فواد الكنجي
حين يصل الوعي عند (المرأة) بمستوى تحليل وعلاج المشاكل الاجتماعية التي تسود في المجتمع والتي تواجهها – لا محال – فان الوعي يقودها إلى إدراك مدى الحاجة التي ينبثق منها إلى البحث لإيجاد معالجات للتغيير واقعها الثقافي.. والاجتماعي.. والاقتصادي.. والسياسي، وبهذا المعنى فان الوعي ونضال (المرأة) يحفز في تعمق مساعيها نحو قضايا التحرر الاجتماعي والوطني وتحرير الطاقات الخلاقة في المجتمع نحو التحرر.. والتحضر.. والمساواة.. ونشر العدالة.. والديمقراطية باعتبار كل قضايا (المرأة) هي قضايا تخص المجتمع باعتبارها نصف المجتمع وهي الحاضنة الأولى التي ربت وثقفت الرجل على القيم الاجتماعية الأخلاقية والوطنية.
وعي المرأة
فنضال (المرأة) لم يأتي إلا بالوعي لقيمة دورها في دعم والمشاركة في الحركات الثورية أينما كانت سواء في مجتمعها أو في العالم باعتبارها اكتسبت الوعي الخلاق وقدرات ثقافية بتوعية ذاتها بالقيم الإنسانية الخلاقة بما اكتسبته من خلال التجارب الإنسانية وتصورات؛ لخلق نهضة مجتمعية وعلى كل المستويات؛ لان واقع وظروف الحياة للمجتمعات وخاصة الشرقية التي مرت تحت هيمنة الاستعمار.. والعبودية.. والعادات.. والتقاليد البالية؛ التي قيدت الكثير من مفاصل النهضة في المجتمع ووضعتهم في مواقع التبعية؛ لا يمكنهم التغيير والتحول المجتمع نحو الرقي والازدهار بسهولة، بعد إن وجدت الأعراف.. والتقاليد.. والمعتقدات الخاطئة والمتخلفة؛ طريقها إلى سن الدساتير وقوانين الأحوال المدنية التي تنظم الحياة في المجتمع؛ لتشكل هذه المنظومة أداة لاستعباد واضطهاد (المرأة) وإخضاعها لسيطرة وسلطة الرجل وفق سياق التاريخ الذي نظم التحالف بين السلطتين الدينية المتزمتة والسياسية المتطرفة .
مسيرة نضال المرأة
لذلك سعت (المرأة) إلى تغيير واقعها؛ عبر نضال مستمر؛ وهن يطالبن إنصافهن في شتى مجالات الحياة الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية، وفعلا جاء ثمار نضالها نتيجة لإضرابات النسوة العاملات وخروجهن في العديد من مدن العالم في (أميركا الشمالية) و(معظم الدول الأوروبية) حيث مسيرات.. وتجمعات.. ومظاهرات.. واكتظاظ الشوارع بالمتظاهرات وهن يحملن أقمشة وإعلام باللون (الأرجواني) الذي يرتبط بحقوق (المرأة) للمطالبة بتحسين أوضاعهن المعيشية بزيادة الأجور.. وبتقليل ساعات العمل.. والمساواة.. والحصول على حق التصويت في الانتخابات؛ ونتيجة الضغط المتواصل من قبل النساء على أدارت الأعمال في كل مواقع العمل وقف (الحزب الاشتراكي الأميركي) معاضدا لمطالب النساء العاملات؛ فاقر في عام 1909 باعتبار(28 شباط) يوما للاحتفال باليوم الوطني (للمرأة) في (الولايات المتحدة الأمريكية) تكريما لإضراب عاملات الملابس عام 1908 في (نيويورك)، وفي 1910 عقد في (كوبنهاغن – بالدنمارك) المؤتمر الدولي للنساء الاشتراكيات طالبن بتحديد (يوم عالمي للمرأة) من دون أن يحدد تاريخا لذلك، وبعد مضي عاما؛ بدأت أولى مسيرة للاحتفال بيوم (المرأة) في (19 آذار من عام 1911)، ففي هذا اليوم خرجن النسوة العاملات في مسيرات للمطالبة بحق (المرأة) في العمل والتدريب المهني ووضع حد للتمييز ضدها .
وفي ( الثامن من آذار عام 1914 ) نظمت النساء العاملات مسيرات في عدة مدن الأوروبية للمطالبة بحق الاقتراع للنساء والاحتجاج على الحرب العالمية التي كانت قائمه آنذاك، وفي عام 1917 اخترن النسوة العاملات في (روسيا) آخر الأسبوع من شهر (شباط) للاحتجاج والإضراب تحت شعار (الخبز والسلام).
وبعد (الحرب العالمية الثانية) استمر الاحتفال بيوم (المرأة) في ( الثامن آذار) في عدد من البلدان، وفي عام 1975 أخذت (الأمم المتحدة) الاحتفال بيوم (الثامن من آذار) واعتبرته (اليوم العالمي للمرأة) وبعد ذلك بعامين إي في عام 1977 (كانون الأول) تبنت (الجمعية العامة) قرارا بإعلانه (يوم الأمم المتحدة لحقوق (المرأة) والسلام الدولي)، ومنذ ذلك التاريخ يتم الاحتفال بهذا اليوم معتبرين (الثامن من آذار) من كل عام بكونه (اليوم العالمي للمرأة)؛ ليعتبر هذا اليوم رمزا لكافح (المرأة) منذ أكثر من قرن؛ وفي هذا اليوم تنظم الفعاليات والاحتفالات حول العالم تكريما لإنجازات (المرأة) ورفع الوعي السياسي والاجتماعي بقضاياها .
مستوى تمثيل المرأة في الوقت الحاضر
ورغم نضال (المرأة) المستمر وعلى كافة أصعدة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلا إن تمثيلها مازال دون مستوى المطلوب – حسب أخر التقارير من الأمم المتحدة – بل تراجع في الكثير من مجالات وخاصة في مجال حصول (المرأة) على الفرص التعليمية والوظيفية وتراجع حقوقها الإنجابية؛ وإن (المرأة) في عصرنا هذا ما زال تمثيلها تمثيلا ناقصا على جميع مستويات صنع القرار في جميع أنحاء العالم؛ وأن تحقيق التكافؤ بين الجنسين في الحياة السياسية ما زال ضعيفا ودون مستوى المطلوب؛ بل إن تمثيل (المرأة) هو اقل مما نتصوره خاصة في مجال تطوير تقنيات جديدة في مجالات العلوم.. والتقنية الالكترونية.. والهندسة.. والرياضيات؛ وهذا الأمر يقلل من فرص للحصول على الوظائف في مجالات العلوم.. والتكنولوجيا.. والهندسة.. والرياضيات؛ وهذا الأمر يتطلب إلى ضرورة (تمكين) (المرأة) في هذه المجالات لكي تواكب تطورات العصر على رغم من إن في جميع أنحاء العالم الأجنبية والشرقية منها تدابير إيجابية تواكب المعايير الدولية في مجال الأهلية القانونية، فاليوم تتمتع (المرأة) بحقوق متساوية في العديد من الدولة وبما يتعلق بالحق في الحصول على بطاقة الهوية الوطنية.. وإبرام العقود.. وطلب جواز سفر.. و في مجال التوظيف والاستحقاقات.. وممارسة الأعمال التجارية.. وبدء الإجراءات القانونية في المسائل المدنية.. إضافة إلى تشريع نظام الحصص المخصصة (للمرأة) في البرلمانات الوطنية (الكوتا).. وكذلك نجد اليوم في الكثير من دول تم تشريع فوانيين الحماية من التحرش الجنسي في مكان العمل .
تحديات التي واجهت المرأة
لذلك نقول من ضروري جدا إن تحافظ (المرأة) على ما حققته في السابق دون تراجع مهما كانت الأسباب؛ لان دور الذي قادته (المرأة) في الحركات النسوية التحررية في أواخر ستينيات القرن الماضي واستمرت حتى الثمانينيات منه؛ أحدثن تغييرات كبيرة على الصعيد الفكري.. والثقافي.. والاجتماعي.. والسياسي في جميع أنحاء العالم مستندين إلى الفلسفة المعاصرة التي سادت في ذلك العصر وضم نساء من مختلف الخلفيات العرقية والثقافية مطالبين بضرورة منح النساء الحرية الاقتصادية.. والاجتماعية.. والسياسية، بهدف تعزيز مكانتهن في المجتمع بعد ان سمح الرجل لنفسه تصنيف النساء بمواطنات من الدرجة الثانية في مجتمعاتهن؛ ليطرحن المساواة كقانون وتشريع في كل الأنظمة ودساتير بلدان العالم ليتم التخلص من التمييز الجنسي ضد (المرأة) على مستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؛ ليتم في هذه المؤسسات استحداث قوانين وتشريعات بما لا يميز بين الأدوار الاجتماعية.. والاقتصادية.. والسياسية للمرأة في المجتمع.
وقد واجهت (المرأة) في بداية مشوارها التحرري الكثير من التحديات وصعوبات في أعقاب فترة النضال؛ فسعين مجموعة من الناشطات إلى تثقيف النساء بخصوص مسؤولياتهن الجديدة؛ وحاولت تثقيفهن حول كيفية الاستفادة من حقوقهن في الانخراط ضمن النظام السياسي القائم في هذا المجتمع أو ذاك، لان العنصر الأهم هو تقديم وعي بحقوق النساء، وخاصة في مجال الأحوال الشخصية.. وفي مجال الحق في العمل.. والمشاركة في الانتخابات.. ومنظومة القوانين والصحة، وفعلا تمكن النسوة بعد عمل نضالي متواصل وعبر التظاهرات واحتجاجات التي اجتاحت الكثير من دول العالم خلال أعقاب انتهاء (الحرب العالمية الثانية) وفي خمسينيات القرن الماضي واستمرت حتى الثمانينيات إلى تغيير الكثير من تشريعات والقوانين في دول العالم؛ فسعت دول العالم إلى القضاء على أوجه (اللا مساواة) بين الجنسين من خلال بعض الإجراءات الحكومية، وهكذا استطاعت الحركات النسوية التحررية تكيف نفسها بمتغيرات الخاصة وبالقوانين الدولية وتشريعاتها لتقف فيه (المرأة) على قدم المساواة مع الرجل؛ لان هدف النسوة من نضالها التحرري ليس هو من اجل وصول النساء للمواقع التي يشغلها الرجال؛ ولكن من اجل إعادة هيكلة المجتمع التي ستحرر الجميع وهو انتصار المجتمع و ليس انتصارا للنساء فحسب بل انتصارا للإنسانية .
مجتمعات العالم بحاجة إلى إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة
ونحن حين نمعن النظر في قضايا (المرأة) – وخاصة في المجتمعات الشرقية – نجد بان تيارات مجتمعاتنا الفكرية اتجاه حقوق (المرأة) تتجه (اتجاهان) ولكل اتجاه قواعد جماهيرية اجتماعية وتنظيمية:
الاتجاه الأول .. وهو اتجاه محافظ الذي تنطلق أفكاره من أيديولوجية دينية ومن عادات وتقاليد؛ وتكون سلطة الرجل هي المهيمنة على معطيات الواقع الاجتماعي؛ سواء على صعيد المؤسسات الدينية أو التعليمية، وتكون الهيمنة الذكورية هي السائدة في هذه الأوساط وهي أوساط عشائرية وعائلات محافظة؛ ولا نجد اعتراض النساء على وضع النساء والتفرقة بينهن وبين الذكور؛ وتكون السيطرة الذكورية على النساء برضائهن لمثل هذا التقيد بما يجعلهن يرتحن إلى قيد الرجل ن لم نقل ينجذبن إليه.
أما الاتجاه الثاني .. فهو اتجاه (الفكر اليساري العلماني)؛ الذي يطرح أفكار الحرية والمساواة في الحقوق.. والعدالة.. والمساواة.. والعدالة الاجتماعية، وهذا التيار ساهم في إنشاء ودعم الحركات التحررية النسوية وحفزهم على تعزز ومطالبة السلطات الدولة لمنح وتشريع قوانين تنصفهم وتدم حريتهن.. وحقوقهن.. ورفع الظلم والتهميش وبما يعزز من مكانة (المرأة) في المجتمع وتحقيق المساواة وفق رؤية وطنية اجتماعية تنسجم مع روح الحريات الفردية والعامة وبما يدعم في تغيير مناهج التربية والتعليم ليواكب في رفد الوعي الاجتماعي ليتم تحرير (المرأة) من كل قيود؛ لكي لا يتم خضوع قواعد المنظمات النسوية لتقاليد الهيمنة الذكورية مهما كانت أشكالها وأنواعها؛ ليتم ربط النضال الوطني بالنضال الاجتماعي من خلال سياسات ومهمات الدولة في بناء مجتمع سليم يمتلك إرادته وحرية ويزيل الفوارق الاجتماعية والتمييز ضد (المرأة) مستندين على (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) و(اتفاقات جنيف وبروتوكولاتها) و(الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وإزالة كل أشكال التمييز ضد (المرأة)) وغيرها من الاتفاقات، هي عناصر في غاية الأهمية يمكن لدولة الساعية للنهضة والتقدم والتطور التشبث بها واستخدامها في مواجهة التيارات المحافظة المتزمتة التي ترفض التقدم والتطور؛ والتي تصنف المجتمع وفق درجات؛ والتي جلها أفكار تقود عملية التهديد المجتمعي التي تتضمن الإقصاء والتطهير العرقي وتفكيك بنيته وعزل وتميز بين مكوناته وتهميش للحقوق الوطنية والمدنية لعموم الشعب .
وهذه المعطيات هي التي تحفزنا بالقول بضرورة العودة إلى القوانين والاتفاقات الدولية – التي ذكرناها سابقا – والتسلح بها لمواجهة التيارات الأصولية والمحافظين المتطرفين والمتخلفين؛ والتوجه بقواعد عمل جاد لسن تشريعات لتحرير (المرأة) والمجتمع ولإزالة كافة أشكال التمييز ضدها ، لان كل دول العالم وخاصة الشرقية منها اليوم وفي ظل التطورات والتقدم العلمي والتكنولوجي بأمس الحاجة إلى سن قوانين إلغاء التمييز في كل بلد ومؤسسة وموقع عمل وإصلاح قوانين الأسرة والمساواة، ومناهضة العنف، لان كل هذه المتطلبات تأتي مع حاجة المجتمعات إلى التغيير؛ وهذا الأمر يتطلب من كل أفراد المجتمع النضال والنضال الجماهيري من وسط جماهير النساء وبالاشتراك معهن في السراء والضراء ولا يجب الانفصال عن تجمعاتهن النضالية التحررية وتركهن تحت رحمة الثقافة الاستهلاكية والسلفية والأصولية؛ لان وبأي شكل من الأشكال لا يمكن التخلي عن نصف المجتمع والتنكر لحقه المشروع في تقرير مصيره في الحرية.. والمساواة.. والعدالة.
لان اليوم اغلب دول العالم ومنها بلداننا الشرقية هي دول أعضاء في (الأمم المتحدة) وقعوا على كافة بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد (المرأة)؛ لان مصلحة الدولة أولا وثم المجتمع تقتضي الحاجة إلى التجديد، في ضوء التطور المادي والاجتماعي؛ والتي تشهده مجتمعات العالم .