”.
وغالبا ما تُنسب الاغتيالات التي استهدفت ناشطين منذ انطلاقة “ثورة تشرين” في العام 2019، إلى فصائل مسلحة موالية لإيران، وهو ما تنفيه هذه الميليشيات.