زوعا اورغ / وكالات
ينتظر العراقي عبد الكريم جعفر، الذي يبلغ من العمر 58 عاما، راتبه الحكومي منذ نحو 50 يوما، ولا يدري حتى الآن الموعد الذي سيستلمه فيه، لكنه علم، الأحد، أن مشغل مولد الكهرباء التي يعتمد عليه لتوفير الطاقة في منزله، سيقطع الخدمة في الليل بسبب تأخر دفع الاشتراك الشهري.
ومثل عبد الكريم، يوجد في العراق نحو 6.5 مليون موظف ومتقاعد، حسب إحصاءات وزارة المالية. بعضهم لا يزالون ينتظرون رواتبهم التي تأخرت لفترات مماثلة بسبب ما يبدو أنه عجز حكومي عن توفيرها.
ويعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على الرواتب التي يتقاضاها الموظفون والمتقاعدون، إذ أنها تمثل المصدر الرئيسي للنقد في السوق العراقية الداخلية.
وتحاول الحكومة العراقية تمرير قانون للاقتراض الداخلي يمكنها من دفع الرواتب، لكن البرلمان يقول إن هذا القانون “سيجعل العراق يفلس خلال ستة أشهر”، ما يضع بغداد بين خيارين صعبين، إما الاقتراض الداخلي أو احتمالية عدم دفع رواتب الموظفين في المستقبل.
ويقول عبد الكريم لموقع “الحرة” إن زوجته امتنعت عن الذهاب إلى السوق لتبضع الخضروات واللحوم منذ خمسة أيام “وخزين الأطعمة يتناقص”.
عبد الكريم لديه ولدان أحدهما طالب جامعي، وقد أدى انقطاع خدمة الإنترنت، بسبب عدم دفع الاشتراك الشهري، إلى زيادة مخاوفه حيال عام دراسي آخر مهدد بعدم البدء جراء انتشار فيروس كورونا، كما أن ابنه الثاني مريض بالسكر، وعلاجه غير متوفر بشكل مضمون في المستشفيات الحكومية العراقية، التي يعاني موظفوها وممرضوها هي الأخرى من عدم استلامهم رواتبهم وسط زيادة في ساعات العمل فرضها انتشار فيروس كورونا.
ويقول سالم السعدي، وهو بائع أقمشة في منطقة البياع ببغداد إن “انتشار الفيروس أنهك تجارتنا”، مضيفا أنه لم يبع “قطعة قماش واحدة منذ أيام بسبب عدم صرف الرواتب”.
ولا يشعر السعدي بالاطمئنان وهو يتابع أخبار الجدل بين الحكومة والبرلمان العراقيين، مؤكدا “لا يهمهم أمرنا”.
وقال الخبير الاقتصادي أسعد المرشدي لموقع “الحرة” إن الاقتراض هو الحل الوحيد أمام الحكومة لدفع الرواتب، ولكن البرلمان “محق بتحذيره من إفلاس العراق لأن الحكومة لا تمتلك حلولا طويلة الأمد والاقتراض سيفاقم المشاكل”.
ويضيف المرشدي أن “عقودا من الفساد الإداري ومحاربة الاستثمارات والاعتماد على النفط كانت نتيجتها تدميرا للبنية الاقتصادية العراقية”.
ويحذر المرشدي من “مأساة” قد تحل على العراقيين الذين يعتمدون على الاستيراد لتوفير “كل شيء تقريبا”.
وتصرف الحكومة العراقية رواتب موظفيها من إيرادات النفط الذي تذبذبت أسعاره بشكل كبير بعد انتشار فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق التي فرضتها أغلب الدول على اقتصاداتها لمحاصرة انتشار الفيروس.
وحتى بعد تخفيف تلك الإجراءات، لا يزال الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة حساسة بسبب الضرر الكبير الذي خلفه انتشار فيروس كورونا على سوق العمل والاستثمار، مما يعني أن الطلب على النفط لم يعد إلى طبيعته حتى الآن.
وتصل أسعار النفط حاليا إلى 40 دولارا للبرميل الواحد، مقابل نحو 70 دولارا في يناير من عام 2019، كما إن الإنتاج انخفض بشكل كبير مما أدى إلى انخفاض الإيرادات.
وتحاول الحكومة العراقية تشريع قانون للاقتراض الداخلي، يمكنها من توفير رواتب الموظفين لثلاثة أشهر، لكن هذا السعي يواجه بالاعتراضات من قبل البرلمان العراقي، خاصة بعد مرور ثلاثة أشهر فقط من تمرير قانون سمح للحكومة باقتراض 15 ترليون دينار عراقي من المصارف المحلية (نحو 12 مليار دولار) وخمسة مليارات من البنك الدولي.
ووضعت الحكومة العراقية الكثير من الضغط على البرلمان لدفعه لتشريع القانون الثاني للاقتراض، بعد أن قال وزير المالية العراقي علي علاوي إن “الرواتب تحتاج إلى تمرير قانون الاقتراض الداخلي لدفعها”.
ويضع هذا التصريح البرلمان في مواجهة الملايين من العراقيين الغاضبين بسبب تهديد مصدر رزقهم.
وحاولت اللجنة المالية البرلمانية التخلص من الضغط، بإعادة الكرة إلى ملعب الحكومة، واتهامها “بالاقتصار على الاقتراض” لحل المشاكل الاقتصادية، و”التنصل” من مسؤولياتها”.
وقالت اللجنة إن تصريحات وزير المالية تهدف إلى إحراج مجلس النواب ودفعه للموافقة على قانون من شأنه “أن يتسبب بإفلاس العراق في ستة أشهر” في إشارة إلى قانون الاقتراض الذي تحاول الحكومة تمريره.