اعداد: نبيل يونس دمان
…….اغتاظ المفريان مدعيا ان ذلك جرى مكابرة عليه، وابطل الكرازة باسم البطريرك في المشرق، وانقطعت صلات الاتفاق بين يعاقبة المشرق والمغرب، ومع كل الذرائع التي اتخذت لعقد وصال الاتحاد لم ينقَد المفريان الى الكرازة باسم البطريرك.
فعول البطريرك يحيى ليستميل المفريان الى المهادنة والصلح على ان يبين تواضعاً يفوق كل وصف، فانه خرج من بلاد الروم واتى آمد، ثم تردّى ثياباً سوداً وقصد طور عابدين بزيّ راهب غريب حتى وصل تكريت. قال ابن العبري: فدخل ( البطريك بهذا الزيّ ) الى بيعة تكريت واستمرّ فيها زماناً. فاقتبله المفريان، وسأله من انت ومن اين اتيت، فاخبره انه راهب غريب من اقليم جيحان يتوق الى مشاهدة وزيارة المشرق واديرتها. ولبث ثمة نحو شهر منعكفاً على التراتيل والخدم الكهنوتية، فاحبه المفريان جدا، ولا سيما اذ عاين حلمه وتواضعه، ونعمة الروح التي افيضت عليه. وكانت ابرشية العرب في تلك الغضون قد ترملّت بموت راعيها، فعوّل المفريان على نصبه اسقفاً عليها، فابى متمنعاً، فاستحلفه المفريان ان يقبل هذا المنصب، اما هو فلم يزد الا إباء. ولما اصرّ قيّده بالحرم وصرّح له انه لن يحلّه حتى ينقاد الى طلبه. انتهى. فعوّل البطريرك يحيى إذ لم يقدر على تحمل صرامة هذه المعاملة القاسية على ان يبيّن نفسه قائلاً: انا هو يحيى تلميذك الذي نصبني الغربيون بطريركا بدون رضاهم، وقد اتيت اليك لتصلّي عليّ، وانا مستعد لإجراء ما تامرني به. اما ما كان من المفريان لما سمع هذا الكلام فانه اخذته الحيرة والاندهاش ولبث منخطفاً غائباً عن وعيه. وبعد ان تيقّن صِدق مقالهِ وعرفه رفع صوته باكياً وجثا على ركبتي البطريرك، وقبض على رجله اليمنى ليقبّلها طالباً العفو منه.
وأدى المفريان حق الحرمة والمروءة بل المعروف للبطريرك مكافأةً لتواضعه فانه امر حالاً ان يلبس ثياباً لائقة ثم تهيا للسفر، وقصد دير جبرائيل اسقف قرطمين، وكان هذا قد امتنع ايضا عن الكرازة باسم البطريرك لان الاساقفة لم يدعوه الى السياميذ. فسعى المفريان بمصالحته مع البطريرك ومن يومئذ شرع بالكرازة باسمه. وبعد ان قضى المفريان هذه المهمة على احسن منوال ودع البطريرك، وعاد الى تكريت.
من كتاب ” ذخيرة الأذهان” تاليف القس بطرس نصري
nabeeldamman@hotmail.com
February 16, 2022