زوعا اورغ/ وكالات
المكان: مدرسة الحلة الابتدائية المختلطة في منطقة البلديات شرق بغداد.
يواجه مدير المدرسة، حميد جحجيح، تلميذا له في المرحلة الثانية، بعد تحدي الأخير لجحجيح في لعبة الشطرنج.
ينتهي السباق بثلاث نقاط للتلميذ مقابل صفر للمدير، ويرفع الطرفان رقعة الشطرنج بابتسامة.
ورغم عدم وجود دوام رسمي، يصّر جحجيح على القدوم لتنظيف المدرسة وترتيب الصفوف.
مدارس بدون طفولة
يهتم هذا المدير أيضا بثقافة الطفل والنشاط المدني. وكان هذا سببا في تعرضه إلى مشاكل كثيرة.
ويرى جحجيح أن المدارس في العراق بتصاميمها المختلفة لا تمثل “بيئة ملائمة للأطفال ولا للتربية”، فبناياتها الضيقة وغياب مساحات اللعب يجعلها أقرب إلى “المؤسسات الحكومية”.
وهو ما دفعه إلى البحث عن أسلوب يعوض الأطفال عما يصفه بـ”عدم ممارسة الطفولة”.
يقول جحجيح في حديث لـ(ارفع صوتك) “نحن استثمرنا درس التربية الفنية. حاولنا تحسين البيئة المدرسية ومنح الطفل مساحة ليمارس أشياء لها علاقة بطفولته كالرسم والموسيقى والتمثيل”.
لكن في مدرسة الحلة التي تحتوي على 24 حصة في الأسبوع لمادة الفنية، لا يوجد مدرّس لهذه المادة وهو ما دفع ببعض المعلمين والإدارة إلى المبادرة في عمل الأنشطة الفنية.
يساعدهم بشكل رئيس علاء الخالدي، وهو معلم موسيقى في إحدى المدارس الأهلية، تبرع بيوم كل أسبوع، يقدم فيه أربع حصص موسيقى بدون مقابل.
الموسيقى حرام!
“حصص الموسيقى والفنية أتت بنتائج إيجابية، وربما أصبحت أهم الحصص التي تقدم في المدرسة”، وفق ما يؤكد جحجيح.
لكن الأمور لم تستمر على ما يرام، فمنطقة البلديات حيث تقع مدرسة الحلة، تمتاز أنها منطقة خاضعة لسطوة الأعراف القبلية المتشددة. كما “تهيمن الأحزاب الإسلامية عليها”، إضافة إلى أن أهالي المنطقة يحرمون الموسيقى ومعظم أنواع الفنون.
يقول مدير مدرسة الحلة “تقدم الناس بشكاوى إلى مديرية تربية الرصافة الثانية، لكن المديرية وقفت إلى جانبنا، لأننا لا نخالف القانون أو التعليمات”.
أصر جحجيح على الاستمرار في تقديم حصص الموسيقى والرسم، متحديا سطوة الأهالي وغضب معظمهم.
ويعتبر جحجيح أن مادة الفنية هي فرصة بإمكان وزارة التربية استغلالها في إنتاج جيل مثقف مختلف عن الأجيال السابقة، لكنها “للأسف لا تهتم بهذا الموضوع”.
بيئة غير سليمة
ويصف مختصون بعلم النفس البيئة الدراسية في العراق بـ”غير السليمة”.
وتقول أستاذة علم النفس في جامعة بغداد شيماء عبد العزيز “كثير من السلوكيات المنحرفة بدأت تظهر على الأطفال في المدارس”، والسبب أن المدارس أصبحت “بيئة منفّرة وليست جاذبة”.
وتقف وراء تراجع الدراسة جملة أمور، بدءا من اكتظاظ الصفوف بأعداد كبيرة من الطلبة مرورا بالمناهج الدراسية، وليس انتهاءً عند تنسيق الحصص الدراسية في الجدول الأسبوعي.
يضاف إلى ذلك غياب وسائل الإيضاح وباقي عناصر التشويق والحداثة في عرض المعلومات، فضلا عن البنى التحتية المتهرئة للمدارس، وحرمان تلاميذها وطلبتها من حصص الفنون والرياضة.
وتضيف عبد العزيز في حديث لـ(ارفع صوتك) “إذا سألنا أي طالب هل تحب المدرسة؟ سيجيب بكلمة لا”.
وتصف أستاذة علم النفس وضع الطالب أو التلميذ بـ”السجين”، لأن الحصص الأسبوعية “تركز على المناهج العلمية وتهمل النفسية والأخلاقية والفنية”.
وتشدد على ضرورة أن تكون هناك حصص ترفيهية وأنشطة لاصفية للترفيه عن الطلبة بعد يوم دراسي طويل.
العنف في المدارس
ويفتح مدير مدرسة الحلة بابا جديدا لمظاهر الخلل التعليمي في المدارس، متمثلا باستخدام العنف في التعامل مع الأطفال.
يقول جحجيح “استخدام العنف بكل أنواعه سواء الجسدي أو اللفظي أو النفسي، لا يأتي سوى بالنتائج السلبية للمعلم وللطفل”.
ويرى أن العلاقة بين المعلم والطفل طردية، فـ”كلما ساد الاحترام، عززنا الثقة وحصلنا على تلاميذ متفوقين وذوي شخصية قوية”.
في هذا السياق، تؤكد عبد العزيز أن العنف يمس بعملية بناء شخصية الطفل، ويعرقل تكوينها كشخصية سوية في المستقبل.
وتوضح “تبدأ الممارسات المنحرفة تظهر على سلوكيات الأطفال في المدارس، كالتدخين والتسرب من قاعات الدرس وارتياد المقاهي أثناء وقت الدوام”.