زوعا اورغ/ تقرير : حنان اويشا
تعتبر الاعياد أياماً مغايرة يُحتفل فيها بذكرى أحداث ومناسبات مهمة وعزيزة تختلف في ممارساتها وطقوسها باختلاف الامم والمجتمعات، وعلى مر العصور باتت من الشواهد المميزة وسمة من سماتها التاريخية والثقافية. اذ لايخلو مجتمع انساني منها والعكس صحيح ايضا فلا اعياد دون مجتمع أي كان نمطها دينية وغير دينية ، وما تضيفه تلك الاعياد عامة من اهمية هو ذلك الطابع الاجتماعي الذي يبرز خصائص مجتمع ما دون آخر ليبدو واضحاً هنا الاختلاف في سبل وطقوس الاحتفال بكل عيد منها.
“عيد السعانين” أو عيد “الشعنينة ـ أوشعنا” ويسمى ايضا “أحد السعف”، يعد أحد أهم وأكبرالاعياد الدينية التي يحتفل بها المجتمع المسيحي المشرقي عبر مراسم وطقوس تعكس معاني المناسبة ودلالاتها، حيث يتم الاحتفال به في يوم الاحد السابع من الصوم الكبير والاخير قبل عيد الفصح (عيد القيامة) ويطلق عليه ايضا أحد الآلام لارتباطه ببداية آلام ومعاناة السيد المسيح عليه السلام التي أدت بالنهاية الى صلبه.
ويقوم الكهنة في هذا اليوم بمباركة أغصان شجر الزيتون وسعف النخيل وتوزيعها على المؤمنين الذين يحملونها ويلوحون بها في مواكب تطوف داخل الكنائس وخارجها معربين عن بيعتهم بطريقة رمزية تيمناً بالدخول الاحتفالي للسيد المسيح عليه السلام الى مدينة أورشليم وسط جمع غفير من الشعب الذين فرشوا ثيابهم أمامه وآخرون قطعوا اغصان الشجر وطرحوها في طريقه.
في العراق.. احتفل المسيحيون وبحسب التقويمين الغربي والشرقي بهذه المناسبة المباركة بأبهى صورها، حيث أقيمت القداديس الالهية في اغلب كنائس المحافظات العراقية التي يتواجد فيها المسيحيون. كما شهدت مناطق عديدة احتفالات ومراسم مهيبة شارك فيها اعداد كبيرة من ابناء تلك المناطق والى جانبهم ابنائها القادمين من خارج الوطن وداخله.
ففي بخديدا (الحمدانية) بعد أقامة القداديس في كنائس المدينة، أحيا الآلاف من ابنائها يوم 24/3/2024 عيد الشعانين عبر مسيرة جماهيرية كبيرة انطلقت من كنيسة الطاهرة الكبرى بحضور غبطة البطريرك اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية في العالم وبمشاركة جميع فئات المجتمع البخديدي وابناء المدن المجاورة والمغتربين القادمين من دول المهاجر. تقدمت المسيرة مواكب مثلت مدارس المنطقة والأخويات والجوقات الكنسية متزينين بالملابس الشعبية الفلكلورية وحاملين علامة الصليب المصنوع من اوراق الزيتون ليعكسوا للعالم رسالة المحبة والسلام التي نادى بها السيد المسيح معربين عن اصرارهم للبقاء في بلدتهم رغم كل المآسي التي عاشوها وآثارها المؤلمة في نفوسهم لكنهم باقون فيها كابناء للرجاء والامل بالآتي.
اما في “عنكاوا” فقد اقام الاباء الكهنة يوم 24/3/2024 القداديس الالهية في كنائس عديدة في البلدة، كما نظمت إيبارشية اربيل الكلدانية عصر يوم 23/ آذار مسيرة السعانين التي انطلقت من أمام مزار مارت شموني. تقدم جموع المؤمنين المشاركة سيادة المطران مار بشار متي وردة راعي الايبارشية ومار نثنائيل نزار راعي إيبارشية حدياب للسريان الكاثوليك وممثلين عن المؤسسات والفعاليات الرسمية في عنكاوا ، حيث أنشد طلاب مركز التعليم المسيحي التابع للإيبارشية ترانيم السعانين مع حشود المؤمنين لتقام الصلوات عند الاختتام في مزار مار إيليا.
وفي “القوش” أقيمت صباح يوم 24/3/2024 مراسم مهيبة ايضا بالمناسبة بحضور سيادة المطران بولس ثابت حبيب راعي أيبارشية القوش الكلدانية والاباء الكهنة والرهبان، حيث تجمع الآلاف من ابناء البلدة في ساحة مطرانية القوش متزينين بملابسها الفلكلورية، وبعد ترتيلة قدمها طلبة المدارس بالمناسبة انطلقت مسيرة السعانين مروراً بشوارع المدينة وحتى الساحة المجاورة لدير السيدة، لتختتم المراسم بقراءة نص من الانجيل وتقديم البركة الالهية من قبل راعي الايبارشية والاباء الكهنة مباركين ايضا (تخراثا داوشعنا ـ خبزالسعانين) التي أعدتها نساء القوش المنضويات في تجمع “لقاء المرأة” لتوزع على المشاركين في اجواء احتفالية بهيجة. وما تميز به احتفال القوش هذا العام هو تواجد اعداد كبيرة من المغتربين الذين اضافوا له روح الانتماء الى بلدتهم واعتزازهم بمجتمعهم وموراثاتهم مهما ابعدتهم الظروف والمسافات.
وفي “تللسقف” أقام سيادة المطران بولس ثابت حبيب راعي الايبارشية القداس الالهي صباح يوم 24/ 3/ 2024 في كنيسة ماركوركيس بمشاركة عدد من الاباء الكهنة لينطلق بعدها احتفال الاهالي في أزقة البلدة بزيهم التراثي مرددين الترانيم الكنسية.
وشهدت قرى منطقة “نهله” يوم 27/ نيسان/ 2024 مسيرة احتفالية بالمناسبة بحسب التقويم الشرقي القديم، شارك فيها عدد كبير من ابناء المنطقة يتقدهم المطران مار يعقوب وعدد من الآباء الكهنة ومجموعات تزينت بالملابس التقلدية واخرى حملت الشعارات والرموز الدينية، كما كان لشبيبة كشافة “حمورابي” التابعة لاتحاد الطلبة والشبيبة الكلدواشوري مشاركة مميزة في الاحتفالية.
اما في “برطله” فقد أقيم قداس السعانين في كنيسة مارت شموني يوم 28/4 ليخرج بعدها اهالي البلدة في مسيرة السعانين التي نظمت برعاية نيافة الحبر الجليل مار طيماثاوس موسى الشماني رئيس إيبارشية دير مار متي وتوابعها للسريان الارثوذوكس، وشارك فيها عدد من الاباء الكهنة والخوارنة الاجلاء والمؤسسات الكنسية وجمع كبير من ابناء المدينة الذين عكسوا اعتزازهم بتراثهم بارتداء الزي الفلكلوري البرطلي، سائرين عبر شوارع المدينة ومرددين الترانيم والتراتيل التي جسدت المعاني الحقيقية للمناسبة. لينتهي بهم المطاف في حديقة المركز الثقافي لكنيسة السريان الارثوذوكس حيث اكمال البرنامج المعد بالمناسبة.
ان شغف احياء هذه المناسبات ما هو الا دلالة وبرهان واضح يقدمه المسيحيون بكل انتماءاتهم ومذاهبهم بانهم ابناء اصلاء لبلدهم، وايمانهم العميق بعقيدتهم القائمة على رسالة المحبة والسلام التي دعا اليها السيد المسيح عليه السلام، وبانهم حريصون رغم كل التحديات التي يواجهونها لصوّن كيانهم وهويتهم الدينية والثقافية.