الدكتورة / ناهدة محمد علي
لقد وقف العالم على قدم واحدة في الأشهر الأخيرة لكني وقفت أنا بلا قدمين وبلا رأس ، توقف قلمي وجف ، لا أجد كلمة أقولها ، ليس المرض هو ما أخافني لكني وجدت أن الحضارة الإنسانية كلها لا تكاد تساوي شيئاً أمام حياة إنسان واحد ، وإن موارد البلدان كلها لا تكفي لصد مخلوق مجهري ، يفقد الفقراء خبزهم قبل أرواحهم ووضع العالم حداً فاصلاً أمام من يحيا ومن يموت ، ووضع علامة x على بُناة هذه الحضارة ، على مؤسسي النظريات ومؤلفي الموسوعات وعباقرة الأطباء وبُناة الجسور وناطحات السحاب ومؤلفي أجمل الأدب وأجمل الموسيقى ، كل هؤلاء قد أصبحوا من المسنين وإنتظروا من هذا العالم عرفاناً لا جحوداً ، وإذا بهم يوضعون في محاجر الموت وتُخلع من أفواههم أنابيب الأوكسجين ويُرحلون من دور المسنين إلى مناطق نائية وتُطبق عليهم قوانين الحرب حين يحكم الجنرالات ويحددون من يحيا ومن يموت .
قرأت الكثير عن نظرية المؤامرة ولم أصدق بأنه سيكون هناك ذات يوم سياسي أو عالم يقوم بتطبيقها ، وقرأت قبلها عن نظرية ( البقاء للأصلح أو الأقوى ) وما بينهما إطلعت على المشاريع الحضارية جداً ! مثل صفقة القرن وتحويل عاصمة إسرائيل وإختصار عدد سكان العالم خاصة في المناطق التي يكثر فيها عدد المسنين والمعمرين كالدول الإسكندنافية والصين واليابان لإرتفاع المستوى الصحي ومستوى المعيشة . كان الأمر بالنسبة لي حينها عبارة عن مزحة سخيفة ، إذ كيف يمكن إختصار سكان العالم إلا بحرب عالمية ثالثة أو وباء فايروسي محضر تحضيراً جيداً ومبرمج لهذا الغرض . وتساءلت وما الضامن أن لا يحترق الأخضر واليابس ، وهل ما عادت موارد الأرض تكفينا ، أم هو جشع الرأسمالية العالمية ، حين ترمي الحبوب الغذائية كالحنطة والشعير وحبوب القهوة والسكر في المحيطات لترفع من أسعارها ، وتساءلت أيضاً هل يصبح في هذه الحالة الروبوت أكثر إنسانية وأكثر دقة من حساباتنا .
إطلعت على آراء الكثير من الباحثين في المجال الطبي وبالتحديد في مجال الأوبئة في أمريكا وفرنسا وهولاندا وجميعهم يؤكدون على أن الأوبئة التي حصلت في السنوات العشر الأخيرة كانت عبارة عن تشويه جيني لهذه الفايروسات لكي تقتل عدداً كبيراً من البشر ، ويبدو أن الأمر غير مُستغرب ومنطقي للغاية ، إذ لو إطلعنا على مليارات الدولارات التي تُصرف على التسليح العسكري والذي هو الجهاز التكنيكي لقتل البشر ، لوجدنا أن أمريكا ثم الصين ثم روسيا وفرنسا وبريطانيا هم في قائمة الدول التي تصرف جزءاً كبيراً من ميزانياتها على كم ونوع السلاح ، أما في الشرق الأوسط فتأتي السعودية والعراق وإيران على رأس قائمة الدول التي تستورد السلاح وتخصص مليارات الدولارات لهذا الغرض ، وفي المحصلة نجد هذه الدول أما أن تستعد لحالات القتل الجماعية أو تمارسها فعلياً ، ولهذا وحسب المعطيات الحالية فإننا لا يجب أن نستغرب ( نظرية المؤامرة ) وتتداخل مع هذه النظرية مخططات لإستنزاف الموارد الشرق أوسطية وهي الموارد الطبيعية مع تجفيف موارد الثروة الغذائية والموارد المائية ، فتعرقَل جريان نهر دجلة والفرات والنيل لمشاكل إستراتيجية مع الدول مالكة المنابع ويصبح إقتصاد هذه المنطقة بالمحصلة ( النفط مقابل الغذاء ) وهو مخطط طويل المدى بدأ وقت صدام ولم ينته بعد .
إن العالم لن يخرج من هذا الوباء وفياً لبعضه بل سيكون كالكائن الإنساني الذي عانى من طفولة وظروف قاسية ، فيصبح في الغالب منحرفاً عدوانياً ، ولن يهتم إلا بمساحته وربما بقوميته ، فقد حفظ العالم الدرس وعلم أن لا أحد لأي أحد بل هو أنا وما بعدي الطوفان .
إن السمة الغالبة لعالمنا المستقبلي ستكون شوفينية العرق والأمة ، وكل أمة ستنحاز إلى جنسها ومواردها الطبيعية وسيكون المنطق السائد هو المحافظة على الأنا الجمعية للمجتمع والأنا الفردية للعائلة ، وقد توضح الآن حقيقة هذا الأمر ، فكل أمة لا تستطيع ولن ترغب في مد يدها للآخر ، وعلى مستوى العائلة فقد رفض الكثير من الأبناء آباءهم ، ورفضوا توديعهم في لحظاتهم الأخيرة ، ولهذا حوادث كثيرة في إيطاليا وأمريكا وفرنسا ، وقد ذكر أحد الأطباء الإيطاليين شواهد كثيرة على رفض الأبناء لوداع آبائهم حتى على الهاتف .
لقد إستنتج العالم إن ما ينفقه على القتل هو أكثر بكثير على ما ينفقه على الحياة ، فالمنظومة الصحية في الدول الأوربية ظهرت كقزم صغير أمام الآلة العسكرية العملاقة ، وإستنتج أيضاً أن الجيش الأسود من ضباط وجنود لن يخدموا الوطن كالجيش الأبيض ، وأن الأولوية والإحترام والتقدير يجب أن يكون لهؤلاء لأنهم في الواقع هم حماة البشر الذين هم أغلى ثمناً من الكيلومترات والأمتار والكراسي الرئاسية وبدون هؤلاء ستصبح الأرض كالمريخ ، أرض حمراء جرداء ، لكني أتمنى أن يتعلم العالم الدرس ويبيع بوارجه النووية ليشتري بها أرواح البشر .