يعكوب ابونــا
اولا – الكلدان اشوريون
وصلنا في حديثنا السابق الى ان الدكتورهرمز ابونا يذكر في ص 57 – 55 من كتابه صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية ، بان تيمورلنك كان يشرف بنفسه على المجازر المرعبة التي كانت ترتكب بحق المسيحيين من السكان الاصليين لبلاد ما بين النهرين ، ابناء كنيسة المشرق ، فعندما غزا بلاد الرافدين في الاعوام 1393- 1401 حول البلاد الى بحيرة من الدم ، اذ قتل الملايين من ابناء الرافدين ، وامعن في الجريمة ، وانتهاكا للقيم الانسانية كان يقطع رؤوس الاطفال وهم احياء امام والديهم ، ففي عام 1401 ذبح في بغداد تسعين الف نسمة ، وجعلهم بشكل هرم وكانوا غالبيتهم من المسيحيين … وفي تكريت المدينة المسيحية التاريخية المشهورة ، ارتكب بحقها مذبحة كبيرة مضافا اليها خرابا ودمارا على الذي كان قد لحق بها من اعمال ومذابح المغول السابقة .. كما قام بمذبحة اصفهان في عام 1387 اذ بنى هرما مكون من سبعين الف راس بشري .. كما ارتكب ابشع جرائم القتل والذبح ضد ابناء مدينة اربيل ودمرها..
ويذكر الرحالة ( راوولف ليونهارت ) في رحلة الشرق – عندما زارالموصل في القرن السادس عشر بعد انتهاء العاصفة المغولية وقيام العثمانيين بضم البلاد الى امبراطوريتهم خلال 1514 – 1536 فيذكر الكثير من تاريخها الماسوي مشيرا الى ان تيمورلنك كان قد احرق المدينة وحولها الى رماد مؤكدا بان الاعشاب نمت فوق خرائبها بعد فترة قصيرة …..
كانت المذابح التي ارتكبها تيمورلنك ضد ابناء كنيسة المشرق في تبريز وسلامس واورمية ، والمنطقة الممتدة من بحيرة اورمية شرقا وحتى حدود بلاد تياري وحكاري غربا ، كبيرة جدا والتي غالبية سكانها اشوريين من اتباع الكنيسة الشرقية ..
بالاضافة الى ماقام به تيمورلنك من اعمال الابادة الجماعية للبشرية والتي كان منها للمسيحين النصيب الاكبر ،، وبهذه السطوه والقوة فقد اثرعلى الخارطة الدينية والمذهبية في منطقة الشرق الاوسط عموما ، فقدم الدعم والمساندة للجماعات الشيوخ المتصوفه ، فحصل على الدعم والتاييد ، لدرجة انهم افتوا بصحة وصواب حملاته وبررت مذابحه الدموية في بلاد المسلمين وخاصة التي كانت تتم ضد المسلمين السنه ، فدعم المذهب الشيعي ونكل شر تنكيل بالاخرين غيرهم ، ويؤكد المؤرخون عن مدى تاثير حملاته على وجود كنيسة المشرق والمنتميين لها ، واضعف تلك الكنيسة الممتدة من مناطق ما وراء النهر ومنغوليا ، فكانت هناك مساحات شاسعة من الاراضى متروكة وقرى خالية من البشرومدمره بالكامل ، فعلى سبيل المثال في عام 1393 قام بتدمير تكريت واربيل والموصل واورهاي وماردين وديار بكر وبقية المدن المسيحية الاخرى .. وكان جل همه هو استئصال المسيحية والقضاء عليها ، فلم تكن فقط سيوف الغزاة تقطع رؤوسهم بل ان الاكثرية الساحقه منهم جبروا بشكل مباشروغير مباشرعلى اعتناق الاسلام لاسيما في المناطق السهلية في الحنوب والوسط من بلاد الرافدين حيث فرض عليهم المذهب الشيعي . ويذكر المؤرخ القرماني – اخبار الدول واثار الاول – بان تيمورلنك ” اهلك الحرث والنسل واختلط المليح بالنسل وحل بالعالم الياس وفسدت احوال الناس –” وخرب مدينة بغداد بعد ان اخذ كل ما بها من الاموال . وامعانا بجرائمه وانتقامه من المسيحين فكان اثناء سيره الى غزواته كان يعمل بكل حرص على ان يبيد التجمعات المسيحية التي كان يصادفها في طريقه كجزء من المبررات الفكرية لحملاته الدموية والقاضية باستئصال المسيحية والمسيحيين اينما وجدوا ، هذا ما يذكره – د. هرمز ابونا ص 63 – المصدر السابق – ..
فكان لايدخل قرية الا افسدها ولاينزل مدينة الا محاها …
ويذكر- ق . ب . ماتفييف – في ص 32 من كتابه الاشوريون والمسالة الاشورية – .
..” لقد وضعت حملات تيمورلنك العسكرية نهاية للسياسة التي بداها الهولاكيون ، فقد تم بايعاز من تيمورلنك ابادة الاشوريين على مساحة واسعة تمتد من حدود الصين وحتى شواطىء البحرالابيض المتوسط ، وسلم من ذلك ثلاث مجموعات من الاشوريين فقط ، الاولى منها التجأت الى الهند على ضفاف ملبار، والثانية ابحرت الى قبرص ، والثالثة (في عدادها البطريرك الاشوري) نفذت الى الجبال في شمال العراق” .. قد يفسر البعض هذا الراى وكان ماتفييف . يقربأن لم يكن في ملبار او قبرص مسيحين قبل نزوح هؤلاء اليهما ..؟؟ فنقول خلاف ذلك لان المسيحين في ملبار وقبرص كانوا متواجدين قبل هذا التاريخ ،، منذ فترة طويلة، وما التجاء المسيحيين الاشوريين اليهما في هذه المرحلة الا تاكيدا على ان اخوانهم هناك سوف يقدمون لهم العون والمساعدة وهكذا كان ، واثباتا لهذه الجهة ما ذكرناه في الجزء الاول ، عن محاولة روما السيطرة على قبرص في الاعوام 1222 وعام 1326 فهذا يدل على وجود النساطرة اتباع كنيسة المشرق هناك وحتى وجودهم كان قبل هذه التواريخ ،وكذلك ما اشرنا اليه بان المسيحية دخلت ملبار في القرن الرابع الميلادي .. ويذهب القس بطرس نصري في ص 79 من كتابه ذخيرة الاذهان جزء 2 الى القول – ” ان اصل نساطرة قبرص كان من الاسرى الذين كانوا ملوك الروم يستاقونهم من بلاد فارس ، فان اكثر نصارى فارس كانوا نساطرة ……. ولبث كلدان قبرص بعد اهتدائهم خاضعين لبطاركة بابل الكاثوليكيين الى ان استولى الافرنج على هذه الجزيرة فاعتنقوا الطقس اللاتيني …” ولم يذكر هل احتفظوا بانتماءهم القومي الكلداني بعد ان اعتنقوا الطقس اللاتيني … واصبحوا يسمون اللاتينين الكلدان .. ام انتفت الصفة الكلدانية عنهم لكونها صفة كنسية بعد اعتناقهم للطقس اللاتيني ، ولم يبق هناك اسم الكلدان في الجزيرة ، لان التسمية كانت لديه كنسية ولاعلاقة لها بالقومية..؟؟ … ويذكر في الصفحة – 152 – 153 بان شمعون دنخا البطريرك ارسل مطران أمد واورشليم (هرمز ايليا ) الى رومية ليلتمس من الحبرالروماني التثبيت ، وفي روما طلب المطران ، من البابا غريغوريوس ” ان يعتني بهولاء الشعوب بانقاذ اساقفة كثيرين من طقسهم الخصوصي ولغتهم وطائفتهم الكلدانية …….. وان تنفذ من لدن قداسته الى نائب ملك الهند رسائل توصية بحق هولاء الاساقفة الكلدان الذين يرسلون من بطريركهم .. ” نجد القس نصري – يركز على التسمية الكلدانية للطائفة ، وللاساقفة ، ويذكرها كتسمية كنسية ليس الا …
اما الجماعة الثالثة التي يشير اليها ماتفييف ، بانها الجماعة التي نفذت الى الجبال في شمال العراق مع البطريرك … اقول صراحة ان طرح الموضوع بهذا الشكل لايستقيم وواقع الحال ، لان المسيحين لم ينحصر تواجدهم في اعالي الجبال فقط، بل الواقع يثبت بان رغم كل ما جرى لهم استطاعوا بشكل او باخر ان يقاوموا الغزاة رغم التضحيات الكبيرة التي قدموها على مر الزمن ،فحافظوا على تواجدهم في شمال العراق وبالخصوص في منطقة سهل نينوى ، التي تكثر فيها القرى المسيحية ، من كلدان سريان اشوريين ، ولا زالت هذه القرى عامره باهلها لحد يومنا هذا …
ويذكر جرجي زيدان في الاعمال الكاملة – بان تيمورلنك كان من مواليد سمرقند سنة 746 هجرية / 1336 ميلادية ولقد تولى بعض الاعمال في دولة اقطاي فيما وراء النهر، وتسنى له التدرج والترقي في الخدمة حتى بلغ مرتبة الوزير ، وبعدها استطاع انتزاع الملك لنفسه ، فغزا الكثير من الدول والحق بها الدمار الشامل وانشأ امبراطورية مترامية الاطراف تمتد من سواحل البحر المتوسط غربا وحتى الهند وحدود الصين شرقا ، مات وهو في طريقه الى الصين سنة 1405 ميلادية .. بعد ان كان قد جعل السلطان احمد التركماني حاكما ، على بغداد ، وقره يوسف حاكم اذربيجان ..
اندلعت الاضطرابات في ارجاء مملكته المترامية الاطراف بعد وفاته، مكنت الشاه محمد من دخول بغداد في 1411 وانهى بذلك الحكم الجلائري في العراق .. وكان من قبيلة الغز التركمانية المغولية ( البارنية ) ولقبت ( قره قوينلو ) لانها كانت مشهوره باقتناءها – الشياه السود – وقيل بسبب ان راياتها كانت تحمل شارة الخروف الاسود ….
كانت الصراعات التي حدثت بين الاخوة والامراء في دولة قرة قوينلو ، كل منهم كان يسعى الى السيطرة والاستئثار بالحكم ، مما اضعف الدولة … ومكن بالنتيجة حسن بك المسمى حسن الطويل ( اوزون حسن ) الملقب بابي النصر وهو اعظم من قام في سلالة الاق قوينلو ، وعرفت بهذا الاسم لاشتهارها باقتناء الشاة البيض وكانت ترسم على اعلامها خروف ابيض . فكانت المعركة التي قادها حسن الطويل عام 1467 في ديار بكر ضد جهان شاه القره قوينلي اسفرت عن انتصاره على خصمه وقتله ، فضم حسن الى امارته جميع ممتلكات جهان شاه .. وحاصر بغداد عام 1468 وكان حاكمها انذاك الوند ، الذي سقط قتيلا بيد حسن الطويل ، ولكن بعد وفاة حسن ، اختلفوا ورثته والامراء فيما بينهم على النفوذ والسيطرة …فقامت بينهم صراعات ونزاعات ، اسوأ مما كانت في دولة قره قوينلو ،ادى ذلك الى سقوط دولتهم عام 1508 ..
بيد الشاه اسماعيل الاول الصفوي والذي كان ينتسب الى اسرة تركمانية صوفية ، فعندما استولى على بغداد عام 1508 ودخوله عليها عمل السيف برجال السنة والنصارى وفتك بهم واضطهد من بقى منهم …. وهكذا نرى ان حكم الدولتين القره قوينلو والاق قوينلو لم يدم نحو قرن من الزمن ، الا انه كان مليئا بالاضطرابات والفوضى والنزاعات وعلى مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والعمرانية والثقافية ،هذا ما يذكره في ( ص 91 الاب البير ابونا الجزء الثالث من كتابه تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية )……
بطبيعة الحال كانت لهذه الظروف الصعبة التي كانت الكنيسة الشرقية تعيش انعكاساتها السلبية على مسيحي الشرق عموما ، اذ لم تسلم ابرشيه من ابرشياتها في المشرق من النكبه والتدمير، وهذا بطبيعة الحال ما اضعف الكنيسة ، وقيد عملها ، وقلص نشاطها ، بين المؤمنين، وقد يكون بالمقابل هذا السبب نفسه ساعد كنيسة روما ، للاستفادة من هذه الظرف في كسب المؤمنين في مناطق كثيرة كانت من مناطق السيطرة ونفوذ كنيسة المشرق ، لان المؤمنيين كانوا بحاجة الى من يقدم لهم الدعم والعون والحماية .. ومن جهة اخرى ان كنيسة روما كنيسة مسيحية ،، ولا فرق بين الكنائس من الناحية الايمانية ، الا بعض الخلافات على القضايا اللاهوتية لا غير …
لان الكثيرين من المسيحين اضطروا الى اعتناق الاسلام دينا تخلصا من تلك الظروف والاوضاع التي كانوا يعيشونها…..
في هذه الحقبة الزمنية من تاريخ بلاد النهرين ، وفي هذه الظروف المأسوية ، كان على رئاسة السدة البطريركية لكنيسة المشرق ، البطاركة قدموا الكثير رغم تلك الظروف …..وهم…