زوعا اورغ
تقديم وتحليل وتعليق أ. د. بهنام نيسان السناطي
مؤسسة دار الكاتب
صدر مؤخرا في باريس وبرعاية اكاديمية الكتابات المنقوشة والاداب الجميلة مجلدان عن الكتابات السريانية المنحوتة او المنقوشة في العراق للعلامة الدكتور امير حراق ابن العراق البار وابن الموصل ام الرماح البطلة بالذات والاستاذ في جامعة تورونتو الكندية
ويتناول المجلد الاول الذي صدر ب736 صفحة وبطبعة انيقة النصوص السريانية وترجمتها الى الانكليزية في طول العراق العظيم وعرضه فيما يضم المجلد الثاني الذي يحتوي على 287 صفحة صورا للكتابات المذكورة وتخاطيط هندسية للبنايات المعمارية والكنائس والاديرة والمعابد والمقابر التي غطاها المجلدان القيمان في ارض الرافدين(1)
مقدمة
انتشرت المسيحية في العراق العظيم بلاد ما بين النهرين مهبط النبوات وارض الحضارات منذ عهد الرسل الحواريين(2) وتلامذتهم قبل نهاية القرن الاول الميلادي وتؤكد المصادر التأريخية ان مار توما الرسول احد الحواريين الاثني عشر هو الذي بشر المسيحية في المشرق ووفقا للتقاليد فان مار توما قدم من فلسطين الى العراق وبعدها الى بلاد فارس وتوغل في ادغال الهند حيث استشهد في مدينة مدراس او جناي الحالية شرقي شبه القارة الهندية(3)
بعض تلك الكتابات مؤرخ بشكل دقيق وتلك عادة انتهجها المؤرخون السريان على مر العصور والنقوش مهمة جدا كونها تزودنا بمعلومات ثرية وتفاصيل مسهبة عن حياة الاحبار والقادة السريان في حقبات مختلفة
ويحتوي المجلدان على خطوط سريانية ونقوش تجارية منحوتة في مدينة نكريت مما يدل بشكل فريد على ان السريانية الكلاسيكية لم تكن حبيسة المراسيم والطقوس الدينية وحسب وانما كانت ايضا لغة الاعمال والتجارة(4)
وتعود النقوش السريانية الاقدم في العراق الى القرن الثامن الميلادي وهي تعتبر بدون منازع وثائق تأريخية تتخللها معالم ومؤشرات دقيقة حول العادات الاجتماعية انذاك وتكشف لنا ايضا المفاهيم الفقهية والافكار اللاهوتية المتداولة على مر العصور وباختصار فان اهميتها تتجاوز ارض العراق العظيم لتغطي عموم المنطقة حيث لعبت الثقافة السريانية فيها دورا بارزا
وفي مستهل عرضه المجلد يتقدم البحاثة العراقي بالشكر والامتنان للحكم الوطني في العراق قبل الغزو الامريكي الاجرامي مشيرا الى الدعم الذي حظي به من قبل اجهزة الدولة والجامعات العراقية وقسم الاثار في جمهورية العراق مابين 1997 و1998 والتي سهلت مهمة اصدار هذا الكتاب القيم من خلال منحه التراخيص الضرورية لتصوير ودراسة النقوش السريانية في المتحف العراقي
ويشير الدكتور امير حراق بهذا الخصوص الى الدعم الكبير الذي قدمهه كل من الدكتور مؤيد سعيد الدامرجي المدير العام السابق لقسم الاثار والمرحوم ربيع القيسي والدكتورة نوالة المتولي مديرة قسم الدراسات المسمارية في المتحف العراقي والدكتور دوني جورج يوخنا مدير العلاقات الخارجية السابق في المتحف العراقي والمرحوم منهل جبر مدير متحف الموصل الحضاري والذين لم يألوا جهدا في تقديم المساعدات الضرورية في توفير المراجع العلمية وتسهيل اجراء البحوث الضرورية وبشكل خاص في تكريت ومدن عراقية اخرى مثل موقع بلد الاثري او الذي يسمى حاليا اسكي موصل(5) ومواقع اخرى في العراق ويحتوي الكتاب ايضا على صور لنقوش سريانية من تكريت معروضة حاليا في متحف برلين الاسلامي
ويخص الكاتب العراقي ابن العراق البار امير حراق بالذكر المطران عمانوئيل بني الذي قدم له التسهيلات الضرورية لزيارة الكنائس والاديرة وايضا النقوش السريانية التي ترافقها تراجم ارمنية
ان اول دراسة علمية عن النقوش السريانية تعود للبحاثة هنري بوانيون في بداية القرن المنصرم اذ قام بنشر نقوش سريانية من قرقوش الحمدانية واخرى تعود الى دير مار بهنام في ضواحي الموصل مرفقة بصور وتعليقات عن الكتابات السريانية الكرشونية(6)
التوزيع الجغرافي للكتابات السريانية المنقوشة في العراق
يتناول المجلد النقوش االسريانية المنحوته في العراق في كل من العاصمة بغداد ومحافظة نينوى، ومحافظة التأميم كركوك وكربلاء والنجف وصلاح الدين واربيل فدهوك والسليمانية
ويعتبر العراق كنزا لايثمن لما يضم في احشائه من كتابات سريانية وكرشونية وباعداد كبيرة جدا وعلى كافة الاراضي العراقية جنوبا وشمالا وشرقا وغربا وفي كافة المناطق ان كان ذلك في الكنائس او الاديرة او المتاحف اوالمقابر والمواقع الاثرية
وتتواجد معظم الكتابات السريانية في محافظة نينوى ام الرماح قلب وعاصمة الامبراطورية العراقية الاشورية وفي الموصل الحدباء والقرى السريانية المحيطة والتي اصبحت بدورها مدنا حقيقية(7) ويضم مركز الموصل وحده ما لايقل عن 16 كنيسة وديرا تعتبر المورد والمرجع الرئيسيين للنقوش السريانية التي تعود غالبيتها الساحقة الى القرن الثامن عشر
ان غزو الفارسي نادر شاه وحصاره مدينة ام الرماح البطلة(8) يلقي الاضواء على اسباب كون هذه النقوش السريانية متأخرة. فقد حاصر نادر شاه هذا مدينة الموصل عام 1743 ولما يقارب الشهرين عاث خلالها هذا الفارسي دمارا وخرابا في العديد من القرى المسيحية المحيطة بالموصل ومن ضمنها الكنائس والاديرة والمعابد التي كانت تضم العديد من الكتابات السريانية ولم ينج من هذا الخراب والدمار الكتابات السريانية المنقوشة او حتى الواح المقابر ومعالمها(9)
وبعد هزيمة الفارسي نادر شاه واثناء عمليات الترميم تم استخدام الاحجار المكتوبة والمنقوشة او غير المنقوشة، المصانة او المصابة كمواد بناء لترميم واعادة بناء الكنائس وهكذا فقد تم هدم العديد من المعابد والاديرة في الموصل وحدها ومن ضمنها كنيسة الطاهرة الكلدانية وكنيسة الطاهرة للسريان الارثوذوكس وكنيسة مار توما
وتتحدث النقوش السريانية في كنيسة الطاهرة عن الحصار الذي فرضه الفارسي نادر شاه وتشير احدى الكتابات الى ان مريم العذراء هي التي انقذت الموصل من الدمار والخراب اللذين كانا يتربصان بمدينة ام الرماح وذلك اعتقاد يشارك المسيحيين فيه كافة مكونات و الوان الطيف العراقي الجميل
وقريبا من الموصل مدينة الحمدانية او قره قوش(10). اذ تتواجد فيها العديد من النقوش السريانية التي يعود تأريخها الى ما بين القرن 13 والقرن ال 20 وتضم كنيسة الطاهرة في الحمدانية كتابات ونقوش تؤرخ وتلقي الاضواء على الحصار الذي تعرضت له القصبة على يد الفارسي نادرشاه كما يضم احد البيوت في المدينة خارطة ابراج سماوية منحوتة بذوق رفيع
وفي القوش وبشكل خاص في جبل القوش هناك ديران رئيسيان يحتويان على نقوش ومنحوتات سريانية نفيسة اضافة الى مخطوطات سريانية ثمينة كتبها واستنسخها الرهبان على مر العصور وتعتبر اليوم مصدر فخر واعتزاز للمكتبات العراقية وارث حضاري انساني
وفي دير ماربهنام الشهيد القريب من الموصل(11) يوجد العديد من النقوش والكتابات السريانية المنحوتة والتي معظمها يعود الى نهاية العصر العباسي وتعتبر كنيسة هذا الدير تحفة بديعة ومتحفا بحد ذاته نظرا لخطوطها السريانية الجميلة التي تغطي جميع الجدران و تضم الكنيسة كتابات وصلوات ربانية بلغة الايغور(12) مما يجعل هذه النقوش التي تضمها هذه الكنيسة استثنائية وفريدة بدون منازع. أن النقوش السريانية في دير ماربهنام الشهيد والتي لم تحظى بعد بدراسات علمية معمقة هي غاية في الاهمية لانها تلقي الاضواء على اساليب وطرق الكتابات السريانية القديمة او ما يسمى بالعلوم الباليوغرافية
وتضم محافظة الموصل البطلة ام الرماح نينوى الاشوريين(13) مواقع عديدة اخرى غنية بالكتابات المنقوشة والمنحوتة السريانية من ضمنها قصبات برطلة(14) وكرمليس(15) وتلكيف(16) وبعشيقة(17) وبا حزاني(18). ان دير مار متى الواقع في جبل الفاف(19) او جبل مقلوب يضم نقوش سريانية قيمة اضافة الى رفات وذخائر القديسين وفي اسكي موصل او بلد التي ورد ذكرها اعلاه كتابات جنائزية تعود الى العصر العباسي احداها معروضة في متحف الموصل الحضاري
وفي قرى وقصبات شمال العراق العزيز والتي يقطنها السريان المسيحيون باعداد كبيرة جدا يقول العلامة الاستاذ امير حراق بان العصابات الكردية حولت العديد من الكنائس والاديرة هناك الى مكبات للنفايات وخاصة تلك القرى الموغلة في القدم مثل الكنائس في قصبة دير ابون وفيشخابور وقرديش المتواجدة ضمن حدود محافظة دهوك الادارية. لقد طردت العصابات الكردية سكان هذه المناطق الاصليين من ديارهم والت معابدها وضرائح ائمتها الموغلة في القدم الى الخراب والدمار. وبالنسبة لدير ابون تحديدا فان العصابات الكردية العنصرية الشوفينية امعنت في تلك المواقع التاريخية العراقية تخريبا وتدميرا وحولت بيوت الله الى زرائب وعمدت الى تخريب واتلاف الكتابات والنقوش السريانية الاثرية في الكنائس وعلى الواح المقابربصورة منظمة و بمشورة صهيونية بهدف تكريد المنطقة لطمس هوية مالكيها الحقيقيين من العراقيين الاصلاء في حال عودتهم الى ديار اجدادهم الاصلية ويؤكد البحاثة العراقي امير حراق بان أحد الرعاع الاكراد اكد له بانه قام شخصيا باتلاف وتخريب احد الالواح السريانية المنقوشة بكتابات قديمة بعد ان اخرجها من بئر بالقرب من مدينة القوش(20) بهدف طمس اية معالم ملكية موثقة
ويقول العلامة امير حراق بانه لم يتمكن زيارة محافظة دهوك والقصبات المحيطة بها بسبب الاوضاع الامنية البائسة التي كان يعيشها شمال الوطن الحبيب وتسلط اغوات وقطاعي الطرق التابعين للحزبين العميلين البارزاني والطلباني
الكتابات السريانية في وسط وجنوب العراق
يشير البحاثة العراقي امير حراق في كتابه القيم الى ان الكتابات السريانية التي تزين ارض العراق الطاهرة من شماله الى جنوبه تتواجد في كل من العاصمة بغداد ومحافظتي كربلاء والنجف غير ان اهم الكتابات السريانية تتواجد في محافظة صلاح الدين ومركزها مدينة تكريت وضواحيها والتي تم العثور عليها اثناء الحفريات التي قام بها قسم الاثار ابان الحكم الوطني في الثمانينات , ففي قلعة تكريت وعلى تلة صخرية ترتفع ثلاثين مترا عن مستوى نهر دجلة تم العثور على اثار كنيسة بمحاذاة جامع كان هو الاخر جزء من هذه الكنيسة حيث تم اماطة اللثام عن كتابات ونقوش سريانية في الابنية الادارية التابعة للكنيسة وكذلك العديد من النقوش التي كانت تزين مقابر الاحبار والقسسة وقد عثر كذلك على ختم منقوش بكتابات سريانية يعود للمطرافوليط اثاناسيوس الاول (704-887) والختم المذكورهو بمثابة صليب مصنوع من الفضة وتم العثور كذلك على كتابات منحوتة والواح منقوشة توثق لسندات والقاب مطرافوليط تكريت منقوشة بحروف اسطرنجيلية كبيرة مما يدل على المكانة البارزة التي كانت تحظى بها تكريت بسبب موقعها الرئيسي كمركز تجاري
ويوثق كتاب النقوش السريانية في العراق ايضا انه تم العثور على كتابات سريانية بالقرب من سور مدينة تكريت وقطاعات اخرى من القلعة. وفي خارج المدينة وفي المنطقة التي لاتزال تسمى الكنيسة فقد بينت الحفريات اثار دير كامل وكنيسته الكبيرة وقسم الزوار وصوامع الرهبان وباحة واسعة محاطة باروقة تضم رفات العديد من الاحبار ورجال الدين السريان
وفي عاصمة الرشيد بغداد وبالقرب من المدائن او قطيسفون هناك موقع كوخي(21) الذي يعتبر مهد المسيحية الشرقية والنواة الاولى لتأسيس اول كنيسة في بلاد مابين النهرين والمشرق كله والتي مازالت اثارها شاخصة حتى يومنا هذا حيث عثر فيها على بقايا نصوص دينية. ويؤكد البروفسور امير حراق في كتابه على ان هذه النصوص تقطع الشك باليقين بأن منطقة كوخي تزخر بأثار سريانية نفيسة وان اية تحريات مستقبلية يجب ان تأخذ بعين الاعتبار كون هذه المنطقة كان يقطنها العراقيون المسيحيون بصورة كثيفة منذ بداية القرون الميلادية الاولى وحتى نهاية القرن التاسع على اقل تقدير(22)
ويمكننا التأكيد على الشئ ذاته بالنسبة لمحافظتي كربلاء والنجف اللتين تشتهران بموقعين بارزين هما القصير وتلول الاخيضر حيث تم العثور فيهما على نقوش وكتابات سريانية عديدة تؤكد تواجد المسيحية في هذه المناطق وكذلك بالنسبة لعين شعيا وكهوف الدكاكين المتواجدة في محافظة النجف. والموقعان قريبان من مدينتي الحيرة والكوفة.. ففي عين شعيا الواقعة على بعد عشرة اميال الى الغرب من مدينة النجف الاشرف تم اكتشاف اثار لكنيسة تعود الى العصور الساسانية الاولى وبداية الفتح العربي وفيها نقوش وكتابات سريانية على مادة الجص والكلس
وقد ادت التحريات الاثرية التي اجريت في المناطق المسماة بكهوف الدكاكين في محافظة النجف الى اكتشاف كتابات سريانية قد تكون اشارة الى تواجد موقع لدير ومجمع رهباني خلال العهد الساساني ومن المحتمل ان يكون هذا التواجد قد استمر في الفترات اللاحقة
يقول البروفسور امير حراق ان هذه الكتابات السريانية تعكس تاريخ المسيحية السريانية في عراق مابين النهرين الى حد ما. ذلك ان المسيحية في العراق ترعرعت ونمت منذ القرون الميلادية الاولى بادابها وبفنونها وخصوصياتها المعمارية. لقد شهد جنوب العراق بشكل خاص نموا مسيحيا قويا الا انه عاين اضمحلال وزوال المسيحية هناك في ظروف غامضة بعض الاحيان ما بين القرن 12 والقرن 14. وتؤكد المصادر الاسلامية نفسها وعلى سبيل المثال كتاب الديارات للشابشتي(23) على وجود قوى وكثيف للمسيحية في المناطق الجنوبية من العراق اذا اخذنا بعين الاعتبار فقط اعداد الاديرة(24) التي تعتبر شبه قلاع والتي يشير اليها الكتاب الانف الذكر بشئ من التفاصيل.. مما يؤكد على ان العديد من الكتابات السريانية مازالت مدفونة في جنوب العراق وتقتضي الضرورة اجراء التنقيبات العلمية للعثور على هذه الثروة وهذه الكنوزالتي لاتقدر بثمن كما حدث بالنسبة لمدينة تكريت والتي تعتبر وجها اصيلا اخرا ونجمة ساطعة اخرى يضافان الى تأريخ وسماء العراق المجيد
ويخصص الكتاب فصلا كاملا عن الخطوط السريانية التقليدية الثلاثة والتفاوت في اساليب كتابة الخط الاسترانجيلي او المربع الانيق والخط اليدوي الجاري بنمطيه الشرقي المسمى بالكلداني والغربي المستقيم المعروف بالصراطو
ويؤكد العلامة العراقي ابن مدينة الموصل ام الرماح بان هذه الكتابات السريانية ان دلت على شي فهي تدل على ان الكتابات السريانية نقلت اللغة الارامية بامانة وبشكل مستمر منذ الاف السنيين وحتى يومنا هذا وانه لامر استثنائي بل فريد من نوعه في جميع اللغات العالمية ان تكون هذه اللغة استمرت بشكلها الكلاسيكي المكتوب والمنقوش منذ بداية الالفية الاولى قبل الميلاد وحتى بداية القرن الواحد والعشرين بدون ان يطرا عليها اية تغييرات باللفظ او النحو منذ القرون المسيحية الاولى. وكذا الامر بالنسبة للغة السريانية العامية الموثقة في المخطوطات او في الكتب الطقسية الموغلة في القدم والتي مازالت تستخدم في الكنائس السريانية
واضافة الى استمرارية التعامل والتحدث باللغة الارامية منذ الاف السنيين فان الانماط والاساليب الادبية والاوزان الشعرية هي الاخرى لم تتغيير منذ فجر التاريخ ويدعم البروفسور امير حراق كلامه هذا بكتابات شعرية منحوتة في واجهات احدى الكنائس في مدينة الشهداء الحمدانية او قره قوش والتي تستخدم نفس الاوزان الشعرية السومرية والتي يعود تأريخها الى الالف الثالث قبل الميلاد مما يدل بشكل قاطع على ان العراق جسد واحد بقلب واحد ينبض ملء الافاق بالحيوية والعطاء من شماله الى جنوبه ومن مشارقه الى مغاربه وان العراقيين لحمة واحدة وان كره الكارهون
ويضم المجلدان كنوزا لاتعد ولاتحصى من الكتابات والنقوش السريانية المرفقة بالصور الاصلية والتي تعتبر وثيقة غاية في الاهمية تؤكد وحدة العراق ارضا وشعبا وحضارة
كلمة اخيرة
ان العمل الجبار الذي اكمله الاستاذ امير حراق والذي استغرق بضعة سنين كان سعيا مشكورا بالرغم من كونه ليس الاول من نوعه ذلك ان العديد من الكتابات كانت قد نشرت ابان الحكم الوطني في العراق على شكل شذرات ومقتطفات وخاصة ضمن مؤلفات القس بطرس حداد والقس حنا فيي الدومنيكي والعلامة العراقي المرحوم يوسف حبي وغيرهم اضافة الى ان المجلدين لم يغطيا الكتابات السريانية المعروفة كلها في العراق اذ لاتزال هناك العشرات من الكتابات السريانية المنحوتة او المنقوشة والتي تتواجد في البيوت العراقية خاصة في مدينة الموصل ومحلة القلعة والمياسة والميدان بالذات واخص هنا بالذكر كتابات سريانية قديمة كرشونية عربية لكنها مكتوبة بالابجدية السريانية في احد البيوت الموصلية في محلة المياسة تتحدث عن نبذ العاجلة دار الفناء وتحث على الاعداد لدار البقاء واخرى كلاسيكية منحوته على مرمر الموصل متواجدة في دار كاتب هذا المقال وكتابات اخرى تم اكتشافها اثناء عمليات ترميم اجريت في محلة الميدان في الموصل القديمة
ويبقى العراق العظيم رحما ولودا بابنائه وبابداعاته وبسخاء ما قدمه للبشرية وهذا هو قدر العراقيين على مر العصور
الهوامش والتعليقات
(1) لقد صدرت مؤخرا مجلدات اخرى تتناول النقوش السريانية في كيرالا الهند فيما يجري الاعداد حاليا لتوثيق ونشر الكتابات السريانية المنقوشة والمنحوتة في كل من لبنان وسوريا ومصر وفلسطين والاردن وايران اضافة الى قبرص وتركيا والقارة الاوروبية
(2) الحواري معناها الناصع البياض وهي كلمة سريانية تعني الابيض والحواريون هم رسل السيد المسيح وقيل سموا كذلك لخلوص نيتهم ونقاء سريرتهم
(3). وتتضارب الاراء حول مكان اشتشهاد الرسول توما وكما هي العادة عبر التاريخ فان الجميع يريد ان يكون ضريح الائمة في مدينتهم وهناك موقعان لقبر الرسول الفلسطيني توما. الاول في مقاطعة ملبار الهندية غربا والاخر في كاتدرائية مار توما في جناي شرقا كما اسلفنا
(4) تكريت هي حاضرة الكنيسة السريانية الارثوذكسية. كانت كرسيا اسقفيا كبيرا لليعاقبة سكنها في الجاهلية بنو اياد وبنو تغلب النصارى واشتهرت في العهد العباسي بقلعتها. هدمها تيمور لنك عام 1394، و هنا لابد وان نذكر ما كان لمدينة تكريت من اثر بالغ نظراً لكونها آنذاك مركزاً مهماً من مراكز المسيحية حيث كانت مقراً لمفارنة الشرق وهو منصب يلي منصب البطريرك، و مركز اشعاع حضاري، اعطت الكثير من الادباء والمفكرين واستمرت في عطائها ردحاً من الزمن ليس بقصير حتى تبدلت الاوضاع فيها و اضطر المفريان على نقل كرسيه الى الموصل، وهجرها معظم سكانها شمالاً باتجاه دجلة الى الموصل والقرى التابعة لها تخلصاً من الاضطهاد. الأب لويس شيخو اليسوعي يظن بأن اسم المدينة يأتي من اسم دجلة اليوناني. ويتبنى الأب انستاس الكرملي في خلاصة تاريخ العراق هذه الفكرة. وكذلك بالنسبة للمطران بولس هندو في كتابه (مفارنة المشرق) إذن تكريت بالنسبة لهؤلاء المؤرخين هي مختصر كلمتين لاتينيتين (كاسيلوم تكريديس) اطلقهما الرومان على احدى القلاع العظيمة التي شيدوها على الحدود الشرقية ضد الهجمات الفارسية. وترجمته الى العربية تعني (قلعة دجلة
ويقول المطران بولس بهنام (في مجلة المشرق وتاريخ الدولة الحمدانية للمستشرق كنارد) إن تكريت مدينة عريقة في القدم… كانت مركزا تجارياً مرموقاً، فازدهرت تجارتها ازدهاراً عظيماً، وحسبما يروي التاريخ العربي ان تجارها كانوا يجلبون التوابل من الهند ويبيعونها في هذه البلاد، حتى سميت المدينة نفسها تجريت ومعناها بالسريانية (المتجر
(5) غير مدينة بلد الواقعة 57 كم جنوب تكريت! بلد هذه تقع شمال غربي الموصل على طريق القوافل التجارية المؤدية الى سنجار ونصيبين وجزيرة ابن عمر وعرفت باسم اسكي موصل،اي الموصل القديمة، يعود تاريخها الى (4500ـ 3800) ق. م. وسميت باسم ـشهر اباد ـ عند استيلاء الفرس عليها عند سقوط الدولة الاشورية سنة 620 ق. م. ومن اهم اثارها الباقية جسرها الحجري الذي لم يبق منه الا القنطرة الوسطى المبنية من حجارة الحلان
(6) الكرشوني هي اللغة التي تكتب بغير ابجديتها الاصلية اي عندما تكتب السريانية بالابجدية العربية او بالعكس او عندما تكتب السريانية بابجدية الملايالام لغة كيرالا الهند والكرشنة هي كتابة احرف عربية بلغة اجنبية وبالعكس والكرشوني كلمة سريانية معناها كتابة الالفاظ العربية باحرف سريانية
(7) وصبيان كنا نطوف مابين ثنايا تلك النقوش والرسوم نتأمل تلك الكتابات السريانية الرائعة المنحوتة في قبب الاديرة معلقة مابين الارض والسماء كثرايا طاهرة مطهرة لايمسها عفر الارض او زمهرير الصقيع كعقود لؤلؤ او كدانية علينا ظلالها وذللت قطوفها تعانق اقواس الكنائس او تزين الواح المقابر وكانها فأل خير ورحمة للمؤمنين او قل طلاسم محفورة في جلدنا العراقي نحملها اينما حللنا تماما كالايات القرانية المباركة في الجامع النوري اوفي جامع نبي الله يونس المنحوتة في صدورنا او مثل الكتابات المسمارية التي طالما انبهرنا بجمالها ونورها المبعثرة في التلول وعلى اسوار نينوى المجد وهي منا وفينا وكأنا فهمنا معانيها وفككنا اسرارها وكيف لا او يحتاج البنون لوسيط يترجم نظرات ام حنون او لتفسير معاني رنة نواقيس الموصل او تكبير الجوامع وهي تحيي على الجهاد.. حقا بعض هذه الكتابات تجعل الحجر الجلمود صلوات وترانيم تسبح الرحمن بكرة واصيلا
(8) غزا نادر شاه كركوك واربيل وفي الايام الاخيرة من شهر ايلول وصل الى مقربة من الموصل وفرض حصارا عليها , والواقع ان حصار الموصل يختلف عن الحصار بغداد الاول فقد اكتفى هذا الايراني اثناء حصار بغداد بتطويق المدينة ومنع التموين بغية تجويع السكان اما في حصار الموصل فكان اعتماده بالدرجة الاولى على شن الهجمات وقصف المدفعية وتقول المصادر التأريخية انه سلط على الموصل زهاء مائتي مدفع ظلت تمطر المدينة بقنابلها ليلا و نهارا. لقد دام الحصار اثنين واربعين يوما!!! القى فيها على مدينة الموصل البطلة مايزيد عن الاربعين الف قنبلة وشن عليها خمس هجمات. لقد دافع اهل الموصل عن بلدتهم دفاعا بطوليا وكانوا قد اقسموا على ان يقتلوا نساءهم في حالة دخول الاعداء البلدة لئلا يقعن في ايدي الفرس. ويروي القس سليمان صائغ الموصلي ان اهل الموصل عزوا انتصارهم على المجوسي نادرشاه الى شفاعة مريم العذراء والقديسين الذين هدم نادرشاه اديرتهم ومعابدهم وشوهد على سطح كنيسة العذراء الطاهرة الواقعة على نهر دجلة اشباح يدافعون عن البلدة ويمنعون عنها القنابل اذ يردونها جهة الغزاة الفرس ولهذا سعى الحاج حسين الجليلي حاكم الموصل الى تجديد كنيسة مريم العذراء الطاهرة التي تهدمت خلال العدوان كما جدد ورمم كنائس اخرى. انظر سليمان صائغ، تاريخ الموصل ج1 ص 282 – 288 القاهرة 1923
(9) وما اشبه اليوم بالبارحة فان عصابات البشمركة المدعومة من قبل العدو الصفوي المجوسي قامت بابشع الممارسات الوحشية بعد الاحتلال الصليبي الصفوي الصهيوني ولا زالت ضد العراقيين المسيحيين وغيرهم من العراقيين مثل الاخوة الشبك واليزيدية حيث قاموا بتفجير الكنائس بهدف ارهاب العراقيين المسيحيين وطردهم من مناطق اجدادهم الاصلية وتهجيرهم خارج العراق وتغيير المنظر والواقع الديموغرافيين في بلاد ما بين النهرين المجيدة وتسكين قبائل ايرانية وتركية همجية مكانهم
(10) الشهيد صدام حسين اثر احدى زياراته لمدينة الحمدانية اطلق عليها اسم مدينة الشهداء بسبب قوافل الشهداء الذين قدمتهم البلدة قرابين زكية اثناء العدوان الفارسي في القادسية الثانية المجيدة
(11) الشهيد مار بهنام واخته سارة استشهدا على يد ابيهما المجوسي لانهما رفضا عبادة النار والاسم بهنام معناه : الاسم البهي
(12) هي اللغة التركية القديمة
(13) ليس من حق احد احتكار كلمة اشوري اوتسمية كلداني فكلنا في العراق خرجنا من نفس رحم هذه الارض والاختلاف في الانتمأات الدينية وفي المذاهب لايقدم ولا يؤخر فهناك اشوريون وكلدان مسيحيون ولهم اخوة مسلمون ويزيدية وصابئة اشوريون كذلك.. جبلوا من نفس الطينة ومن نفس غرين ولبنة دجلة والفرات
(14) برطلة قرية تبعد20 كم شرقي الموصل سكتنها من السريان يتكلمون الارامية
(15) كرمليس تابعة لقضاء الحمدانية. تاريخ البلدة يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة وتشتهر بالكثير من الأحداث التاريخية وأشهرها المعركة الكبيرة التي دارت بين الأسكندر المقدوني وداريوش الثالث
(16) تلكيف ومعناها تل الحجر وكيبا او كيفا بالسريانية تعني الحجر
(17) بعشيقة قصبة من اعمال قضاء الشيخان معناه في السريانية بيت المظالم
(18) با حزاني اصلها سريانية : بيث حزواني اي بلدة الرؤى و الاحلام
(19) سمي بجبل الفاف نظرا لالاف الرهبان والنساك الذين كانوا يتعبدون في صوامعه
(20) القوش او القوس هي مدينة النبي ناحوم الذي اسره الاشوريون اثناء احدى حملاتهم على قطاع الطرق العبران في فلسطين. تكنى بام القرى المسيحية السريانية انجبت الالاف المؤلفة من الكتاب والفنانيين والاحبار والخطاطين ومازالت المخطوطات التي كتبت او تم استنساخها في هذه القصبة الشهيرة تزين مكتبات العالم في زوايا المعمورة الاربع في بريطانيا وامريكا وشبه القارة الهندية
(21) وفي شهر تشرين اول من العام الفين وبمناسبة الذكرى الالفية الثانية لميلاد المسيحية في العراق اقام الحكم الوطني مهرجانا دوليا وندوات ثقافية ولقاات فنية في منطقة كوخي بالذات لاحياء الذكرى الالفية الثانية لانتشار المسيحية في العراق العظيم ارض الانبياء وقد حضر كاتب هذا المقال قسما من هذه الاحتفالات على رأس وفد جامعي اوروبي التقى خلالها بالمثلث الرحمات البطريرك روفائيل بيداويد الذي اشاد اثناءها بالتسامح والامن والوفرة اضافة الى الدعم المعنوي والمادي الذى كان العراقيون ينعمون به ايام الحكم الوطني تحت ظلال حكم البعث وبقيادة الشهيد القديس صدام حسين
(22) يقترن اسم كنيسة كوخي تأريخياً بأستشهاد الآلاف من العراقيين المسيحين الاوائل في العهد الساساني وبالتحديد زمن الاضطهاد الاربعيني الذي شنّه شابور الثاني الملقب “بذي الاكتاف”، و الذي راح ضحيته الكثير من الشهداء و على رأسهم الجاثليق مار شمعون برصّباعي ورفاقه في حدود سنة 341 م
(23) كتاب الديارات من تأليف ابو الحسن علي بن محمد الشابشتي. كان اديبا فاضلا حلو المعشر لطيف الفطرة. ذكر فيه أديرة في العراق والشام والجزيرة والديار المصرية ونقل بعض الاشعار التي قيلت فيها وتوفي في مصر 390 هجرية/998 ميلادية
(24) وفي مجال الحديث عن الاديرة يقول رشيد الخيون مؤلف كتاب “الاديان والمذاهب في العراق” انها كانت مظهراً من مظاهر العراق الحضاري والثقافي على مّر العصور، ولاتزال مظهراً حضارياً بفن بنائها و عمارتها ومحتوياتها وكنوزها الآثرية والثقافية وحفظها للتراث.