ها نحن في هذه اللحظات من فواصل زمن يمضي.. وآخر يأتي، نستعد لشطب آخر يوم في هذه السنة 2024 من على التقويم المعلق على جدار الغرفة، ونحن طوال أيام الأسابيع.. والأشهر.. والسنوات.. نمضي وفي أعماقنا أحلام وأمنيات.. مسرات وأحزان.. و.. و.. و.
ورغم كل ما تترك هذه الانفعالات – سلبا أو إيجابا – في أعماقنا من الآثار، إلا أننا نستمر بوعينا مع الحياة، نمضي مع الزمن.. نتأمل كل يوم عن تاريخ يمضي وتاريخ يأتي، نراجع أنفسنا.. ماذا جنينا.. وماذا قدمنا، ونحن نحاور أنفسنا مع الآمال والأحلام وما تم تحقيقه وما لم يتم، على أمل أن نحققه في الأيام القادمة من العام الجديد، ونسعى بأن لا يمر العام الجديد إلا وقد حققنا الكثير من طموحاتنا وأحلامنا، وبنينا لمزيد من السعي والنجاح لمقبل الأعوام الآتية، ليكون لنا هدف نواصل تحقيقه على دوام مسيرة الحياة، لكي لا يدب الملل.. والجمود.. والرتابة في حياتنا، ونحن نمضي من عام إلى عام جديد، لأن الحياة ليست مجرد سنين نشطب أيامها من فوق جداول التقويم المعلق على جدار الغرفة بقلم الرصاص، وفيها ما يمضي من أعمارنا فحسب، لأن الحياة عمل.. وكفاح.. وسعي إلى النجاح وتحقيق الآمال بجهد.. وجد.. وصبر.. وأمنيات لمواصلة العطاء والبناء من اجل حياة أفضل من الأمس الذي طويناه من صفحات العام الذي مضى، فلنعش ولنستقبل السنة الجديدة بآمال مشرقه.. وبقلوب صافية.. وبنوايا طيبة مع التسامح والتآخي وعلى أمل بأن نرى ونجد من كان معنا سيبقى معنا وبجانبنا في السنة الجديدة يعاضدنا ويشجعنا لإنجاح مسيرة حياتنا القادمة.
لنجعل أول أيامنا القادمة من العام الجديد وقفة تأمل ومراجعة، نعم.. نحن نعيش في هذه اللحظات نودع عاما.. ونستقبل عاما جديدا، عام يمضي من عمر الزمن.. ومن عمر الإنسان، ليضاف إلى سجل التاريخ بأحداث تكتب على صفحاته بما مضى، تاركا لنا ذكريات بشتى أشكال وألوان.. أوجاع وأفراح.. نجاحات وإخفاقات.. ومع زمن الأرض نمضي.. دون توقف ودون إشارات تحذرنا عن اتجاه مسارات الحياة وما فيها من انحناءات.. وانزلاقات.. ومطبات.. وانجرافات.. وانحرافات، أو عن اتجاه مسار آمن.. وهدوء.. وصفاء.. وسلام، ليأخذنا إلى يوم جديد.. نواجه فيه لحظات دخولنا العام الجديد بمشاعر.. وأحاسيس.. كتلك التي واجهناها في مطلع كل عام، إثر نهاية عام.. وبداية دخولنا إلى العام الجديد، لنجعل أول أيامنا القادمة من العام الجديد وقفة تأمل.. ومراجعة.. ومحاسبة لأنفسنا على ما فعلناه وما قدمناه خلال العام الذي مضى، ولنسارع طلب السماح لمن أخطأنا بحقه، ونستعد لتغيير ما يلزم تغييره في أنفسنا أولا وفي المجتمع ثانيا.. وضبط.. وإرشاد بعض من سلوكيات وعادات ومن مظاهر سيئة انتشرت وتنتشر في مجتمعنا من التمييز.. والعنصرية.. والطائفية.. والتخندق المذهبي.. والقومي.. والديني، و من مظاهر التعصب.. والتطرف.. والقتل على الهوية.. والسرقة.. والرشوة.. والكذب.. والنفاق.. والخيانة.. والخداع، لنتخلى عنها بوعي وبيقظة الضمير، ولنصحح من العادات والتصرفات التي لا جدوى منها سوى خلق مزيد من الخلافات التي لا تعود علينا ولا على المجتمع الذي نعيش فيه بالمنفعة، ولنعاهد أنفسنا على الالتزام بالأمانة.. والصدق.. والإخلاص.. والوفاء.. واحترام الآخر، وليضع كل واحد منا هدفا في حياته يسعى لتحقيقه خلال السنة القادمة، برغم الألم الذي سيطر علينا مما يسود في مجتمعاتنا من حالات التمييز.. والإقصاء.. والعنصرية.. والقتل.. والتهجير.. والاغتيالات.. ومحاولة جرجرة البلاد لحالة من الفوضى وعدم الاستقرار من الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم للمستعمر.. والمحتل الغادر.. أو من اجل مال حرام، وليكن الأمل لغد أفضل هو الحالة التي يجب أن تسيطر على عقلية كل أبناء الشعب في ربوع البلاد، برغم ما حدث من تجاوزات نتيجة فقدان الأمن والأمان ومن محاولة تهجير.. وتشريد.. ونزوح المواطنين، والتي أدت إلى ترك منازلهم وبلادهم.
أين نحن من هذا العالم
ومع كل ما حدث.. ويحدث.. إلا أن ذلك لم يمنعنا بأن نظل متفائلين بغد أفضل ليمحى آثار السنوات الماضية ويرد الشعب كرامته.. ومجده.. وثقافته.. وإنسانتيه.. ووطنيته.. وطيبته، لأننا مع كل إطلالة لعام جديد، فإن الزمن لا محال يحملنا إلى رقم جديد لتاريخ عام جديد نؤرخ فيه قصص وحكايات.. حب ومغامرات.. حروب وثورات.. فشل ونجاح.. صراعات وأزمات.. احتجاجات وتناقضات، متاعب مجتمعية لا أول لها ولا آخر، فساد يسحق الفقراء.. وعدم مراعاة مشاعر وحاجات الأرامل والأيتام والمساكين والمعاقين.. ومن مال السحت والحرام أثرى سماسرة وساسة الحروب وتجارها، ثراءً فاحشا. معضلات مجتمعية تتكالب بأمراض السياسة التي تسحق ثقافة المجتمعات وقيمه الإنسانية الأصيلة، معضلات لوثت عالمنا الشرقي وفي المدن العربية بالعبثية.. والفوضى واللامبالاة، ليلتمس كل واحد منا ما يسود من حالة الشلل في المجتمع، بقوة طغاة الأحزاب والتيارات الدينية الشوفينية والطائفية المتطرفة، التي لا ترضخ لقوانين العدل والعقل والمنطق والحكمة بعد إن اصطدمت كل العلاجات والوصفات للحد من تغولها في مجتمعاتنا الشرقية، ووضع حد لها أو احتوائها، ليؤرخ العام الذي طوينا صفحاته بانتهائه كسابق الأعوام العجاف التي مرت على شرقنا في العقود الأخيرة، فلا إصلاح ولا تغيير سياسي ومجتمعي يذكر تأثيره على مستوى الثقافي والحضاري، أو على مستوى حضور ثقافي وعلمي، كمجتمعات شرقية نحتل موقعا من هذا العالم. فأين نحن من هذا العالم؟، وعالمنا الشرقي منهك بالصراعات.. والفتن المذهبية والدينية.. والاضطرابات والانقسامات العربية – العربية، ليبقى الإنسان في المدن العربية وهو يعيش مناخ خوف وضياع وقهر وخذلان وحروب وتهجير وقتل واستبداد.. وإقصاء.. وتهميش وتميز وفقر وفساد وسوء الخدامات لا اقتصاد ولا صناعة ولا زراعة تذكر.. وتخلف وإهمال بتعمد لحل قضايا مجتمعية، وما بالك بالقضايا المصيرية للأمة!.
ومع كل هذه الإنكسارات والانتكاسات مجتمعية لواقعنا الشرقي، يبقى الإنسان في المدن العربية متطلعا ومنتظرا زمن (العام الجديد) لإحداث تغيرات ووأفعال عملية تتخطى سلبيات ما مضى لتكريس الفهم العلمي والحضاري لغلق مساحة التي غاب عنها العقل والحرية والعدالة بعد أن اتسعت آفاق الشرق بثقافة الرجعية الأصولية المرعبة، فمواجهة مرارة هذا الواقع، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.. ضرورة مجتمعية، تطرح نفسها في مقدمة أمنيات كل مواطن شرقي حريص لبناء أمته بناءً حضاريا مزدهرا مع بداية العام الجديد لمواجهة هذه التحديات التي لا بد من مواجهتها عاجلا أو آجلا.
طوبى لمن سقى واستقى من ماء المحبة
نعم إننا الآن وفي هذه الفواصل من لحظات نهاية العام وبداية العام الجديد نمضي مع أولى يوم من العام الجديد لنتذكر في هذه اللحظات كيف استقبلنا العام الذي طويناه خلفنا وها هو اليوم يرحل كسائر الأعوام التي سبقته، ليحل عام جديد آخر وكلنا على يقين بأن العام الجديد سيكون أفضل بإقامة حكم القانون لأوطاننا الشرقية الطاهرة، لتطوي من كل الأوطان الصفحات السوداء التي عاشتها شعوب منطقتنا الشرقية، ليأتي عام جديد يكون عبرة لأصحاب النفوس السامية والهمم العالية، فيها يتذكر الإنسان صاحب العقل المميز، أن الليالي والأيام خزائن الأعمال، وأن بداية كل عام هي بداية للعد التنازلي من العمر، فليمضيه كل واحد منا بما هو خير له ولأمته ووطنه.
فطوبى لمن سقى واستقى من ماء المحبة.. لأن (المحبة) وحدها تعيش. وطوبى لمن علم وتعلم الحب، لأن (الحب) وحده يعيش، في كل لحظة من لحظات عمرنا وفي هذه اللحظات من فواصل زمن يمضي.. وآخر يأتي، ولا بد من وقفة مع الذات، فالحياة كأرض إن أجدنا حرثها وزرعها ابتعد عنها التصحر، كذلك هي عقولنا إن أجدنا حرثها بالفكر والعلم والتربية أبعدنا عنها التخلف.. والجهل.. والأمية التي هي من تسبب لنا ولأوطاننا أوجاع لا أول لها ولا آخر، بتصاعد وتيرة الفساد والعنف والإرهاب والقتل وطغيان العنف والكذب والنفاق.. بعد أن يصبح (الجهل) وباء يدمر البشرية.. و(الأمية) تصبح عبثا، وهي من المسببات التي أوصلت مجتمعاتنا إلى اللامبالاة والعبث والتي كما شاهدناه والتمسنا أوجاعها في الأعوام الماضية من قتل ودمار وخراب وانتشار الإرهاب والفضائح التي ارتكبها بما يندى له الجبين، وكل ذلك حدث نتيجة قصور التنشئة والتربية السليمة التي هي من الأسس الرئيسية في بناء الضمير والأخلاق الفاضلة ليكتسب منها الطفل وأفراد المجتمع العلم والمعرفة لبناء قدراتهم العقلية، والتي تنمي في ذات الإنسان الخبرة الحياتية، ليتم من خلال ذلك التمييز بين فعل الخير والشر، لأن الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء، فتلقي الإنسان العلوم والتربية والمعرفة هو الذي يملأ صفحة العقل بما يكتسب وبما يتعلم، ومن هنا يأتي دور (الأسرة) و(المدرسة) في تقوية أنشطة العقل لدى الإنسان منذ نعومة أظافرة، ليتم له بناء تصوراته في الحياة بعد أن تتوسع دائرة المعارف والإدراك عنده، فيستطيع بعد ذلك التمييز بين الأسود.. والأبيض.. والشر.. والخير، لتعكس طريقة تنشئة الإنسان وهو طفل في سلوكه وتصرفاته سلبا أو إيجابا، وكلما كانت التنشئة سليمة كلما كانت أفعاله سليمة توازي قيم الإنسانية النبيلة، لأن بناء شخصية الإنسان السليم (صنعة) يتم بنائها بوسائل التربية والتعليم، ليتم بناء العقل بالعلم والمعرفة التي هي ثروة الإنسان السليم، فبناء عقل الإنسان (صنعة) كلما أحسنا بنائه.. كلما أحسنا بناء إنسان خير ينعم بطيبة قلبه إزاء إخوته من أبناء مجتمعه ووطنه.
لنجعل منازل الأسر ومدارس الدولة ورش لتصنيع العقل السليم
ومن هنا علينا أن نجعل (منازل الأسر) و(مدارس الدولة) ورش لتصنيع العقل السليم لأبناء المجتمع، وكلما كان الصانع ماهرا وأجاد تعليم صناعته للآخريين.. كلما كان إنتاج صناعته مثمرة، بكونها تثمر.. وتنتج عقول نيرة تخدم المجتمع والوطن والأسرة، فيكونوا مدار فخر المجتمع والوطن بهؤلاء الرواد الذين تلقوا هذه الصنعة ليثمر إنتاجها لبناء الوطن ورفاهية أبنائه، وهو يقيننا بأن الذين حرصوا على تلقين الطفل التربية والأخلاق الفاضلة، ما هم إلا مبشرون للمحبة والسلام بعد أن استطاعوا مواصلة جهودهم الخيرة في التربية السليمة ليغرزوا من خلالها في نفس الإنسان نبتة الخير لتثمر ضمائرهم بالمحبة والخير والسلام.. لينعم بنو البشر بطيبها، فالذين يتلقون تربيتهم وفق هذا المنهاج – في المطلق – لا نتوقع منهم أن يأتي يوم عليهم فنراهم يرفعون السلاح بوجه إخوتهم من أبناء وطنهم.
وهذه هي فلسفة الحياة، علينا أن نتأمل معانيها ومفاهيمها ونأخذ بمعطياتها الفكرية الغنية بمعاني الحياة، لنبني.. ولنسير لتكملة مشوار عمرنا القصير بمعالمها الجمالية، ولنمضي قدما وبتغيير نمط حياتنا وسلوكنا إلى الأفضل، نأخذ مما مضى من عمرنا عبرة ونتعظ.. ولنباشر بزرع وبذر بذور المحبة والسلام والتعاطف والرحمة والإنسانية في مساحة كل الأرض التي نمر وسنمر عليها في قادم الأيام وحتى التي تصحرت، ونمد يدنا لتضميد جراحات الآخرين – مهما كانت – بروح من المحبة والتضامن، لنشارك معا لإحياء احتفالات ليلة رأس السنة بالفرح والسرور والمحبة والسلام.. والمغفرة، (مغفرة) كل من أخطأ بحقنا والاعتذار لمن أخطئنا بحقه، فالمغفرة والتوبة والاعتذار والعودة إلى الضمير إنسان الحي.. هي سمات الأخلاق وحسن التربية إنسان، رغم يقيننا ونحن نعيش في هذه الفواصل من عمر زمن ينتهي.. ليبدأ بصفحات عمر جديد.. بأننا لسنا أكثر المحتفلين بهجة وسرور، ولكن لسنا أقلهم مشاعر وإنسانية ورحمة، ولذا فإننا سنضيء شموعنا، شموع المحبة والسلام.. وشموعا للأمل والحب، وشموع لكل الذين رحلوا عنا واستشهدوا دفاعا عن أرض الوطن.
كلنا أمل بأن يكون العام الجديد عام التسامح وتقبلا للآخر
وما أحوجنا في هذه الفواصل من نهاية العام وبداية العام الجديد إلى إيقاظ هذا الضمير في ذواتنا وإحيائه، كما نباشر ونستعد في هذه الفواصل من عمر الزمن لإحياء ليلة رأس السنة الجديدة باحتفالات بداية العام الجديد، ففي هذه اللحظات سنترك محطة من العمر.. لنتجه إلى المحطة التالية من مشوار العمر.. وفي خلدنا أمنيات وأسئلة نحاور ذاتنا بما مضى.. وبما سيأتي.. وبما سيحملنا هذا العمر من مواقف وأحداث نجهل تفاصيلها، ولكن لا محال سنعيشها بآلامها وطيبها.. بأوجاعها وشدوها.. إنها أقدارنا وتجربة الحياة وسنخوض غمارها بكل مفردات الحياة، وهذا ما يدعوننا أن نقف بين فواصل هذا الزمن من عام يمضي.. وآخر يأتي.. متأملين وأعماقنا تمتلأ بأحاسيس ومشاعر ويقظة الضمير لاجتياز طريق الحياة وبكل ما يسعدنا ويسعد الآخرين بالخير والسعادة والصحة والأمن والسلام.. والسعي بطيبة القلب لإسعاد كل من سنلتقي بهم في محطات العمر القادمة بالحب والوفاء والصدق والإخلاص.
نعم إننا نودع عام ونطوي صفحتها ونستقبل العام الجديد، هذا العام الذي يغادرنا ونحن نضحك ونبتسم ونستبشر خيرا وأمنا وسلاما.. بقدوم عام جديد.
فدعونا نعيش.. دعونا نستيقظ.. دعونا نشارك العالم أفراحه و مناسباته.. دعونا في وحدة الشعب وتآخيه كجسد واحد لا تفرقوا بيننا.. دعونا كما أتينا إلى هذه الحياة أخوة وأصدقاء.
نحن أبناء هذا الشرق وهذا الوطن، ومن حقنا أن نعيش فيه، ومن حقنا أن نحلم فيه.. فهذه الأوطان .. هي أوطان للجميع.
نعم نحن الآن في الفواصل الأخيرة من العمر، زمن يمضي.. وآخر يأتي، وكلنا أمل بأن يكون العام الجديد وأبناء شعوب منطقتنا الشرقية أكثر تسامحا وتقبلا للآخر، وأن نحسن الظن بالآخرين، وأن تعم العدالة.. والمساواة.. والتآخي.. والديمقراطية.. والحرية.. وحب الوطن.. والإنسانية.. كل أرجاء العالم، وأن تنتهي الحروب.. ويعود المهاجرين والنازحين إلى منازلهم.. إلى أوطانهم.. وأن يعيش الشعب بالأمن والأمان والحب والتآخي والسلام.. والمحبة.