بهنام سليم حبابه
إثر نشري لمقال سابق حمل عنوان (مسيحيو الموصل والاحتفال بالأعياد والتذكارات والمواسم السنوية)، وردت تساؤلات ضمن التعليق عن هذا الموضوع تمحورت حول الأب يوسف قلّيتا، لا سيما موضوع الاختلاف حول تاريخ وفاته، أجيب السائلين الكرام عن أخبار هذا العالم الجليل، وأشير أولا مؤكدًا أن وفاته حدثت في 24/2/1952 في الموصل، وقد أوردت ذلك مجلة لسان المشرق في عدد كانون الثاني/ شباط 1952 لرئيس تحريرها الربان بولس بهنام.
كما نشرت المجلة المذكورة بعض أخبار المتوفى وجهوده في سبيل التأريخ، وقد أفاض في ذكرها ومدح صاحبها العلامة الجليل الأب ألبير أبونا-أمد الله بعمره المبارك- فقد أورد في كتابه أدب اللغة الآرامية( ص509) وما بعدها في طبعته الثانية 1996، هذه الكلمة الطيبة عن القس يوسف قلّيتا:
((هو من مواليد قرية (مار بيشوع-شمال إيران) درس في حداثته في مدينة (أورمية) القريبة من قريته، اللغة الإنكليزية وبعض العلوم في المدرسة التبشيرية البروتستانتية ثم صار معلما فيها)). وقد تأكد لي أنه من مواليد 1872.
في عام 1921 رحل إلى بلاد الملبار /غرب الهند، حيث العديد من المسيحيين أتباع الكنيسة الشرقية، وبعد مدة عاد منها إلى الموصل واقتنى مطبعة متواضعة نشر فيها عددا من الكتب التاريخية والدينية بالحروف الكلدانية (بالفصحى ومنها بالسورث) من أهمها:
تاريخ الكنيسة الشرقية، كتاب المنتخبات، التاريخ الآثوري في أيام الحكام الساسانيين، كتاب المرجانة لعبديشوع الصوباوي، مقتطفات لشرح الطقوس ومقلات انتخبها من كبار الملافنة الشرقيين وكتب كثيرا بالفصحى والدارجة.
كما نشر كتاب (فردوس عدن) للصوباوي سنة 1928، وغير ذلك من الكتب التاريخية.
وسيم قسيسًا في الموصل سنة 1927 على يد مار طيمثاوس احد المطارنة الملباريين الهنود.
فتح القس يوسف قلّيتا مدرسة متواضعة في دار سكناه بالدواسة، قرب مركز الشرطة في الموصل، حيث كنيسته الصغيرة _مار كوركيس- وبعض الغرف السكنية لأسرته. ابنه الكبير (نسطوروس) كان موظفا في شركة (بيت اللنج للنقليات).
كان قلّيتا يجمع الصبيان وبعض الشباب ليقوم بتعليمهم اللغة الأم (الآرامية- ويسمونها الآثورية) واللغة الإنكليزية والصلوات والتراتيل الدينية.
وكان معلمًا رسميًا في مدرسة الفلاح للبنين بالموصل لتعليم الإنكليزية. وعثرت على صورة جميلة للهيئة التعليمية في المدرسة المذكورة عليها تاريخ (23/4/1937)، يشاهدها القارئ الكريم مع هذه الكلمة:
في الوسط الأستاذ سعيد الديوةجي مدير المدرسة وإلى يمينه المعلم الفاضل القس يوسف قلّيتا بلحيته الناصعة وملابسه الكهنوتية.
كنت أشاهده بهيئته الوقورة خارجا من زيارة (المالك خوشابا) في داره مقابل بيتنا قرب كنيسة أم المعونة بالدواسة، فيخرج لتوديعه العقيد المتقاعد (يوسف خوشابا) والأستاذ (يوسف خيدو).
حلّت وفاة القس قلّيتا في التاريخ المذكور أعلاه ودفن في مقبرة الآثوريين، على طريق حي الثورة في الموصل،بعد أن عاش في تلك المدينة أكثر من ربع قرن، لذا حُقَّ لي أن ادعوه (الموصلي) رحمه الله.
يشار إلى أن عدد العوائل الآثورية حينذاك كان يناهز المائة، يسكن معظمهم في منطقة الدواسة قرب البريد، إلى جانب السوق المعروف بسوق الآثوريين.
وعثرت في مجلة المجمع العلمي العراقي/ الهيئة السريانية/ مجلد6-ص354، على هذه الكلمة التاريخية التي أوردها القس قلّيتا في مقدمة كتاب الجوهرة للصوباوي (الصوباوي تعني النصيبيني)، مترجمة إلى اللغة العربية قال فيها:
“لقد تركنا في أورميا أكثر من ألف مجلّد، 400 منها قديمة جدا. كان 14 مخطوطا منها على جلد غزال، وتتراوح قدمية تلك الأسفار بين (200) سنة إلى الألف قبل زمننا، وقد تلفت كلها في الحرب العالمية الأولى”.
وعرفت قبل سنين قليلة من الأب الفاضل (رامي سيمون شاؤول) الراهب الدومنكي في بغداد، أن أسرة ذويه هي أصلا من قرية (مار بيشوع)، موطن القس يوسف قلّيتا.
رحمة الله على ذلك العالم المجاهد، النشيط والدؤوب مدى حياته.