زوعا اورغ/ وكالات
تعيش عائلة العراقيّ بشير نادر (55 عاماً) في الهاشميّ الشماليّ أحد الأحياء الشعبيّة في العاصمة الأردنيّة عمّان، بعدما فرّت من مدينة السامراء في العراق خلال عام 2016، هرباً من انتهاكات تعرّضت لها طائفتها الصابئة المندائيّة، على يدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة وميليشيات شيعيّة.
وإنّ الصابئة هي ديانة مستقلّة في حدّ ذاتها، ويعرّفها أبناؤها بأنّها أقدم ديانة موحّدة عرفتها البشريّة فهم يؤمنون بالله، كما يؤمنون بالنبيّ آدم عليه السلام وشيت وسام بن نوح وإبراهيم الخليل، والنبيّ يحيى بن زكريا “يوحنا المعمّدان” وهو آخر أنبيائهم.
لقد حمل اللجوء عائلة بشير وما يقارب 2500 شخص من أبناء الطائفة إلى الأردن، وهو البلد الذي لا يعاني من تركيبة طائفيّة معقّدة، إذ تشكّل الديانة الإسلاميّة (سنيّ) أكثر من ٩٥ في المئة من تعداده السكانيّ، تليها الديانة المسيحيّة التي انخفضت إلى أقل من ٤ في المئة بعد ما كانت 12 في المئة بسبب الهجرة خارج البلاد.
لقد بدأت معاناة أبناء طائفة الصابئة المندائيّة في عام 2014، عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلاميّة على مدينة سامراء العراقيّة، حيث يتمركزون لكي يجدوا أنفسهم أمام خيارين إمّا القتل وإمّا الإسلام بعد تكفيرهم من قبل “داعش”، كما قال بشير، الذي زاره “المونيتور” في منزله.
و”تحت تأثير رعب التنظيم وما ارتكبه من عمليّات قتل وسبيّ للنساء”، أشار بشير إلى أنّه فرّ عبر الطرق الزراعيّة من حيّ مريم في مدينة سامراء إلى منطقة الصويرة، التي تسيطر عليها المليشيّات الشيعيّة والحشد الشعبيّ، بحثاً عن الأمان، إلاّ أنّ الحال لم تكن أفضل بكثير في رحلة النزوح الأولى لعائلته المكوّنة من 7 أشخاص، إذ تعرّضوا للتهديد بالقتل وإجبارهم على دفع مبالغ ماليّة بالإكراه من قبل المليشيات الشيعيّة، التي قتلت بعضاً من أبناء الطائفة، الذين يعملون في الغالب بمجال صياغة الذهب.
لم تجد العائلة أمامها سوى اللجوء خارج العراق، مثلها مثل الآلاف من أبناء الطائفة، الذين فرّوا بسبب الاضطهاد الدينيّ، فاختارت اللجوء إلى الأردن في عام 2016 لتسجّل رسميّاً لدى المفوضيّة السامية لشؤون اللاّجئين، على أمل الحصول على فرصة للهجرة إلى دولة ثالثة. ولا تتلقّى العائلة أيّ مساعدة طبيّة أو ماليّة من المفوضيّة، رغم تأكيد الناطق الإعلاميّ باسمها محمّد الحواري لـ”المونيتور” أنّ “المفوضيّة لا تفرّق في التّعامل بين اللاّجئين مهما اختلفت دياناتهم أو أصولهم، فالمساعدات توزّع بناء على مقياس الاحتياج والأكثر احتياجاً”.
كريمة (54 عاماً)، هي زوجة بشير، تسكن معه في منزل متواضع وفي وضع اقتصاديّ سيّىء للغاية، بسبب إصابته بشظيّة في الحرب العراقيّة – الإيرانيّة أقعدته عن العمل منذ ذلك الحين، إلى جانب تضييق قوانين العمل الأردنيّة على ابنيها، وعلى اللاّجئين العراقيّين عموماً، ومعاملتهم معاملة العمالة الوافدة، على عكس ما يتلقّاه اللاّجئون السوريّون من تسهيلات في إصدار تصريحات العمل.
تعيش الأسرة على ما يقدّم إليها من مساعدات من قبل أبناء الطائفة، إلاّ أنّ الوضع الاقتصاديّ ليس التحدّي الوحيد أمام أبناء هذه الطائفة، إذ قالت كريمة: “إنّ أبناء الطائفة الصابئة المندائيّة يعانون من عدم القدرة على ممارسة طقوسهم الدينيّة بشكل مريح، بسبب منع السلطات الأردنيّة لأتباع الطائفة من إقامة طقوسهم الدينيّة، خصوصاً التعميد عند مجاري الأنهار أو التجمّعات المائيّة”.
من جهته، قال بشير: “عندما حضرنا إلى الأردن كان شيخ الطائفة يقوم بالعماد في المياه الجارية بمنطقة وادي شعيب، إلاّ أنّ السلطات الاردنية منعتنا من إقامة الطقوس الدينيّة، ربّما بسبب تخوّفها منها أو خوفها على حياتنا، الأمر الذي جعلنا نمارس عباداتنا داخل المنزل، بما توافر قدر الإمكان”.
لا يعترف الأردن بأيّ ديانة غير الإسلام والمسيحيّة في المملكة. ففي عام 2014، غيّرت الحكومة اسم قانون “الطوائف غير المسلمة” إلى مسمّى “قانون الطوائف المسيحيّة”، ولم يرد في القانون أيّ ذكر لأقليّات دينيّة موجودة في المملكة، رغم وجود أقليّات مثل “الدروز والبهائيّين”.
وفي هذا السياق، قالت المحاميّة تغريد الدغمي، وهي معدّة دراسة “حريّة المعتقد وحقوق الأقليّات الدينيّة غير المعترف بها في الأردن” في عام 2012: “إنّ الدستور الأردنيّ في الفصل الثاني منه نصّ على عدم التمييز بين الأردنيّين. وحسب النصّ الدستوريّ، فإنّ الأردنيّين أمام القانون سوّاء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين”.
وأشارت في حديث لـ”المونيتور” إلى أنّ المادّة 14 من الدستور الأردنيّ تنصّ على أن “تحمي الدولة حريّة القيام بشعائر الأديان والعقائد، طبقاً للعادات المرعيّة في المملكة ما لم تكن مخلّة بالنظام العام أو منافية للآداب، إلاّ أنّ هذه المادّة تقتصر فقط على الأديان المعترف بها فقط في المملكة، ولا تضمن حريّة المعتقد إنّما ممارسة الشعائر فقط”.
وأكّدت أنّ الدستور الأردنيّ لا يتضمّن أيّ مادّة تتحدّث بشكل صريح عن حريّة المعتقد. وبالتّالي، فإنّ المسلمين والمسيحيّين هم من يملكون حقّ الجهر بديانتهم وممارسة الشعائر الدينيّة، وبقيّة الديانات الأخرى لا يحقّ لها ممارسة شعائرها، ومن الأمثلة على ذلك الديانة البهائية”، وقالت: “إنّ الأردن ملزم باحترام شعائر الديانات الأخرى حتّى لغير الأردنيّين بعد أن صادق على جملة من المواثيق والاتفاقات الدوليّة، وعلى رأسها العهد الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة، الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، واتفاقيّة القضاء على كافّة أشكال التمييز العنصريّ، وكلّها تنصّ على احترام حريّة المعتقد وممارسة الشعائر الدينيّة”.
ورغم التزام الأردن بتلك المواثيق الدوليّة، يخفي الشاب رام، وهو من أتباع الطائفة هويّته الدينيّة أمام جيرانه وأصدقائه من الأردنيّين، وقال لـ “المونيتور”: “أقوم بتعريف نفسي على أنّي مسيحيّ عراقيّ، تجنّباً لأيّ أسئلة محرجة بسبب عدم معرفة الأردنيّين بمعتقدات الديانة الصابئة المندائيّة. وأمارس الصلوات والمناسبات الدينيّة داخل المنزل، لأنّ لا إمكانيّة لممارستها علناً ونظراً لعدم توافر مياه جارية في الأردن، كما هي الحال في العراق. وفي معتقداتنا، فإنّ المياه الجارية هي جزء مهمّ من معتقداتنا، إذ أنّها تطهّر الذنوب والخطايا”.
يتخوّف أتباع الطائفة الصابئة المندائيّة من العودة إلى العراق، في ظلّ سيطرة المليشيات على زمام الأمور هناك، وهم يعيشون في بلد اللجوء، في ظلّ أوضاع اقتصاديّة سيّئة، على أمل أن يأتي الفرج وتسفّرهم المفوضيّة إلى بلد غربيّ يستطيعون فيه ممارسة معتقداتهم الدينيّة بكلّ حريّة.