زوعا اورغ/ وكالات
منذ الخامس من أبريل عام 2010 وضع العراقيون حجر أساس لمشروع ميناء الفاو الكبير، الذي كان من المفترض أن يكون من أبرز علامات “المرحلة الجديدة” في العراق، بحسب رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي.
المشروع الذي قدرت كلفته بنحو 4.6 مليار دولار، كان من المفترض أن ينجز خلال أربع أو خمس سنوات، لكن وبعد 10 سنوات على وضع حجر الأساس، فإن كاسر الأمواج الذي حصل على شهادة من كتاب غينيس للأرقام القياسية، هو الشيء الوحيد الذي اكتمل إنشاؤه.
وبحسب ما قالته الحكومة العراقية عند التأسيس، فإن تحالفا تقوده شركة إيطالية كان من المفترض أن يقوم ببناء الميناء الذي قال وزير النقل العراقي حينها، عامر عبد الجبار، إن “امتيازات عرضت عليه من أجل عرقلة المشروع”.
وخططت الحكومة العراقية في البداية لإنشاء 100 رصيف، لتحول الميناء إلى أحد أكبر موانئ العالم، كما أنها خططت لأن يكون “منافسا” لموانئ مهمة في المنطقة مثل ميناء جبل علي في الإمارات وقناة السويس المصرية.
وقال خبير النقل الدولي سلمان مهيوب لموقع “الحرة” إن ميناء الفاو يمكن – بسهولة – أن يحول العراق إلى “قبلة” للتجارة والنقل العالميين لأن المسافة القصيرة نسبيا التي تربط العراق بموانئ البحر الأحمر والبحر المتوسط يمكن أن تكون “قناة جافة” ضخمة تنقل جزءا كبيرا من التجارة العالمية.
وكانت التوقعات هي أن يتمكن العراق من تغطية كلف إنجاز الميناء خلال ثلاث أو أربعة سنوات فقط من افتتاحه مما يجعل منه “استثمارا لا يصدق” بحسب الخبير مهيوب.
لكن الأهمية الكبيرة للميناء وتأثيره على التجارة العالمية جعل منه “هدفا” إقليميا بحسب المحلل السياسي، مجاب عبد الستار، الذي قال لموقع “الحرة” إن العراقيل وضعت أمام الميناء منذ اليوم الأول لإعلان العراق عن تخطيطه لإنشائه.
وفيما يتقدم العمل بشكل كبير في ميناء مبارك الكويتي، الذي يبعد كيلومترات قليلة عن الميناء العراقي ويعد المنافس الرئيس له، فإن الأوضاع لا تزال معقدة على الجانب العراقي.
ويتركز الحديث حاليا عن أعماق منخفضة مختلفة عن التصاميم الأولية، وتقليل عدد الأرصفة، وإلغاء مشاريع خدمية وسياحية مرتبطة بالمشروع من أجل تقليل الكلفة، لكن برلمانيين يقولون إن المصاعب المادية ليست مبررا كافيا لـ”تقزيم المشروع”.
“تلاعب” و”خيانة”
والإثنين، قالت لجنة برلمانية عراقية إنها ستحقق في مزاعم “تلاعب بالمواصفات” بشكل يجعل الميناء “عاجزا عن استقبال السفن” لمصلحة ميناء مبارك الكبير الذي يقع على الضفة المقابلة لخور عبد الله.
وقال عضو لجنة الخدمات البرلمانية، برهان المعموري، في مؤتمر صحفي إن هناك “تأخيرا متعمدا” في ملف بناء الميناء، مؤكدا أن لجنته ستستضيف وزير النقل ومدير الموانئ لـ”قطع الشك باليقين”.
وعادت قضية ميناء الفاو إلى الواجهة بعد اتهامات بـ”الخيانة” أطلقتها النائبة في البرلمان العراقي، عالية نصيف، قالت فيها إن هناك “خونة في لجان التفاوض” مع الشركات التي تقوم ببناء الميناء من أجل تقليل مواصفاته.
وبحسب نصيف، التي لم تجب حتى الآن على أسئلة موقع “الحرة” بشأن الموضوع، فإن هناك محاولات لتقليل عمق الميناء إلى 14 مترا بدلا من 24 مترا مما يجعله عاجزا عن استقبال السفن.
وبالتزامن مع هذه الاتهامات، انطلقت حملة إعلامية تتهم جهات في الحكومة والبرلمان بالاتفاق على مشروع للربط السككي مع الكويت، قيل إنه “سيخنق” ميناء مبارك ويحوله إلى ميناء داخلي هامشي، بدلا من ميناء رئيسي في المنطقة.
ونفى رئيسا الحكومة والبرلمان هذه الاتهامات، فيما تعهد رئيس الوزارء، مصطفى الكاظمي، بعدم تمرير أية اتفاقات للربط السككي بدون “دراستها”.
وبالتوازي مع الربط السككي مع الكويت، هناك أنباء عن وجود مشروع للربط مع إيران.
ويقول خبير النقل سلمان مهيوب إن “الربط السككي سلاح ذو حدين، يمكن أن يجعل العراق أكثر أهمية بالنسبة لطرق النقل العالمية، ويمكن أيضا أن يتسبب بتلاشي أهميته”.
وبحسب مهيوب فإن “ميناء الفاو كان يجب أن ينجز منذ سنوات، لأن التأخر في إنجازه يجعل من أهميتة تتناقص مقابل المشاريع الجادة التي تقام في المنطقة”.
ويضيف مهيوب أن “التصاميم الأصلية للميناء والتي تتضمن إنشاء مدينة ومرافق سياحية وبحيرات قد توفر 14 ألف وظيفة للعراقيين، وقد تسهم بجلب 1-3 مليارات دولارات سنويا للخزينة العراقية”.
ويقول المحلل السياسي، مجاب عبد الستار، إن الفساد الإداري وارتباط بعض المسؤولين العراقيين بالأجندات الخارجية يجعل “من شبه المستحيل تخيل إقامة مشروع سيادي كبير مثل هذا المشروع”، مضيفا “أهمية الميناء ليست اقتصادية فقط، ولكن أيضا سياسية وديبلوماسية وعسكرية، ولهذا أعتقد أن التحديات أمامه كبيرة”.
وبحسب عبد الستار فإن الميناء نجح في تحقيق شيء واحد من الأشياء التي كان يتوقع أن يحققها، وهو أنه من “علامات المرحلة الجديدة” في العراق.