لطيف پولا
لو لم يكن ثمة تأثير لما حصل تغير , ولبقيت اللغات كما كانت . لكن لكل فعل رد فعل .مثلا كلمة : (كتاب ) نكتبها في السريانية ܟܬܳܒܳܐ (كتابا ) ونلفظها( كثاوا ) !! لماذا ؟؟؛ لماذا بقيت في العربية كما كانت ( كتاب( ولم يطرأ عليها اي تغير شأنها شأن كل الكلمات الاخرى .وحتى في السريانية اللهجة الغربية لم يحصل هذا التغير . لكن في السريانية اللهجة الشرقية اصبحت تلفظ ( كثاوا ) .وهكذا حصل تغير في لفظ كلمات اخرى كثيرة . الجواب هو : ان العربية كانت في الجزيرة العربية بعيدة عن تأثير لغات الغزاة ,حافظت على نقائها مما جعلها الأقرب الى اللغة
الأكدية من الناحيتين اللفظ والإعراب .في حين ان بلاد الرافدين تعرضت لغزو اقوام كثيرة كالفرس والمقدونيين والمغول والعثمانيين وغيرهم لتصبح اللغة السريانية لغة شعب مغلوب على أمره . والشعب المغلوب دائما يُقلد الغالب, ليس في اللغة بل حتى في ملبسه وتقاليده وثقافته .بسبب ذلك انتهت حضارتنا لأن الاقوام التي اغتصبت وطننا كانت اقوام غير متحضرة لم تواصل البناء الحضاري بل فرضت علينا لغتها وتقاليدها المتخلفة حتى غدت لغتنا لغة شعب مكسور ومُحطم اجبروه ان يتخلى وينسى حتى اسمه القومي التاريخي كسومري واكدي وبابلي وآشوري .وأطلقوا علينا اسماء شتى معظمها مُهين, مثل : فليحي ! , فلا , كَاوَر ـ وتعني كافر ـ , نصراني , مسيح ـ وليس مسيحي ـ وتركيفي ـ وليس تلكيفي ـ وغيرها. فإذا كان شعبنا قد ضيَّع هويته وقوميته وتاريخه ,ونُعت بهذه الاسماء المهينة كيف لا تتعرض لغته للتشويه والتخريب والصهر بالقمع والإضطهاد . وبتاثير لغات اولئك الاقوام الذين جعلوا من لغتهم اللغة الرسمية للبلاد وبمرور الزمن بدأ التأثير واضحا على لغتنا لتبتعد عن الاصل يوما بعد يوم وسنة بعد اخرى لتصبح لغة مكسورة ولتصبح كلمات مثل : كتابا تلفظ كثاوا . وآبا( أب ) تلفظ آوا . ديبا ( ذئب )تلفظ ديوا . كركو( قلعة ) تلفظ كرخو أو كرخا . بوراكا( بركة) تلفظ بوراخا .نَكپـا( خجول ـ محتشم ) اصبحت نَخپـا . مَكسا ( مكوس ـ جزية ـ ضريبة) اصبحت مخسا . مكيرا ( خطيب ) مكيرتا ( خطيبة ) تلفظ مخيرا و مخيرتا . گَنابا ( سارق ) تلفظ گًناوا . ركيب( ركبَ ) تلفظ رخيو . گـبّارا ( جبار ) = غبّارا . هگينا ( هجين ) تلفظ هغينا .حگيرا ( مَحجورـ ممنوع )اصبحت حغيرا . نَپـشا( نفس ) تلفظ نَـوشا . روپـشا( كتف )تلفظ روشا.سَپـسيرا ( سيف قصير )تلفظ سَوسيرا . وقس على ذلك ..كل هذا التغير في اللفظ سُمي ( روكاخا ـ والصحيح هو روكاكا) وتعني: تليين . والحقيقة هي عميلة (تشويه ) فرضتها الأوضاع القاسية التي ذكرناها لتصبح بعد قرون واقعا مفروضا ً لا مناص منه. ثم بدأ اللغويون يجارون ذلك الواقع المفروض وشرعوا يضعون قواعداً لهذا التشويه. لتبقى كثير من الكلمات في العامية اقرب الى الاصل مثل كلمة : (گـبّارا) وليس غبارا ,(وآبا ـ بابا) وليس (آوا ) وغيرها .
حصل هذا ايضا في كل اللغات التي وقع عليها تاثير مباشر وغير مباشر . سواء كان تأثير الغزو والاحتلال .كما حصل للغة الانكليزية بتأثير الرومان والنورماند والجرمان الذين احتلوا الجزر البيريطانيا .لذلك تجد فرقا كبيرا بين الانكليزية المعاصرة وبين اللغة الانكليزية التي استعملها الشاعر الكبير وليم شكسبير الذي عاش في القرن السادس عشر او التي استعلمها جيفري جوسر ابرز شاعر انكليزي عاش في القرن الرابع عشر . وثمة ايضا اختلاف بين اللغة الانكليزية التي تستعمل في بريطانيا من التي تستعمل في امركا او في استراليا او كندا كل ذلك جاء بسبب تأثير المكان والزمان أي بتأثير اللغات المحلية في تلك الاوطان على اللغة الانكليزية . ويأتي التغير في اللغة بسبب التأثير الحضاري كما كان للغة للسومرية والاكدية تاثيرا واضحا على لغات الشعوب المجاورة لها وحتى البعيدة منها . وتأثير اللغة الاغريقية على اللاتينية واللغات الاوربية من مصطلحات فلسفية وعلمية واضحا على معظم اللغات الاوربية .ومن ثم بسبب تأثير التقدم التقني والحضاري الاوربي على اللغات الشرقية بمفردات ومصطلحات تقنية وطبية وعلمية من المفردات اللاتينية والاغريقية دخلت في المناهج التعليمية العالمية ومنها لغاتنا الشرقية بل ونستعملها اليوم في حياتنا اليومية كأسماء الأدوية والاجهزة الالكترونية والرقمية ( كومبيوتر , تلفزيون , موبايل , تلفون ..) وغيرها الكثير من المفردات فرضها علينا وعلى غيرنا التقدم الحضاري . اذاً كل اللغات يطرأ عليها تغير اذا ما وقعت تحت طائل هذه المؤثرات التي وردت اعلاه كما حصل للغتنا وهذا قدرنا لأن لكل فعل رد فعل .