فواد الكنجي
الأسوأ لم يأتي بعد؛ رغم كل ما أصاب (النظام الدولي) من تداعيات خطيرة هدد ما يقارب ثمانية مليار إنسان عدد سكان العالم؛ ليمس صميم منظومته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمالية والصحية، هذه المنظومة التي لم تستطع حماية نفسها من الانهيار وإنقاذ الإنسان مع استمرار انتشار جائحة (كورونا) وغياب اللقاح؛ رغم أمل المجتمعات بالعودة إلى الحياة الطبيعية؛ ولكن يقينا بان العودة لن تكون بالصورة التي عشناها ما قبل الجائحة (كورونا)، بعد إن تشابكت مصالح الدول وارتبكت التحالفات الدولية والخلافات فيما بينها؛ لتعكس سلبا على (النظام الدولي)؛ بعد إن سادت فيه نوع من (العلاقات الدولية) مبنية على المصالح الآنية غير ثابتة تتحرك مع مجريات حركة الإحداث والمصالح الإستراتيجية التي تتسارع وتتطور وفق الإضرار التي تخلفها جائحة (كورونا) في سوق الاقتصاد والمال والتجارة، بكون هذه (العلاقات) تنشا على أرضية من الرمال المتحركة وتشكل تحالفات هجينة مركبة وفق موازين القوى المتغيرة ووفق المصالح الدولية؛ فنجد تكوين تحالفات بين (دول) كانت إلى الأمس القريب التقارب بينهما ضرب من الخيال، ولكن لمصالح سياسية واقتصادية كل شيء يكون جائزا وفق إستراتيجية لتامين مصالحهم؛ وهي مصالح لا تنطلق من إرادة جماهيرية واجتماعية من اجل تطوير وتغيير مستوى حياتهم؛ بقدر ما يتعلق أمرها بموازين القوى العسكرية والاقتصادية؛ ويجند لتمرير مثل هكذا (العلاقات) وسائل الإعلام لشرعنه وتامين التغطية لتمريرها في المجتمع؛ ولكن ما يتطلب من الشعوب اليقظة عدم الانجرار بما تضخمه وسائل الإعلام لأنها وسائل مسيسة للرأسمالية المتوحشة؛ لذلك يتطلب من المجتمعات في هذه المرحلة الوعي بطبيعة تكوين وتشكيل هذه (التحالفات) التي تستغل جائحة (كورونا) لتمرير سياسات القوى الدولية المهيمن على (النظام الدولي) – وهي قوة رأسمالية – والتي تسعى إلى الاحتفاظ بمواقعها لكي لا تقع فريسة للاستغلال ومطامع الدول الكبرى وأحلافها وتبعاتها في تفتت وحدة المجتمع – سواء في هذه الدولة أو تلك – فأي (تحالفات) تشكل لا بد من المجتمعات إن تسأل دولهم عن الغاية والهدف منه؛ لتامين مصالحهم وحقوقهم الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية؛ وبما يراعى فيها حقوق العدالة الاجتماعية.. والمصالح الحياتية.. والصحة العامة.. وحماية البيئية، لان في ظل ارتباك منظومة الحياة بجائحة (كورونا)؛ لا بد لأي دولة تشرع الدخول في (التحالفات) إن تسال مدى جهوزية مؤوسساتها الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية؛ وهي تواجه جائحة غير مسبوقة؛ لا يعرف تبعات التي تخلفها على المدى المنظور، علما بان اغلب الأنظمة الدولية والتي كانت تمتلك قدرات هائلة في تسخير كل طاقاتها التصنيعية والإنتاجية لتسليح وتطوير منظومتها النووية والعسكرية وما كانت تحققه من انجازات عمرانية وبناء ناطحات السحاب العملاقة؛ فجأة وجدت نفسها إمام جائحة (كورونا) تتعرض لانهيارات اقتصادية كبرى؛ لدرجة التي لا تستطيع اليوم تغطية احتياجاتها المجتمعية اثر تفشي جائحة (كورونا)؛ من توفير الأقنعة الواقية وأسرة في المستشفيات وتعاني من نقص في أجهزة التنفس ومعقمات وحتى في ورق المرحاض…….!
وما بالك إذ وقع الأسوأ؛ و لم يؤخذ في الحسبان؛ والذي لم يأتي بعد؛ كما تقول تقارير (منظمة الصحة العالمية) في ظل تفاقم الأزمة الدولية التي تشهدها كل دول العالم في التقوقع على الذات.. وبتنامي المد الشعوبي.. والقومي.. والعنصري؛ وما تبع ذلك من إغلاق الحدود وتقيد السفر وتشديد على منافذ الدخول والتبادل التجاري، بحيث أصبحت هذه المشاهد نوع من نمط الحياة سترسخ أكثر ما بعد جائحة (كورونا) بين دول العالم بعد حقبة الانفتاح الليبرالي.. والعولمة.. والتواصل الفكري والحضاري.. والتبادل الاقتصادي والتجاري التي ستطوى صفحاتها مع اتساع رقعة المد (الشعوبية) الذي أنتجته جائحة (كورونا) بين الدول؛ لتتحرر من (الأحلاف) و(الاتفاقيات) ومن أي ارتباط فيما بينهم، ليكون (انكفاء) الدول هدفا في رسم سياساتهم المستقبلية؛ الكل يحاول بناء قدراته والاحتفاظ بها انفرادا؛ بعيدا عن المساعد والتعاون؛ وبعيدا عن الاتفاقيات الاقتصادية والمالية وحتى الثقافية؛ بقدر ما يكون تطلع الدول هو التوجه نحو حماية شعوبهم، وهو نمط الحياة التي سيعرف العالم بها في هذه مرحلة من مراحل التاريخ ما بعد (كورونا) وصاعدا؛ والتي ستمثل معالم لميزان القوى للمنظومة الدولية الجديدة؛ وبداية لتحرر (النظام الدولي) من (الرأسمالية) التي أوقعت جميع شعوب الأرض في لحظة انتشار وباء (كورونا) في أزمة غير مسبوقة في كل نواحي الحياة الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية.. والصحية..والمالية.. والسلوكية؛ لتسود حالة من الاضطرابات في كل وسائل الخدمات التجارية.. وتبادل السلع والبضائع.. والمال.. والمصارف؛ الأمر الذي طرح بجدية عن جدوى من النظام (الرأسمالي) وما أصدره من مفاهيم (الليبرالية) و(النيوليبرالية) و(العولمة)؛ لتتراكض الدول وراءها لتجد نفسها بين ليلة وضحاها مشلولة القوائم لا تستطيع مقاومة جائحة (كورونا) الوبائية؛ بل وجدت منظومة الحياة التي تبنتها وفق النظام (الرأسمالية) مرتبكة اجتماعيا.. وسياسيا.. واقتصاديا؛ مما جعلها تفكر عن جدوى هذه المنظومة الاقتصادية (الرأسمالية) التي فشلت في أول اختبار حقيقي بجائحة (كورونا)، وما بالك إذ أتى الأسوأ الذي لم يأتي بعد، والذي لم يستنتج من معطياته سوى الاستغلال.. والعبودية.. وانتهاكات مالية.. وتجارية.. واقتصادية.. واستباحة الأموال العامة والخاصة؛ والتي لم يستفد منها إلا نخبة من المستثمرين (الرأسماليين) الجشعين؛ بينما هدرت طاقات الشعوب هباءا؛ لدرجة التي اليوم إمام الجائحة (كورونا) هذه الشعوب المسحوقة اقتصاديا هي التي تدفع ثمن هذا الاستغلال والهيمنة (الرأسمالية) .
إرباك الاقتصاد وتغيير موازين القوى
فالقيادة (الرأسمالية) لـ(النظام الدولي) والذي قادته ( أمريكا) وشركائها (الأوربيين) قد فشلت في أو اختبار حقيقي واجهته من قبل جائحة (كورونا)؛ بما أوقع الوباء من خسائر فادحة بأرواح البشرية؛ بل ودمر اقتصاديات اغلب دول العالم.. وإربك المنظومة الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية؛ الأمر الذي سيتمخض عن هذا الارتباك انهيار المنظومة (الرأسمالية) والذي سيمهد إلى نشوء نظم ستغير (النظام الدولي) بشكل ملفت؛ بعد إن فشلت منظمات التابعة لـ(الأمم المتحدة) ومعها مؤوسسات (الاتحاد الأوربي) و(أمريكا) و(الصين)؛ من القيام بدورهم في تحذير دول العالم من خطورة جائحة (كورونا) والعمل على رصف الصفوف و تنسيق الجهود الدولية للحد من انتشار الوباء وتطويق هذه الأزمة الوبائية، لتكون هذه المعطيات السلبية لمؤسسات الدولية مؤشر في نسف (العلاقات الدولية) التي قامت واعتمدت – فحسب – على (العولمة الاقتصادية) في التوريد .. والتصدير.. وتبادل المعلومات الإنتاجية.. والصناعية؛ وتجاهلت مؤوسسات الصحة.. والبيئة.. والمناخ، ليتمخض عن هذا الفشل لمؤوسسات الدول (الرأسمالية)؛ سواء لـ(أمريكا) أو لـ(الدول الغربية)؛ تغيير في (موازن القوى)؛ بعد إن أطلق على (النظام الليبرالي والعولمة) رصاصة رحمة الأخيرة؛ بعد إخفاقه من مواجهة الأزمة الوبائية لـ(كورونا)؛ والذي سيسحب دول (الاتحاد الأوربي) إلى تفكيك رويدا – رويدا؛ بعد إن يسحب مع هذا الإخفاق تراجع الاهتمام بالقضايا الدولية المشتركة؛ لان كل المؤشرات التي تفرز بعد انتشار الوباء والإخفاق الحاصل في نمو اقتصاديات الدول.. والكساد.. وتدهور الأسواق.. وركود بورصات المال والتجارة.. وهبوط أسعار العملات؛ بان دول العالم تتجه نحو (الذات) و(الانغلاق) على نفسها ومحاول الاكتفاء الذاتي؛ بعد إن أربكت المؤوسسات (الصحية) وفشلت احتواء وإيجاد لقاح ضد وباء (كورونا) وما زالت تعيش وطأة الجائحة رغم إن الأسوأ لم يأتي بعد، في وقت الذي مازال الوباء في أوله؛ وقد شل قدرات الإنتاجية لأغلب اقتصاديات دول العالم؛ الأمر الذي تفاقم من حدة (الخلافات) بينهما؛ بل وادخل (النظام الدولي) برمته في دائرة حرجة من اللا استقرار.. والتوتر.. والارتباك؛ لعدم قدرته من إيجاد حل لحماية امن البشري وإنقاذه من حمى هذا الوباء القاتل، بل إن اغلب دول العالم – إن لم نقل اجمعها – ستواجه صعوبة بالغة في التعافي؛ ليترتب عن هذا الأداء ضعف.. وانكماش.. وتقهقر جميع تطلعاتها السابقة في (العلاقات الدولية) ونظام (العولمة) والذي سيتأثر على أفاق الحرية.. والديمقراطية؛ والذي سيقصم ظهر (الانفتاح) التي تغنت به (العولمة الرأسمالية) بما يجعل دول العالم تتجه نحو حماية شعوبيها والانغلاق من اجل إعادة إمكانياتها.. وقدراتها.. واكتفائها الذاتي؛ لتتمكن من مواجهة تحديات المرحلة الوبائية ولفترات طويلة؛ ريثما تتمكن من إيجاد نفسها وتنقذ نفسها من تداعيات صعبة ستواجهها الدول في المستقبل القريب، لان ما ينبئنا به وباء (كورونا) في ظل مؤسسات (صحية) متهرئة؛ همشت في ظل (النظام الدولي) الذي بني كل مؤوسساته وفق تطلعات النظام (الرأسمالي) الذي ركز على (الاقتصاد) و(التجارة)، ليكون بسبب هذا التقصير وعدم المبالاة بجوانب الحياة الأخرى التي سخرها تسخيرا أنانيا وبشعا وبالاستغلال والعبودية الصناعية؛ وفرض الحروب والنزاعات بين الدول وجعلها ساحات لتصريف بضائعه الإنتاجية في التصنيع العسكري والتي جلها هدرت لقتل الإنسان وتدمير الحضارة والثقافة والتعدي على سيادة الدول، وبذلك يكون هذا (النظام) – أي (النظام الرأسمالي) – المستغل للإنسان؛ قد عرض مصيره بيده إلى الزوال والنهاية الحتمية؛ لان كما قلنا بان الأسوأ لم يأتي بعد؛ من جائحة (كورونا) التي أثرت تأثيرا سلبيا على الاقتصاد الدولي ونموه وهددت الأمن الإنساني وحضارته؛ بما أدى إلى تراجع مهام مؤوسسات المدنية والعسكرية في اتخاذ إستراتيجيتها وتنفيذ دورها في إدارة الأزمات أثناء انتشار جائحة (كورونا) التي هددت مستقبل العالم والإنسانية في آن واحد .
فالآثار السلبية لهذه الجائحة هددت الأنظمة المستقرة؛ فما بالك بالأنظمة التي يسودها الاضطرابات والقلاقل……..!
لتتأرجح مجمل العلاقات الدولية واتفاقياتها بكونها بنيت على قواعد مهزوزة لمجارات مفاهيم (الرأسمالية) و دولها التي لم تصدر مفاهيمها إلا وفق إستراتيجية (الاستغلال) و(العبودية) و(التبعية الاقتصادية والإنتاجية) للقوى المهيمنة على إدارة المنظومة الدولية التي تسيطر عليها (الولايات المتحدة الأمريكية)، لتكون اليوم اغلب دول العالم تعيش تحت ظل أجواء الريبة والشك بالصدمة الوبائية لجائحة (كورونا) وخاصة في مجال (الصحة) و(التغذية) و(الطاقة)، وهذه الظروف من شأنها أن تسرع عملية إعادة هيكلة (النظام الدولي) حيث تكون (للقوة) دورا كبيرا في تشكيل (موازين القوى) و(الأحلاف الدولية)؛ وهذه (الأحلاف) تتوقف حسب قدرات الاقتصادية والعسكرية التي تمتلكها أي دولة؛ سواء أتت هذه (الأحلاف) بين دولتين أو عدة دول؛ بكون (موازين القوة) في (النظام الدولي) الجديد سيكون مفتاح بنائه وفق (التفاعلات الدولية) من غير إن تكون لهذه (التفاعلات) و(التفاهمات) قواعد وأدوات ملزمة في التنفيذ؛ لان وفق معطيات التاريخ نستخلص عبرا بان (العلاقات الدولية) مهما وصلت من الرقي فهي لن تصل إلى مستوى تشكيل (حكومة مركزية) تجعل من العالم (دولة واحدة) موحدة منضبطة؛ لان مصالح الدول والنوايا وأخلاقيات هذا النظام عن الأخر؛ تظل مدار ارتباك.. وتشويش. وعدم الثقة.. وتترجح وفق قدرة الدولة وإمكانياتها الاقتصادية.. والبشرية.. والعسكرية.. ومصالحها الخاصة، ولهذا فان أي (نظام دولي) سينشأ لن تخرج أطره وفق هذه القواعد، بمعنى إننا لن نشهد نظام دوليا عادلا وأمنا ويؤمن الأمن والاستقرار للبشرية مهما كان شكل (النظام الدولي) سواء أكان أحادي.. أو ثنائي.. أو متعدد الأقطاب؛ طالما إن أسس التي يقوم عليها (النظام الدولي) تتأرجح بين الهيمنة وفرض إيرادات بحجم القوة والإمكانيات الاقتصادية والبشرية، ولهذا فان (النظام الدولي) لن ينشا إلا وفق (موازين القوى) بين الدول والتي عبرها تكون التحالفات أو أضدادها مبنية وفق (التوازن الاستراتيجي) لقوة الدولة اقتصاديا.. وسياسيا.. وعسكريا، ومن هذا البناء فإننا سنجد في أي (نظام دولي جديد) بان كل الإطراف التي تدخل في تكوين (التحالفات) و(أحلاف دولية) سيبقون في دوامة مستمرة من حالة (الحذر) و(اليقظة) ولا يغامرون في استخدام السلاح؛ من اجل المحافظة على مصالحهم بأقل خسائر ممكنة؛ ليبقوا في حالة من (التوازن) تبنى وفق حسابات دقيقة ومعطيات الردع المتبادل لكل طرف قبل إن يجازفوا بأي خطوة لا يعرف عقباه أو ارض التي سيقفون عليها، ولان تفكير الدول بعد جائحة (كورونا) تعززت في نفوسهم شعورا شعوبيا وقوميا للاحتفاظ كل دولة بهويتها القومية .
الاختلال والاحتمال في العلاقات الدولية
ولهذا فان (النظام الدولي) لذي سيفتح أبوابه – لا محال – في عالمنا؛ بعد جائحة (كورونا) سيبنى؛ ولكن وفق حالة (الاختلال) و(الاحتمال) بسبب عدم استقرار الأوضاع الدولية وعلى كل المستويات الاقتصادية.. والاجتماعية.. والسياسية؛ بكون محيط تفكير الدول وخاصة الصناعية وذات القوة العسكرية والبشرية؛ ينحصر ما بين (رغبة في هيمنة طرف ومقاومة الطرف الآخر)، لذلك ومن هذه المعادلة التي ستواجه بناء (النظام الدولي الجديد) سينشأ بين دول العالم أقصى درجات (المساومة) و(المناورة) بغية تحقيق (التوازن) من اجل إمكانية الحركة في هذه (التحالفات) وفق إستراتيجية الدول لمصالحهم مع مراعاة أوضاعهم الداخلية، والذي سيبنى وفق إمكانيات الدولة الاقتصادية والعسكرية ونظامها ألتسليحي ونوع أسلحتها، فالأسلحة النووية.. والبيولوجية.. والكيميائية.. هي اليوم تحدد مفهوم (موازين القوى)؛ بكون هذه الأسلحة الغير التقليدية هي وحدها تحدد نوع (العلاقات الدولية) والتي تحافظ على (قوة التوازن) أو (اختلالها)، فهذه (القوة) هي التي تحدد نمط (العلاقات الدولية) وقدرتها على التأثير أو التفاعل على المستوى الإقليمي أو الدولي .
ووفق هذه القاعدة فان (النظام الدولي) الذي سيشكل لن يخرج أطره من نظام (القطب الواحد) أو (ثنائي القطب) أو (متعدد الأقطاب)؛ وهذه التصنيفات – أين منها – تتجه نحو تشكيل (النظام الدولي الجديد) ستكون سيطرتها على (المنظومة الدولية) ناقصة لما تتعرض من تحديات لم تكن في الحسبان ولم يخطط لها أو يتوقعونها، لان دوما هناك مراكز قوى (اقتصادية) و(عسكرية) تتطور مع تقدم علوم التكنولوجيا على المستوى العسكري أو الاقتصادي؛ وهي بدون ادني شك ستؤثر على (التوازن الدولي) ضمن أي قطب سيشكل في (النظام الدولي)؛ بكون صورته وبنيته ستختلف عما تعودت البشرية رؤيته تاريخيا، لان تشكيل (القوة) وربطها بـ(العلاقات الدولية) تعتمد على الآثار المترتبة في تطبيقاتها العملية على ارض الواقع وليس تطبيقات نظرية؛ وفي كيفية التحكم في سلوك الدول.. وعلاقاتهم.. واتجاهاتهم.. وخياراتهم.. ومدى انصياع كل طرف لهذه الرغبات وحدود التي تدوم هذه (العلاقات) التي تتأثر وفق معطيات الاقتصادية.. والاجتماعية.. والعسكرية؛ لان أي طارئ سيدخل في (ميزان القوى) لدولة (ما)؛ فان (التحالف) أيضا سيتغير بكون امتلاك (القوة) لا يأتي مجردا لرغبة في امتلاك بكل ما تم إنفاقه في تشكيل هذه (القوة)؛ بل هناك هدفا من امتلاك (القوة)؛ في وقت الذي يجب عدم تهميش لأي دولة يؤخذ عنها بان قوتها اضعف من الأخرى عسكريا وتسليحا؛ بكون لها من الأفعال وسلوكيات وما تملكه من مقومات المتمثلة بموارد البشرية.. أو الثروات.. ومصادر الطاقة؛ توازي (قوة السلاح) وقد تقوم باستثمارها وتفعيلها وقت ما تشاء بوسائل شتى؛ وهذه الإمكانيات لها ردود فعل مؤثره في تشكيل (العلاقات الدولية) أو تكوين (التحالفات) أو خلافها، وبالتالي نفهم بان هناك مقومات وعوامل مختلفة للقوة؛ منها (عوامل مادية) ومنها (عوامل معنوية)، وهذه العوامل – أين كان متاحا – يمكن تبلورها وقت ما تشاء الدول بما يحفظ أمن ومكانتها الدولية في تطوير هذه المقومات واستخدامها وممارستها في أوقات السلم أو الحرب وبأساليب متعددة .
وفي مجمل هذه الإمكانيات التي تمتلكها أية دولة من دول العالم؛ هي التي تحرك (العلاقات الدولية) وترسم الخارطة السياسية؛ والتي تجري وفق (حركة التاريخ)؛ يصعب تحديدها في ظل التغيرات الطارئة في (ميزان القوى) بكون هناك استدراكات و متغيرات لا يمكن توقعها أو تجنبها أو التعامل معها بكونها مركبات متغيره تبعا لتغيرات الحاصلة في بنية الاجتماعية.. والاقتصادية.. والسياسية؛ صعودا أو نزولا، لان إستراتيجية القائمة في (النظام الدولي) أي كان شكله أو ما سيكون ما بعد جائحة (كورونا)، هو وجود دول قوية وأخرى ضعيفة؛ هكذا كانت حركة الدول؛ وهكذا ستكون؛ وهو مدار الذي حوله تدور (العلاقات الدولية) القائمة في الماضي وسيقوم في المستقبل .
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن وجهة نظر الموقع