دانيال سليفو
تجربة حياتية: شجرة الأقانيم الثلاث للشخص
بمتابعة التحولات في الوعي وطبيعة الانتماء الآشوري العراقي المرتبط بالتقدم في العمر، نتلمس تراكم تجارب ثقافية وصور عديدة ومواقف لا تُنسى. ففي الشخصية الأولى، أي الفتوة العشرينية، كان الشخص مثل المعدن المشحون بالعاطفة الجياشة والفنتازيا الجاذبة بقوة الى جمع المعلومات والمعارف عن كل ما هو مرتبط بأوليات الثقافة القومية والوطنية والعقائد والروحانيات أيضاً، كعناوين وخطوط رئيسية بلا تفاصيل، لتوضع في الذهن والذاكرة بعشوائية وفوضى، ويتم استعارتها وتناولها في كل مناسبة أو غير مناسبة، لمجرد التبليغ والاستلام والتسليم السريع للرسائل وان كانت مبهمة ومفتوحة النهايات. وهذه الشخصية متحولة من موقف الى أخر دون عوائق، بحسب الاستجابات المستجدة.
وفي الشخصية الثانية، فترة الشباب، تمت استعارة وإبراز المعلومة والموقف أمام الأخرين دون تردد مع إضافة وتطوير واجتهاد، وعدم الاهتمام الكافي بالمراجعة والتحقيق الكافيين. مسوقين بالحماسة والطاقة الإيجابية للدخول في مضمار العمل والمجابهة، بعد بروز الهوية والانتماء، مع محاولات لترتيب التحولات نحو تشكيل الأسلوب والتنظيم المؤسساتي، وكذلك في البحث الدؤوب للسبل والطرق الكفيلة للوصول الى الأهداف المرسومة والتي يتم صقلها وتهذيبها لكي تستقبل المقبولية والرضى والتأييد. مع ازدياد الاهتمام بالمواهب والهوايات الشخصية كالفن، والادب، والعلوم، والسياسة.
أما الأقنوم الحياتي الثالث المُعبّر عن فترة الكبر والشيخوخة، فالصفة الجامعة لأفرادها هو الشعور الطاغي بالقناعة التي تكاد تكون تامة بالحصيلة والحصاد، مع الإصرار على المواقف، وسد الأبواب أمام الآراء والاجتهادات الشابة الجديدة لعدم وجود مساحة شاغرة لها، وبسبب الكم الكبير للملفات المتراكمة والمُخّزنة فيها، والمؤسف له هو عدم إمكانية مسح وإزالة بعض المواضيع والمواقف القديمة منها رغم سوؤها لفوات الآوان، مع تراكم الڨيروسات المعنوية القديمة فيها كالعشائرية المقيتة والتعصب الفارغ للانتماء الكنسي، وعشق الجدالات العقيمة المكررة برتابة الى حد الغثيان، وان كان بشكل نسبي من شخص الى آخر. هذه الانتماءات الضيقة أُريد منها التعويض عن الانتماء الحقيقي الواسع والشامل. باختصار وكأن الفرد الواحد يعيش ثلاث أقانيم وطبائع وشخصيات، مختلفة في القدرة على الاستيعاب والفهم والتبليغ من خلال الانتقال من فترة الفتوة الى الشباب والى الشيخوخة، مع الطرح جانباً التأثيرات المتعلقة بالحالة المادية، وعلاقات الصداقة، والبيئة السياسية، والأمنية.
وحدة الوجود وعلاقة مستقبل الإنسان والنبات كموجودات مترابطة
وحدة الوجود مذهب صوفي يقول بأن الله والمخلوق والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الخالق هو واجب الوجود الحق، أما مجموع المظاهر الروحية- المادية فهي تجليات تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود حقيقي خالد وأبدي قائم بذاته.
ففكرة أو مذهب وحدة الوجود، هي فكرة قديمة أعاد إحيائها بعض المتصوفة والذين تأثروا بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة وفلسفة الرواقيين. ولقد نادى بوحدة الوجود بعض فلاسفة الغرب من أمثال سبينوزا وهيگل وهؤلاء قدموا فهم للكون ومكان الفرد البشري فيه.
اليوم، يعتقد أغلب علماء الفيزياء وأطباء الكم quantum theory بأننا جميعًا مرتبطون من خلال جزيئات الطاقة لدينا. وكل شيء على كوكبنا هو جزء من هذه الجزيئات بما في ذلك ذكائنا… لذا يمكنا دراسة ومتابعة تنظيم علاقة الموجودات (الانسان والنبات) مع بعضها بالاستعارة من الحضارة العراقية الأشورية والبابلية والسومرية كحضارات رائدة في هذا المجال وكتمهيد لمعرفة حقيقة الوجود، وأن كان تحقيق ذلك لا يتم في المستقبل المنظور! فحضارتنا جديرة وذات كفاءة وخزان ثقافي غزير لمحاولة حل لغز الوجود ومعنى الخلود والحياة على كوكب الأرض، وإيجاد السبل الإيجابية لحماية الأرض من التحديات والعيش في بيئة صحية ونظيفة وأمينة. فالتدهور البيئيّ يهدد بدوره كلاً من صحة الحيوانات، والبشر، والنباتات على المدى الطويل بفعل بعض الأنشطة البشريّة غير المسؤولة، والصراع على الموارد والهيمنة.
فيلم أڨيتار Avatar مثالاً
محور الفيلم يتعلق بالحقيقة الواضحة للجميع حول الجشع وعدم الاهتمام بالحياة البشرية وقدسية جميع أشكال الحياة في الكوكب والكون. هذا الفيلم يدور حول ترابط كل الحياة مع بعضها البعض، ووجود تحديات تستهدف الجميع، وضرورة الاتحاد لمجابهة المخاطر. يعرف العلماء اليوم أننا جميعًا جزء من قوة طاقة موجودة في كل مكان طوال الوقت. وان كوكب الأرض والكون وبكل ذراتها المهتزة وجزيئاتها لها تواصل سري عجيب مشترك عضوياً.
ثم تتواصل احداث رواية الفيـلم وتُسلط الضوء على أهمية الارتباط الروحي للكائنات مع الشجرة العملاقة المخلوقة من قوة الهية Eywa والتي تخفي تحت جذورها مواداً ثمينة. وتتواصل الشجرة العملاقة المقدسة Home tree جسدياً ووجدانياً بكل شيء وكشبكة مشحونة بالطاقة الإيجابية لكيانات Pandora (المخلوقات الساكنة في ذلك الكوكب). تلك الكائنات المرتبطة ببعضها ومع الشجرة بنسيج متناغم مع نسيج الكون، إذ تتواصل الشجرة مادياً وروحياً مع جميع الكائنات، وكان مغزى القصة أن الخير يسود دائمًا. وتستمر الرواية في سرد محاولات قوى الشر المُحتلة والقادمة من الأرض في القضاء على شجرة الحياة في الكوكب، بعد ان قضت على كوكب الأرض. وطاقة إرادة الحياة الإيجابية هي الأقوى دائماً من طاقة الشر السلبية. إذا فكرنا في أنفسنا بشكل أفضل، فسنكون دائمًا في طاقة الخير. في طاقة الخير، سنعلم أن أرضنا توّفر الوفرة للجميع. ( يُتبع)……..