نبيل رومايا
مسيرة عيد العمال العالمي في بغداد في 1959
في عام 1959 كانت نفوس العراق لا تتجاوز السبعة ملايين نسمة، ومن أحضان هؤلاء السبعة ملايين خرجت مسيرة يوم 1 أيار للاحتفال بعيد العمال العالمي قدر عددها بحوالي المليون شخص أي حوالي 14% من نفوس الشعب العراقي.
وسارت المسيرة في شارع الرشيد من الباب الشرقي الي الباب المعظم وبدأت في صباح يوم 1 أيار واستمرت الى صباح اليوم التالي. واحتشدت الجماهير في ساحات التحرير والطيران وجسر الجمهورية وفي كل الشوارع والازقة حولها.
شارك في المسيرة معظم شرائح الشعب العراقي من الجنسين وممثلين لنقاباته ووزاراته وعماله وفلاحيه وطلبته وشبيبته وقواته المسلحة، ولم تكن المسيرة راجلة فقط بل احتوت على العربات والشاحنات الصغيرة والكبيرة المزينة بالورود والبالونات الملونة والتي مثلت قصص وملاحم الثورة ونضالات الشعب في مشاهد صورها الأطفال والشباب على العربات. وسارت الزوارق المضاءة بالألوان الجميلة في نهر دجلة مواكبة مسيرة شارع الرشيد.
وشاركت الفرق الموسيقية والرقصات الفولكلورية لجميع ألوان النسيج العراقي في المسيرة مؤكدين على تلاحم كل الشعب العراقي في نضاله من اجل الحرية والمساواة.
ونقل التلفزيون العراقي المسيرة. واصطف الاف الناس على جوانب شارع الرشيد مشاركين ومشاهدين هذا الحدث التاريخي الكبير والذي ضاهى في وقته المسيرات والمهرجانات التي كانت الدول الاشتراكية تقيمها في تلك الفترة.
فقد كان بالفعل كرنفالا جماهيريا واسعا معبرا عن فهم وإدراك للتغييرات السياسية والاجتماعية التي كان يمر بها العراق والمنطقة والعالم في تلك الفترة. وخرجت تلك الجماهير مدافعة عن حقوقها ومكاسبها التي كسبتها في ثورة 14 تموز 1958.
وعبر الجواهري الكبير عن شعور تلك الجماهير بقصيدته بالمناسبة جاء في مطلعها:
حيَّيتُ “أيَّاراً” بعطر شذاتي، وخَصَصْـتُه بالمحض من نَفَحاتي
وسقيتهُ نبعَ القصيد ِ مضرَّجاً، كدماءِ أحرار ٍ به عَطِراتِ
وشددتُ أوتاري وقلتُ أظنها ستَشُدُّ أيَّاراً على نغماتي
حيَّيتُ شهراً فكرهُ من فكرتي فيما يخط، وذاتُه من ذاتي
حيَّيتُه وكأنني بهِباته أُزجي التحايا الغرَّ لا بهباتي
من ليل “أيَّار ٍ” نسيمُ عواطفي، ومن النَّهار وقَدْحه ِ جَمَراتي
وبوحي كدح ِ الكادحينَ رسالتي، وعلى يديهِ تنزَّلَتْ آياتي
مارستُ حُلْوَ الحادثات ِ ومُرَّها ونعِمتُ بالآلام ِ واللَّذاتِ
ودرجتُ في دَرْبِ الحياة تجرُّني أنَّى تشاءُ، طليقةً، خطواتي
فو حقِّ “أيَّار ٍ” وعمَّال ٍ به … راياتُهم في عيدهم راياتي
—————
حدث هذا قبل واحد وستين عاما في عراقنا الجميل، واليوم مرة أخرى يخرج شبابنا في نفس الساحات والشوارع التي خرج فيها اباءهم واجدادهم يطالبون بحقهم في الحياة الكريمة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، متحدين مليشيات الاجرام والقتل، مضحين بحياتهم من اجل تحقيق الحلم الذي حمله اباءهم واجدادهم من قبلهم.
والله… هذا الشعب ما يموت.
1 أيار 2020
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن وجهة نظر الموقع