إبراهيم برخو – تورنتو/ كندا
حين نقرأ التاريخ علينا أن نقرأه بتمعن وبتجرد ،فما أن قرات تاريخ شمو رامات (سمير أميس)، الملكة الآشورية التي حكمت في أواخر القرن التاسع قبل الميلاد، حتى أنتابني شعور،بأن الأحداث لها ما يشابهها في أيامنا هذه، بمعنى إن التاريخ يعيد نفسه ولكن بشخصيات جديدة ، وأحداث جديدة. قصة ولادة الملكة الآشورية شمو رامات والتي لا يمكن وصف جمالها وذكائها،فيها من الأسطورة ما يجعلها موضع أهتمام المجتمع آنذاك، حتى أصبحت زوجة للملك الآشوري نينوس، والتي قادت الدولة بعد وفاة زوجها ،وتحقق على يدها الكثير من الأنجازات.ففي العودة الى ايامنا هذه وتسليط الضوء على ما قدمه البعض من ابناء شعبنا والتي كانت مبعثا للفخر للأجيال القادمة، ونخص بالذكر تاريخ النساء تحديدا ،لأن تاريخنا يعج ببطولات الرجال والتي كانت هي الأخرى تاريخا حافلا يستحق الوقوف عندها،لا بل الأفتخار بها.
إن الأحداث التي شهدها شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، وعبر التاريخ المأساوي على يد االأنظمة والحكام منذ بداية تأسيس الدولة العراقية وحتى يومنا هذا تؤكد وبكل وضوح حاجة شعبنا الى تنظيم عمل قومي سياسي ينتشله من الأزمة المزمنة، والتي أدت الى تفكيك البنية الأجتماعية والقومية له. وبذات الوقت كان لأصدار قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية في سبعينات القرن الماضي، عامل مهم جدا لبداية المشوارلتشكيل لجان شبابية خدمية في كنائس بغداد، الموصل وكركوك وبحجة تعليم اللغة، والتربية الدينية، مما لا شك فيه كانت مراقبة من قبل أعوان النظام.من هنا بدأت لجنة شباب نينوى بالعمل منذ منتصف السبعينات وبأدارة كادر شبابي يمتلك من الروح القومية والوطنية جعلتهم يتبأون المهمة في القيادة والعمل ، لآ أذكر جميع الأسماء هنا، حتى لا أكون منحازا لطرف دون الأخر، ولكن يهمني في هذا المقال هو دور المرحومة الرفيقة نهرين برخو و زوجها الرفيق ميخائيل ججو والرفيق المرحوم الدكتور هرمز بوبو وعائلة الأب المرحوم زيا دوباتو،وأخرين، الذين أوكلت لهم المهمة رغم كل الصعوبات. فقد أستطاع هؤلاء وبدعم خاص من رعية مار كوركيس في الموصل أن ينجزوا بعض المشاريع الخدمية للرعية، منها بناء سياج للمقبرة الخاصة بالرعية، وبجهود وأمكانيات ذاتية، والتي اعتبرها لبنة طيبة في بناء الروح القومية لدى الشباب، والتي كان يتخللها دورات تثقيفية برزت من خلالها جيل واع ، ونخبة مثقفة كانت أساس الحراك التنظيمي .وتطور الأمر بعدها الى فكرة تشكيل تنظيم سياسي وبالتعاون مع نخبة الجامعيين في جامعات بغداد ،الموصل والسليمانية. وعندما أدركت الدولة خطورة هذه التشكيلات، قامت السلطات الأمنية بمتابعة وأعتقال البعض من القيادات، بعدها تم إعدام الرفاق الخالدين يوبرت،يوخنا،يوسب في شباط عام 1985 ، وقد سبقهم أستشهاد الرفاق جميل متي وشيبا هامي في شباط 1984،مما ادى الى إستنفار الهمم، لحماية البقية الباقية من التنظيم السري في المحافظات، هنا برز دور الرفيقة المرحومة نهرين برخو وزوجها للهرب الى شمال العراق وبصحبة أبنتهما كبرتا ذو السنتين من العمر كما وهرب العديد من الرفاق في بغداد وكركوك . وبعدها بدأت مسيرة النضال للكفاح المسلح، حيث كانت المرحومة نهرين من أوائل النساء التي التحقن الى مقرات زيوا وكونداكوسة .
قد لا أكون موفقا في سرد السيرة النضالية للمقاتلة الآشورية نهرين برخو، ولكن الصورالتي التقطت في مناسبات عديدة، وبالأمكانيات المتاحة تتحدث عن ذاتها، صور من عمق الواجب القومي ، في ساحات الشرف في مقابلة أعتى قوة عسكرية لنظام همجي لا يعرف الرحمة، مستخدما بذلك كل وسائله الخبيثة في النيل من الأبطال عبر ذيوله، وسائله الأستخبارية.
صور للتنقل عبر الجبال والوديان الوعرة ، سيرا على الأقدام أو باستخدام الخيول وبكل فصول السنة القاسية، نضالا يستحق الوقوف عنده لبسالة هذه الأمرأة ورفيقاتها، من أجل قضية شعبنا.
كيف لا نستذكر البطولات لأمراة تنكرت لأنوثتها وريعان شبابها، وأن تحيا كبقية بنات معشرها في حياة هانئة رغيدة، وأستبدلتها بحياة الكر والفر في ليال ظلماء وعلى كتفها السلاح، وبيدها الأخرى طفلتها ،لا تأبه الموت ولا عواقبه.بل ما يهما هو الخلاص من الطغاة، والحرية لأبناء جلدتها.نتذكر كيف رفضت اللجوء الى مقرات أمنة على الحدود للحفاظ على أبنتك الطفلة، بل أن تبقي مع زوجك المقاتل، كتفا بكتف في ساحات الوغى. هل ننسى مخاضك مع المولودة الثانية ،جنين غير مكتمل في شهره السابع، ليموت ويدفن على قارعة طريق النضال وتحت شجرة في البراري.
كيف لا نستذكرها وباعت أغلى ما لديها من حلي وقلائد تزينت بها يوم زفافها، لتشتري قلائد الرصاص تزين بها صدرها وصدور أخوتها المقاتلين.
كيف لا نستذكرها، وقد تركت كل زينتها، ومكياجها، وعطورها لتتزين بتراب حناء وطنها، مختفية بغش في الأدغال، وتتطيب برحيق الأزهار في الحقول، كي تعبر مصائد العصابات من دون أن يراها أحد.
عزاؤنا فيك يا رفيقتنا ، مسريتك النضالية المليئة بالبطولات، دروسا نستلهمها في الكفاح ضد الظلم ، مسيرة عبقة بنتاجات ونجاحات في مسيرة شعبنا، تاريخ لبطلة آشورية شمو رامات قرن العشرين ،آلت على نفسها إلا أن تضحي بروحها، وإلا أن يتحرر العراق وابناء شعبنا من حكم الطغاة.
لروحك رفيقتنا نهرين برخوالسلام ….وللرفيق مخائيل ججو …ولأبنتنا كبرتا الصبر والسلوان