دانيال سليفو
من الأخير أتعهد :
(( لوعادت بنا آلة الزمن الى عام 1980, لأخترنا وبدون تردد نفس الطريق الصعب الذي سلكناه )).
إشتركت في تأسيس منظمات المدن والاقضية للحركة الديمقراطية الآشورية منذ بداية الثمانينات وكان عملي مُنصّباً على محافظة الأنبار, وتكوّنت خيوط تنظيمية من مدن الحبانية والخالدية والرمادي, وكان جُل إهتمامنا هو السرية في العمل وأخذ كل الإحتياطات اللازمة للإبتعاد عن كل ما قد يفضح التنظيم, وذلك حرصاً على سلامة الرفاق ومستقبلهم ومصيرعوائلهم , وإن كان الجميع يشك بشكل أو بآخر بأن هناك عملٌ قومي يجري, بالخصوص إن أغلب أعضاء الحركة كانوا من المستقلين وهم مُراقبَون حتماً , والى أن يتم زيادة الوعي والتحصين القومي- الوطني وإتقان الممارسة التنظيمية الضرورية وزيادة قوة الإصرار والتصدي لديهم, إرتأينا الأخذ بكل مقومات السرية والتقيُّد بالسبل الممكنة لإبعاد الشبهة وإخفاء التحرك مرحلياً فترة التأسيس مدركين تماماً بأننا عاجلاً أم آجلاً ستتم الخطوة العلنية الضرورية للإنتشار والتي لا بد منها لاحقاً. لذا وفي البداية كان الإرتباط خيطياً على أمل أن يتحول الى تنظيم هيكلي مستقبلاً, وكان التنسيق يتم مع منظمة بغداد ومسؤوله الشهيد يوبرت بنيامين نتيجة البعُد الجغرافي, وخصوصاً إيصال الإشتراكات وإستلام المنهاج والتعليمات الصادرة والنشرات الدورية ونشرة البهرا التي تم توزيعها لعدة عناصر قومية موثوقة, وتكونت لنا علاقات ممتازه مع الكنيسة التي لم تتردد في الوقوف معنا من خلال القس واللجنة الفرعية ولو من بعيد, ولم نكن نرغب في توريطها في الأمور الحزبية, لعلمنا جيداً بكونها مكشوفة لدى الأجهزة الحزبية والأمنية. كما كانت لنا إتصالات مع المساندين والمؤازرين ومع الذين يحملون مشاعر وآمال قومية ووطنية. كما أنُشئت علاقات ودّية مع بعض كوادر الأحزاب الإسلامية ( الشيعية والسنية) المعارضة وبعض الأصدقاء البعثيين الناقمين على السياسات المتهورة لصدام وتحويله الحزب الى دوائر قمعية للأمن والمخابرات والتي من خلالهم أصبحنا متواصلين مع الحدث العراقي ومتغيراته.
مطاردة وإعتقال في الشوارع والبيوت
مع إستمرار العمل التنظيمي, تصاعدت شدة المراقبة والمتابعة من أزلام النظام لتنظيمات المدن والمساندين لها, وكذلك ملاحقة العديد من الأعضاء والمؤازرين والنشطاء في المؤسسات والنوادي والجمعيات والكنائس, خصوصاً بعد توارد أخبار عن الكفاح المسلح المقاوم من قبل أعضاء الحركة الديمقراطية الآشورية في مدن وقرى شمال العراق. أخذت أجهزة النظام تعهدات خطّية من العديد من الناشطين بعدم مناوئة حكومة الثورة وأمينها العام صدام!, وكانت المقاومة المسلحة للشهداء الأوائل للحركة الصديق والرفيق جميل متى وشيبا هومي في قرية هيجركي والذين سقطوا في إشتباك مسلح ضد قوات النظام, أدت الى شحن وتوتر أكبر لدى سلطة النظام . وفي نيسان من عام 1984, عُقد إجتماع لتنظيمي بغداد والأنبار لدراسة موضوع الشهداء الأوائل واخذ العِبر منه والخطوات الوقائية والدفاعية اللازمة الضرورية لعبور تلك المرحلة بعد, وإنتهى الإجتماع برفض التوقف عن العمل القومي- الوطني وتحّمُل ضغوط المراقبة من أجل إدامة المسيرة, لأن المبدأ الحقيقي والأخلاص لدماء الشهيدين جميل وشيبا يدعونا للإستمرار رغم زيادة الإعباء, وكان الشهيد يوبرت يقول : التهديدات هي مجرد إمتحان لإلتزاماتنا بالقضية والتنظيم, وإذا تم الإعتقال فهذا سيؤدي حتماً الى الإعلان الرسمي عن وجود مسألة وحركة آشورية أمام العراقيين والعالم. وكان الشهيد يوبرت مستعداً للشهادة مدفوعاً بعمق إيمانه بالقضية , وكان يكرر بأن الخوف من الموت يؤدي الى الرضوخ والسكون والضعف أمام الانتهاكات وإبقاء الحال على نفس المنوال , ويردد مراراً بأن القضية لكي تعيش تستوجب بان يضحي أبناءها ( الثورة تأكل أبناءها ) . وتم إلقاء القبض على الرفيق يوبرت في سوق الآثوريين في الدورة عند تسليمه لنسخ من صحيفة ( نشرة ) بهرا للمُندس النكرة شموئيل جيري , وذلك في أواسط تموز 1984, وجرت تحركات ونشاطات عديدة من قبل الأعضاء والمؤازرين وعوائل الرفاق لإخفاء المناشير والمواد الإعلامية, وقام آخرون بالتخفي والإبتعاد عن المدن الرئيسية. وتم وضع نقاط أمنية وحزبية لمراقبة المساكن وتقاطع الطرق في مناطق سكن المُراقبين والمشبوهين ! إضافة الى إستدعاء البعض منهم الى الدوائر الأمنية. ومن جانبي أعلمتُ رفاقي في منظمة الأنبار بأن عملنا سيتوقف مرحلياً والى إشعار آخر وبأنني الوحيد الذي يعلم بإنتمائهم وليست عندي أية أدلة مكتوبة أو مستندات تُدين أحداً, ولهم الحرية في الإبتعاد أو البقاء . وواظبت على الدوام كسعكري في قاعدة تموز الجوية, ولم أرغب طبعاً نقض إتفاقي في إجتماعنا الأخير والمتضمن رغبتنا في مواجهة السلطة وإعلان إسم حركتنا أمام الملئ. وبعد عدة أيام من إعتقال الشهيد يوبرت, تم إستداعي لمقر الإستخبارات وإبلاغي بأنني مطلوب في الإستخبارات العامة في بغداد للأجابة على بعض الأسئلة ( العادية )!. وعند وصولي وانا معصوب العينين بقطعة من القماش, بدأ عنصران من قوى الإستخبارات بضربي بعصا على ظهري والركل والصفع والآخر بمجموعة كبيرة من المفاتيح المرتبطة بحلقة حديدية للزنزانات على رأسي. ويبدو إن مهمة ضابط الإستخبارات كانت محددة وهي تسليمي الى الأمن العامة, لانه سأل عدة مرات عن طبيعة التهمة الموجهه لي !. ثم أُودعت في غرفة وسخة مساحتها مترين ونصف بمترين, وفي اليوم الثاني أُرسلت الى مديرية الأمن العامة في الشعبة الخامسة والمختصة بمن سَموا بالرجعية , وفي قاعة كبيرة شاهدت مجموعة كبيرة من المعتقلين وفيهم مَن إتهموا بجرائم مخله بالشرف والمخدرات والسرقات.
نقيب إدوار من الحرس القومي البعثي الى ضابط أمن !.
المعروف إنه في الستينات تشكلت مجاميع من الشباب القومي البعثي تحت عنوان الحرس القومي السيئ الصيت, وإشترك معهم المدعو كامل العلي سليمان, وكان يحمل مسدساً ويتجول ( صائعاً متسعكاً ) مع شلة من المراهقين! العروبيين بلباس عسكري ومسدسات في شوارع الحبانية وتعلّم الآثورية كعادة عرب واكراد الحبانية, وتحدث بها بطلاقة, وكانت مهمتة في الأمن العامة التعامل مع القضايا المتعلقة بالقضية الآشورية والمسيحية, بعد أن إتخذ لنفسه إسم ( النقيب إدوار ) كعنصر أمني, لينال ثقة المتهمين والمراجعين لدائرة الأمن. ومن جانب آخر أراد إدوار الإستفادة من علاقاته مع الوسط البعثي من أبناء شعبنا واللامنتمين الى مبدأ وفكر لمتابعة الطاقات القومية النشطة, ومع البعض الذين نسميهم وبدون تردد بالسُذج المرعوبين من السلطة وأجهزتها القمعية وكان على رأسهم المدعو شموّيل جيري الجبان الرعديد, الذي قادته ضحالته الى التعاون مع الأمن لإعتقال الشهيد يوبرت في الوقت المناسب وبحوزته جريده بهرا كدليل. ( يُتبع).