بقلم: ميخائيل ممو.
عنوان في غاية الغرابة والأهمية بمضمونه الغريب لمن يرغب في معرفة الحقائق الجلية، حيث سنعرض تلك الأسباب والمسببات باقتضاب شديد توخياً لعدم اتساع الموضوع. أما عن الأسباب والمسببات فسنحاول إيجازها قدر الإمكان لتبيان رأيك قارئي المدمن قومياً دون التوغل في إيضاح الشروحات التي تتضمن:
- الانقسام الكنسي القديم نتيجة التناحرات العقائدية والفلسفية منذ الاهتمام الديني.
- الانقسامات المتوالية في الكنيسة الشرقية التي شطرتها إلى أقسام متباينة. وانطلاق انبثاق كنائس مذهبية عديدة كالإنجيلية وشهود يهوه… وغيرها التي شتتت أبناء شعبنا.
- دور طلائع الأحزاب وتوسع اعدادها على مدى التاريخ، ولهذا بُعْد الوعي القومي في روسيا، وتأسيس أول حزب آشوري ذو التوجه اليساري على يد المناضل الشهيد د. فريدون آتورايا، وكذلك في خربوت في تركيا على يد الشهيد آشور يوسف الذي تناول موضوعنا بأسباب مُثلى من واقع أبناء شعبنا بالتسمية الآثورية بعنوان أسباب تأخر الآثوريين. ومن أمثاله الأديب فريد نزهه وغيرهم.
كان انبثاق حركات سياسية عديدة منذ تأسيس حزب (خِيت خِيت آلب) بمعنى (خوبّا خويادا آتورايا) لمُؤَسِّسِه الملقب [أوسطا موشي] والمعروف باسم موشي خوشابا (1876ـ 1951)، وقد كان يعمل سراً منذ تأسيسه عام 1942 ولغاية 1947 ووضع نهاية له بوشاية لدى الانتداب البريطاني، ونفي العديد من أعضائه المؤسسين.
في عام 1957 تأسست المنظمة الآثورية الديمقراطية في سوريا، وبفروعها في ديار المهجر حيث ساهمت مساهمة فعالة في نشر الوعي القومي بين أبناء الشعب الآشوري بجميع تسمياته ومسمياته المذهبية.
- في منتصف السبعينات توالى انبثاق الأحزاب القومية التي منها الاتحاد الآشوري العالمي، وحزب بيت نهرين الديمقراطي، والحزب الوطني الآشوري، والحزب الآشوري الديمقراطي، والحركة الديمقراطية الآثورية… وغيرها. ونخص من بينها الحزب الآشوري الاشتراكي أول حزب سياسي آشوري، تأسس في عام 1917 بعد الثورة الروسية، من قبل الدكتور فريدون آتورايا، والأديب بنيامين بيت أرسانيس والدكتور بابا بيت بارهاد. ثم ما لبثت أن توالت الانقسامات بين الأحزاب القومية وانشطارها لتتناسل منها تنظيمات أخرى أضعف منها. واعتماد البعض الآخر على النهج العشائري والطائفي والعقائدي بتعصب منقطع النظير، وابتعاد الأعضاء الذين لم تتآلف انتماءاتهم الفكرية مع تلك المناهج المبتكرة. وأكبر دليل انعكاس الأفكار اللا توافقية على النهج الإعلامي الصحافي لإصداراتهم.
- الانتماءات العشائرية والمذهبية والطائفية والإقليمية التي تناقضت وتنازعت في مواقفها من القضايا القومية حيث قامت بتشكيل مجموعات خاصة بكل مصدر انتمائي، وابتعادها كليّاً عن بعضها في مواقفها ونشاطاتها، إلا نادراً، وبشكل خاص القومية منها كيوم الشهيد الآشوري، ورأس السنة الآشورية، ويوم اللغة الآشورية. أي انعزالية وتأقزم تلك التنظيمات في المنطقة الواحدة.
- بعد سقوط نظام البعث في العراق انطلقت الأفكار التطورية التحررية، وأدت إلى تناحر الأحزاب وفق المفهوم المذهبي المألوف بالكلدانية والسريانية والآرامية وما إليها من تسميات تخلق نعرات غير متآلفة ومنسجمة فيما بينها.
وبالتالي تأثير الوجهة الظلامية الداعشية على أبناء الشعب الآشوري في مناطق سكناه في العراق وسوريا، ومن جراء ذلك تهجيرهم إلى بلدان الاغتراب وخاصة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وأستراليا لقلع جذورهم، بحيث لم يكتفوا من هذا التشتت والتشرد والتيه والضياع وإنما تفاقم الوضع سوءاً بتأسيس بعض الجمعيات والمنتديات التي زادتهم تشرذماً والبتعاداً على الرغم من عدم الخبرة العملية لمؤسسيها، ناهيك بأنه كانت قائمة مثل تلك الجمعيات والمنتديات منذ أمد بعيد في ذات المنطقة حصراً، كما حدث في استراليا وأمريكا والدول الأوربية. وهذا ما هو إلا دليل وبرهان واضح وجلي لتفشي النعرات الفردية والإقليمية والعشائرية والطائفية والعقائدية بين أولئك المناضلين. أبربكم كيف لنا أن نحقق ولو جزءاً يسيراً من تطلعاتنا القومية السامية وكل هذا الكم الهائل من الممارسات الخاطئة ماثل أمام أعيننا ليل نهار وكأننا أشبه بإخوة أعداء؟ وكيف لنا أن نحقق ما نصبوا إليه من الإخاء المشترك والتناغم المتفاني؟! المشكلة تكمن، كلياً، في عدم امتلاك الجرأة والبسالة في الاعتراف بالحقيقة المرة الدامغة.
- ومن أولى دواعي ضعف وهزالة التقارب الفكري تولي العديد من الشخصيات الأنانية الهزيلة، والمعقدة نفسياً مسؤوليات بعض تلك المنتديات بدافع النزعة الفردية الإستعلائية المؤدية إلى الفشل الذريع لعدم تمتعهم بأبسط قواعد الثقافة العامة، وانعدام الخبرات والتجارب العملية، واتصاف معظمهم بالأمية القاتلة قراءةً وكتابة.
- استهجان بعض أبناء شعبنا من ضعاف النفوس والحاقدين على من كانوا، ولا زالوا يعملون ويطرحون ما لديهم من أفكار واعتبارات إيجابية في سبيل ترسيخ الدعائم الأساسية للنهضة القومية وتحقيق الوجود الآشوري [ قومياً وفكريا ] بأساليب وأنماط منطقية وعملية على أرضية الواقع المعاش كما طرحه ومارسه كل من الدكتور فريدون آتورايا، والشهيد الخالد مار بنيامين شمعون، والمناضل الجنرال آغا بطرس، والسياسي القدير إيوان كوكوفيج، والأب يوسف قليتا… وغيرهم الذين ارتحلوا وقلوبهم مترعة بالأشجان والحسرات على مصير أمتهم المنكوبة، ناهيك عن العديد من رؤساء العشائر الصناديد المشهود لهم بمواقفهم البطولية الباسلة في سبيل نصرة قضية شعبهم وأمتهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر مالك اسماعيل الأول والثاني، مالك قمبر وردا، مالك لوكو بيداوي، مالك خوشابا يوسف، ومالك ياقو مالك إسماعيل.
آه وألف آه من صفات وخصال الأنانية المقيتة، والحقد المتغلغل في بعض النفوس الضعيفة، والكراهية المتأصلة في أعماق بعض الذين يضمرون الضغينة وكل ما يسيء ويقضي على التعاضد والتآخي والانسجام. وألف آهٍ من نوازع هـزّ البطون والأرداف التي تشيع الفرفشة والنشوة الذاتية الآنية المضرة بالمجتمع بشكل عام. ولكن لا يغيب عن بال من يعتز بانتمائه القومي أن يتجاهل ما أشرت إليه كونه نابع من الأحداث التاريخية الموثقة في أرشيف تراثنا.
الانعزال والانزواء الذاتي لكل ذي همة ونشاط وتفان ومقدرة من الذين يعتزون بوجودهم القومي، وذلك من جراء السلبيات المتفشية في المجتمع الآشوري بشكل عام.
- عدم الاهتمام بإيجاد مرشد وقائد كفوء ومخلص وشريف يمثلنا، رسمياً، في الأوساط والمحافل الدولية بطريقة رسمية، أو لجنة من ذوي الاختصاصات فيما تحتاجه السياسة العالمية وخاصة تلك التي نادى بها كوكوفيج بشكل احترافي.
- النظرة السلبية لغالبية المتزمتين والمتعجرفين الذين لا تتلاءم نظرتهم ومصالحهم مع الحقائق الدامغة تجاه من يخدم شعبه ومجتمعه بإخلاص وهمة عالية.
أبربكم كيف يمكننا ترسيخ التآخي القومي من خلال هذا المنظار الأسود الداكن؟!
الخلاصة:
ليس من السهل أن نمنهج الأفكار المألوفة أعلاه وفق ما نوهنا عنها وبشكل عابر نوعاً ما، ومن الأفضل أن ندعها في نقاط مألوفة جوهريا بشكلها العامي ليدرك القارئ ما نعنيه من مسببات موضوعية أدت لما نحن عليه اليوم دون اتخاذ اية تدابير تنقذنا من المآزق والمآسي التي ترمي بنا في عالم آخر أشد خطورة، ولهذا نركزها في يلي: الاضطهادات والانقسام الكنسي أولاً. تأسيس الأحزاب والصراعات في انقسامها ثانياً. الخلافات المجتمعية الموشحة بالطائفية والعشائرية والعقائدية ثالثاً. ورابعاً أدوار الأيادي الغريبة والغربية على سياساتنا الكنسية والحزبية والمجتمعية والشخصية. ووفق ظني وتصوري من خلال قراءاتي نوه الكثيرون من دعاة التقويم والإصلاح عمّا اشرنا اليه، ولكن دون أي جدوى!! وهذه الإشكالات تعود بنا للدراسات النفسية والاجتماعية لبيان ما يمكن إصلاحه وعلاجه على ضوء التحاليل الخاصة المتعلقة بالطبيعة البشرية التي يجهلهما من لا إلمام له بها أو أي معرفة. وفي حال أن نضيف عنصر الأمية والجهل لأسباب مستقاة من المحيط الجغرافي وانعدام المدارس، فماذا نتأمل من العصر الحالي ومنذ القرن التاسع عشر بما تم توفيره للأجيال المتوالية التي عاشت المهاجر وتنعمت بما تيسر للأجيال التي تتابعت لحد يومنا الذي نألفه وما فَـتِــئــنا في ذات الصراعات التي لم توجهنا وتعلن عن أية بصيص من النور ينير درب الخلاص، وكأننا نتراوح متلذذين في ذات الدائرة نخاطب الأحلام والتأملات لا أكثر.
نهاية المطاف:
وبما إن العوامل كثيرة ومأساوية فقد حاولنا اختصارها قدر المستطاع. فإن النتائج مهما اقتضت الظروف، شئنا أو أبينا، ينبغي علينا أن لا ننسى أو نتناسى العواقب الوخيمة المتمثلة في بعبع الفناء والانقراض. وعادةً ما يؤول هذا لأمرين في غاية الأهمية ألا وهما: المادي والثقافي. حيث نجد الأمر المادي مفقوداً كلياً بين الشعب مقارنة بالكثافة السكانية ولم يبقَ من يمثله حالياً والأمثلة التاريخية على ذلك عديدة وجمّة. أما الأمر الثاني المتمثل بالانقراض الثقافي يجسّده اندماج الشعب في الشعوب الأخرى، ووضعنا كآشوريين في غاية التعقيد لتواجدنا ضمن شعوب مختلفة ومتفاوتة في الألوان والثقافات والعادات والتقاليد، والخلفيات الاجتماعية المتباينة، والدلائل على ذك أكثر من أن تُعد وتحصى ونلمسها جميعاً يومياً.
تشهد الوثائق التاريخية الأصلية بأن أبناء شعبنا من عامة الناس كانت لهم اليد الطولى في إلحاق أكبر الأذى والضرر بعملية التطور السياسي والقومي، وفي عرقلة عجلة الإنجازات التي كاد أن يحققها المناضلون الشرفاء الأوفياء أمثال فريدون اتورايا، آغا بطرس، مالك قمبر، وغيرهم، إضافة لموقف الوفد الآشوري الى عصبة الأمم الذي خذلته بعض الجهات … وغيرهم العديدون من العملاء الخونة بتعاطفهم مع مصالح عواطفهم، بوضع العصا في عجلة الزمن.
وفي نهاية المطاف نستخلص استنتاجاً واحداً ووحيداً فقط وذلك بأننا، وللأسف الشديد، (أعداء أنفسنا). والعدو الأكبر والأكثر وضوحاً يتجلى من خلال مواقفنا السلبية وعدم موازنة أمورنا بيقظة الضمير الحي، والوجدان الطاهر النزيه.
إذن، فما علينا إلا أن نكون على حذر شديد من هكذا عواقب وخيمة تدعنا نستلهم الاحتمالات الممكنة التي تضمن بقاءنا الدائم على وجه هذه الأرض.
وفي هذه الحالة يهمنا رأيكم قراءنا الأعزاء، بما يمكن اضافته أو لم يكن منطقياً. علماً بأن بعض الحلول المنطقية تجدها مباشرة ضد السلبيات المذكورة والمألوفة في موضوعنا. مع بالغ الشكر والتقدير.