رشا دبيث ابونا
المهاجر يمكن أن يفقد لغته الأم في بلاد المهجر بإهمال المحادثة اليومية بهذه اللغة، ويؤكد الخبراء في مجال التعلم اللغوي أنه بمجرد استخدام الإنسان للغة جديدة في بلاد المهجر وإهمال لغته الأم فإن اللغة الجديدة تنافس اللغة الأم، ومع الأيام تتآكل اللغة الأم مع عدم الاستخدام، فالاستخدام اليومي للغة يرتبط بنظام التفكير، واعتياد الحديث بلغة جديدة يولد الاعتياد على التفكير بنفس مفردات هذه اللغة. تشير الدراسات إلى أن الأطفال هم أكثر فئات المهاجرين تعرضاً لاحتمالية تلاشي اللغة الأم، فالمهارات اللغوية للأطفال تحت الثانية عشرة تتأثر كثيراً بالبيئة اللغوية الخارجية، حتى يكادون ينسون تدريجياً لغتهم الأم. يستلزم تحدث الأبوين مع الطفل في سنوات الاولى باللغة الأم حتى يكتسبها الطفل بصورة تلقائية. التزاحم بين اللغة الأم واللغة المكتسبة لا يعني أن الإنسان ليست لديه قابلية لإجادة عدة لغات، ولكنه ينبهنا إلى أهمية التحدث باللغة الأم والحرص على القراءة بها والتحدث مع الأطفال تحديداً بهذه اللغة، فهم أكثر عرضة لفقدان اللغة الأم، لأن البيئة الخارجية التي يتعرضون لها تفرض عليهم التفكير والحديث بلغة بلاد المهجر، واهتمام الوالدين باللغة الأم في المنزل يحافظ على التوازن اللغوي وينعكس الحفاظ على اللغة إيجابياً على الصحة النفسية والنظرة الإيجابية للنفس وللذات، كما ينعكس إيجابياً على التحصيل العلمي والقدرات المعرفية، فقد أكدت الدراسات أن تعزيز اللغة الأم للأطفال يحسن نتائج الأطفال في مواضيع أخرى، وأن ثنائية اللغة أو التعددية اللغوية تعزز من القدرة المعرفية، وتحسن من التركيز وتقوي الذاكرة. إن وظيفة اللغة أساسا هي أن تنقل بين ثنايا معانيها ثقافة المجتمع، والثقافة بدورها تعتبر حاملة لقيم الشعوب التي تشكل هوية للذات الاجتماعية وأساس وجدانها. وعندما نقوم بإقصاء اللغة الأم التي ساهمت في تنشئتنا أو تدميرها، مع الأسف، نقوم بتدمير جانب مهم من التراث… في الحقيقة نحن ندمر كل ما يساعد على حفظ هويتنا. ونحن اليوم اصبحنا احوج ما نكون الى لغتنا الأم وبات من ضروريات بقاءنا القومي ان تتعلم اجيالنا القادمة لغة الأم الآشورية، وخصوصاً في ظل هذه الظروف الموضوعية الصعبة التي تعيشها امتنا، إذ تحول وجود شعبنا قومياً في بلاد المهجر اغلبية، وهذا الأمر رغم مرارته يفرض علينا ان نغرس في عقول اطفالنا واجيالنا التي تولد وتنشأ في المهجر حب لغة الأم واهميتها وقدسيتها حتمية تعلمها والتحدث بها في البيت والحياة اليومية ضمن نطاق المجتمع المهجر. وهذا الامر هو الخطوة الاهم في بقاءنا واستمرارنا، لان لغة الأم باتت لدينا العنصر الأساس الذي يشكل هويتنا القومية، بعد أن فقدنا الكيان السياسي والأرض، ومن خلالها نبقى نتطلع إلى المستقبل الذي ننشده، ولنعود او تعود أجيالنا المستقبلية الى أرض الاباء والأجداد. حفاظنا على لغتنا يساعدنا على الحفاظ على انتمائنا القومي وتاريخنا وموروثنا وعاداتنا وتقاليدنا، التي تشكل معاً الطاقة التي تمد أهدافنا القومية بالحياة والعناصر التي تعمل من اجل تحقيقها في يومٍ ما.