زوعا اورغ/ وكالات
شروق ماهر
اللهجة الموصلية أو لهجة (القاف) إحدى لهجات بلاد ما بين النهرين الشمالية التي تعد امتداداً للهجات العربية التي سادت العراق والجزيرة الفراتية في العصر العباسي، ولا يوجد مصدر دقيق يحدد كيف بدأت اللهجة الموصلية، وكيف اخذت هذا الطابع ولكن من المؤكد أن البيئة والجغرافية واحداث التاريخ هي التي اعطت اللهجة الموصلية هذا الشكل المتميز عن باقي اللهجات في بلاد ما بين النهرين، وهي كغيرها من لهجات بلاد ما بين النهرين الشمالية، تحتوي على بعض الميزات القديمة التي توجد في العربية الفصحى بينما لا توجد في اللهجات العربية الاخرى، كالاحتفاظ بضمة تاء المتكلم في الفعل الماضي وكسر الكاف.
حب وانتقاد
واللهجة الموصلية تدنو من سمات اللهجات الحضرية من قبيل الاحتفاظ بحرف القاف مقابل قلبه إلى جيم فارسية، وعدم استخدام نون النسوة ما يدفع الى جمال تغنج هذه اللهجة وما يثير جمال الفتيات الموصليات، اذ هناك من يحب ويعشق لهجة القاف ومن ينتقد التكلم بها.
وقالت السيدة الموصلية ام جمانة “لا ارغب بالحديث والنطق بلهجة القاف على الرغم من انني متزوجة من رجل يعشق لهجة القاف ولا ينطق الا بها، واضطر في بعض الاحيان الى الخصام مع زوجي لعدة ايام بسبب عدم تركه لهجة القاف التي لا اتحمل الحديث والكلام بها، حتى اني اعمل على عدم احتكاك اطفالي مع اهل زوجي، لتجنب هذه اللهجة التي لا ارغب فيها على الرغم من انني اعيش وسط عالم النطق بها، لكني لا ارغب ولا اود الحديث بها انا واطفالي”.
الغلبة للفتيات
وبين محمد وليد وهو احد شيوخ العشائر العربية في مدينة الموصل، ويسكن جنوب الموصل “ان هذه المناطق بعيدة كل البعد عن النطق والكلام بلهجة القاف او اللهجة الموصلية، لكن بعضنا اقترنوا بفتيات يسكنن مركز الموصل، الاكثر حديثا بلغة القاف”.
واضاف وليد “مضت على زواجي اربع سنوات، ومن كثر حبي للهجة الموصلية والحديث مع زوجتي التي تعشق القاف، ادمنت الحديث بها، حتى انني نسيت لهجتي الاصلية العربية، لكني اواجه انتقادا كبيرا من بعض زملائي في العمل الذين لا يرغبون بالتعامل معي بهذه اللهجة (المغنجة) التي تعبر حسب وصفهم عن الانوثة”.
لكن السيد زكريا جمال قال في حديث لـ “الصباح”: “لا احب لهجة الموصليين، ولا اجيد استخدامها، لأنها لهجة معقدة”، واضاف جمال وهو من سكنة مدينة الموصل “ما زال هناك تعصب واضح للعيان لدى بعض سكان الموصل وهو ان لم تتحدث مع اغلب اصحاب المحال او المولات والاسواق التجارية باللهجة الموصلية فلا تسمع منهم الرد او الحديث او لربما في بعض الاحيان يتركونك تتكلم باللهجة التي اعتاد عليها لسانك، ويقولون ماذا تتكلم لا نستطيع الرد او التواصل معك مالم تتكلم باللهجة الموصلية، فمازال هناك بعض العنصرية بهذه اللهجة داخل مدينة الموصل”.
هوية
اما اسراء دريد،(50 عاما)، وهي سيدة موصلية لديها اكثر من (23) حفيدا، فقالت “اعشق لهجتي الموصلية وقد نقلتها لاولادي واحفادي ومن كثر حبي لها ادمنتها ولا استطيع الحديث الا بها داخل مدينتي وخارجها، حتى عندما كنت ادرس الماجستير في أميركا منذ عدة اعوام لم اترك هذه اللهجة التي اتغنى بها، ونقاشت رسالتي بلهجتي التي اعتبرها وطنا لي وتبرز هويتي الموصلية”.
اللغة تاريخياً
وبين استاذ التاريخ في جامعة الموصل الدكتور عامر علي في حديث لـ”الصباح”: “ان اللهجة الموصلية قد تأثرت كثيرا باللهجة السريانية التي كانت سائدة في المنطقة قبل تغلب اللغة العربية، وربما كان اصل اللهجة هو لهجة تغلب وبكر واياد من دون باقي اللهجات، لانهم اول من سكن الموصل كمدينة، بينما انتشرت بقية القبائل العربية حول المدينة، حتى قبل الفتح الاسلامي بل قبل الميلاد ايضا، فهناك في الآشوريات ذكر لقبائل عربية كانت تهاجم دولة آشور، ولهذا انشئ الربض الغربي كقلعة (موقع الموصل الحالي) لصد الهجمات عبر النهر ولكي يكون موقعا متقدما، ولا تخلو الآشوريات من ذكر قبائل مثل تياية، ربما اشارة الى قبيلة طي العربية التي كانت تجوب المنطقة، وقد ذكر بعض الباحثين تعابير من العصر العباسي تؤكد ما يذهبون اليه من أن اللهجة الموصلية عباسية”.
بوران والحمداني
حين اندثرت اللهجة العباسية في بغداد بفعل المحن، والطاعون الكبير الذي ضرب المدينة، فانهى سكانها، كانوا يقولون مثلا “يتبغمك” اي يتمثل بجعفر البرمكي في كرمه، او مثلا تشير العجائز في حكاياتهن الى هارون الرشيد وزوجته زبيدة، او يقولون عن الفتاة ذات العين الوقحة (ام عين الططري)، اشارة الى وقاحة التتر وهمجيتهم وهناك امثلة اخرى.
واتذكر شخصيا ان عجائزنا كن يقلن (بختي بوران) وبوران تعني المطر او الربيع في الفارسية، ولكن بوران هي ابنة الحسن بن سهل وزير المأمون، وكان لزواجها حكاية فريدة لما تخلله من بذخ لا يصدق وهو ابذخ زفاف في التاريخ العربي على الاطلاق، اذن ذات البخت يكون بختها في الزواج كبخت بوران، (بالطبع ايضا نسمي الباقلاء الخضراء حين طبخها مبكرا بورانيي)، وربما في هذا اشارة الى الربيع المبكر الذي يسرع بنضوج الباقلاء، واستوقفني ايضا تعبير نقوله على ذي الرأس الكبير والبليد وهو (ابو غاس الدمستة)، وتحققت قليلا من كلمة دمستة، وهي ليست من التركية ولا الكردية ولكني اعرف ان قائدا رومانيا له قصة مع الدولة الحمدانية وكان ذا رأس ضخم وله لغد كان اسمه الدمستق، وقد جرت محاورة بينه وبين ابي فراس الحمداني في الاسر فقال لابي فراس: انتم العرب ارباب قلم وقرطاس ولستم ارباب سيف ورمح، فاجابه: ونهاجمكم منذ خمسين عاما أبالسيف ام بالقلم؟، فانشأ الحمداني يقول: أ تزعم يا ضخم اللغاديد اننا … ونحن اسود الحرب لا نعرف الحربا.. فويلك من للحرب ان لم نكن لها … ومن الذي يمسي ويضحي لها تربا.