حازم زوري
من السمات العجيبة وغير المفهومة التي يتسم بها خطاب بعض النشطاء والمهتمين بالشأن القومي وبمصير شعبنا ((الكلداني الآشوري السرياني )) في الوطن ، ان مزايداتنا على بعضنا تتضاعف ،وان سقف مطاليبنا القومية يرتفع ويتصاعد بشكل غير طبيعي بعد مغادرة الوطن، وتلك حالة سلبية غريبة يكاد ان يكون شعبنا متفرداً بها ،وكأننا في غفلة من الظروف الذاتية والموضوعية التي تحيط بشعبنا وبالعراق عموماً ، وكأن تلك الظروف بتداعياتها وانعكاساتها القاسية والكارثية لم تكن من اهم أسباب الهجرة وترك الوطن للكثير مناّ..
وهنا لا ابغي من كلامي هذا مصادرة حق اي مغترب في بيان رأيه او موقفه او التعبير عن تطلعاته وتمنياته بالوصول الى انجع السبل لانتشال شعبنا من واقعه المرير ،فذلك حق مشروع ومقدّس لكن بشرط ان تكون تلك المطالبات والتمنيات معقولة وواقعية وقابلة للتطبيق ولو بحدها الادنى ، وخالية من التسقيط والاستهداف الخاص لدوافع شخصية او حزبية او مناطقية وعشائرية، فما اسهل رفع الشعارات والمطالبة بتحقيق المعجزات والأحلام الامبراطورية باستعادة امجاد بابل وآشور على رمال الوهم والسراب ،ونحن على مقاعدنا الوثيرة نحتسي فنجان القهوة او كوب الشاي على ارصفة المدن الأنيقة في كافيهات الاغتراب الناعمة بهدوء وطمأنينة وأمان ،دون النظر الى واقعنا المفزع والى المشهد الوطني القاتم برمته من حيث تعقيداته وتشابكاته وتداخل اجنداته ،والتعامي عن حقيقة ان وسائلنا وأدواتنا في العمل على الصعيد القومي متواضعة جداً ، وان الهجرة ما زالت تنخر في جسد وجودنا وتأكل من جرف احلامنا لدرجة ان شعبنا كله بات مشروع هجرة متواصلة لا سبيل لايقافها ..
انها ليست دعوة لبث اليأس في النفوس وقطع الأمل بالغد ،وليست محاولة لقطع الطريق على الآخرين او مصادرة الرأي الآخر كما قلت ، ولكنها مناشدة متواضعة ونبيلة الغاية بأن يكف البعض عن سلبيتهم وسخطهم ويوقفوا معاول هدمهم عن بنيان البنائين الصادقين ،والباذلين الحقيقيين في الحقل القومي على ارض الوطن بعيداً عن تدخلات الغير ووصايتهم ،وهم قلة قليلة بحسابات الأرقام ولكنهم كبار بإيمانهم وعزمهم ،وقد خبرهم شعبنا في الملمات والشدائد بذلاً وتضحية ونكران ذات ،وما زالوا على العهد باقون مرابطون رغم الصعاب ، وليس سراً ان نقول ان زوعا كانت وما زالت طليعتهم وكوكبتهم ،وكفانا انغماساً بسجالات عقيمة ومتاجرة بشعارات صاخبة وتعجيزية لا يمكن ان ترى النور في ظل المعادلة القائمة على الارض ،فالحماسة وحدها لا تكفي ولا تبني مجداً اذا كانت الوسائل شحيحة والقدرات غير متاحة والاستعداد للبقاء والثبات والتضحية شبه منعدم ،ومن لديه القدرة على تقديم الافضل فالميدان واسع وكبير ويتسع للجميع ،وإلاّ لندع الاخيار في شعبنا من مؤسسات وأحزاب قومية رصينة ومتحررة من التبعية والارتهان تعمل بالمتاح والممكن ،ولنتوقف عن لعنهم ورجمهم ليل نهار ، فطريقهم شاق ووعر ، وهم بصيص الأمل المتبقي والنور الوحيد الذي يضئ طريق امتنا في ليالي ظلماتها الطويلة ،لنكن لهم عونا وسنداً وظهيراً لا سوطاً يجلد ظهورهم ويثبّط عزمهم وارادتهم ..