ابراهيم برخو
الفن بحد ذاته هو صناعة الجمال، وذلك بتحفيز الأثارة وتشكيل القيمة الظاهرية للعمل الفني بكل أنواعه. هكذا هو الحال مع الفنان التشكيلي، حيث يقوم بأشاء عمل بصري ، للتعبير عن مهارته الفنية،وأن يضع العمل الفني موضع التقدير، للجمال الأخاذ في العمل الفني المتميز.
ونحن في هذا المقال إذ نقف عند هذا التعريف المبسط للفن والفنان سنسلط الضوء على أحد فناني شعبنا الكلداني السرياني الآشوري وهو الفنان التشكيلي القدير طارق ميخائيل، والذي يعتبر وبحق مبدع لأمتلاكه المهارة الأبداعية، حيث شارك الفنان في العديد من المعارض وحاز على الكثير من الجوائز والتي أهلته لأن ينطلق عبر نافذته الفنية لأن ينال ثناء وأعجاب من المهتمين بشؤون الفن التشكيلي العراقي.
حول رؤيته الفنية كان لي لقاء متميز في مرسمه الصغير بمساحته والكبير في الأنجاز ! والذي يعتبر وبحق صومعته الوحيدة، التي يلجأ اليها كل يوم ، ومن هذه الصومعة المبطنة بلوحات عديدة، زاهية بألألوان، كأنها قناديل تضئ الجدران، فهناك صور عديدة للسيد المسيح وأمه مريم، صور بورتريت ، لوحات شعبية، مستشرقين، وصور لأديرة ، وطبيعة خلابة، وخيول وصقور، صور عديدة لمهن وحرف، حيث تنتقل الصور من مدرسة لأخرى بداية في الكلاسيك لتنتقل الى الأنطباعية ثم الى الأنطباعية الواقعية ، لتؤكد لنا عمق وغزارة الخزين الفكري والفن الأبداعي لدى الفنان طارق ميخائيل.
مشاهد الشخوص التي تكررت في اكثر من لوحة، والتي بسببها نال شهرة في رسم الشخصيات التاريخية كالبورتريت أو صور لقديسين عبر التاريخ،أو حتى الصور الشخصية كانت هي الأخرى محاولة من الفنان ان يرسم الجسد حاملا لروح تلك الشخصية، وأعطاها من النقاوة في اللون بحث أعطى الرسم إحساسا غريبا تحس إن الفنان موجود دائما ، ويعرفنا بأن ذاته حاضرة في كل الأعمال.حيث يحاول التعرف على الذات من خلال العمل و التجربة .
سألته ما سر وجودك في كل اللوحات ؟
جاء جوابه غير متوقعا، فقال ” يعود ذلك بسبب العلاقة بين العقل الباطن والعقل الواعي الذي أتمتع به ” ، لأقتبس منه معلومة بان له من الخزين الفكري الذي هو منجم المشاعر والأحاسيس والطموح والذكريات التي هي خارج العقل الواعي ليربطها مع العقل الواعي والذي يصدر التحذيرات ليخرج العمل الفني محملا بالوعي المطلوب وبالصورة الفنية المطلوبة .حتى إن الموسيقى كان لها الدور في إنجاز العمل الفني ، لكونها سرا نفسيا وراء تلاعب المشاعر ، لذلك أراه يرسم على أنغام موسيقى هادئة أو أغان هادئة كأغاني الفنان الشهير (آشور بيث سركيس) ، أو ترانيم كنسية لمطران القوش للمثلث الرحمات (أفرام بدي) رحمه الله.
بشكل شخصي ، يهمني أن أشير الى إن دراسته في كلية الفنون الجميلة ببغداد والتي تخرج منها عام 1969 ، هي التي مكنته في الألتقاء مع العديد من رواد الفن العراقي كأن يكون تلميذا لهم أو مشاركا أياهم في معارض مشتركة ، حيث تتلمذ على يد الفنان والأستاذ إسماعيل الشيخلي ( الفنان المختص بالمائية وعلم المنظور)، والفنان الرائد في مجال النحت الفنان ( محمد غني حكمت) في النحت البارز، وعلى وجه الخصوص الفنان النحات عبد الرحمن الكيلاني والمختص في النحت المدور.
أما في الجانب التحليلي للأعمال الفنية التي أبدع فيها الفنان طارق ميخائيل، كانت لي مناقشة مستفيضة للوحة للفنان مايكل أنجلو (لوحة الأم الحنون) والتي هي أصلا عملا نحتيا يطلق عليها تمثال (بيتتا ، Pieta) والتي تجسد فيها السيد المسيح وهو في حضن أمه بعد إنزاله عن الصليب والموجودة حاليا في كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان ، نالت حينها أستحسان الفنانين العالميين، رسمها الفنان طارق ميخائيل على لوحة سطح مستوي، تفنن فيها الى درجة أعطاها عمقا جعله لأن ينحت الثوب نحتا يفوق الوصف بطياته وبكل تفاصيل طيات القماش المتجانسة مع وجه مريم العذراء والجسد العاري للسيد المسيح، وما زاد من روعة اللوحة، هو أعطاء ملمس وبريق المرمر على سطح مستوي والتي رسمها قبل عدة سنوات، ويضيف الفنان قائلآ ” كل يوم أكتشف إن اللوحة تحتاج لأضافة جديدة وللمسة جديدة ، كي تظهر اللوحة أحلى وأجمل بكل مقاييس الفن الواقعي . علما إن الفنان طارق ميخائيل تخرج من قسم النحت، ولكن أنتقل الى فن الرسم التشكيلي لولعه بفن الرسم منذ نعومة أظفاره ، ممسكا طريق الرسم الذي أتاح له عالما اقرب الى ذائقته الفنية والتخصص في ذات المجال.
وهكذا تبلورت الشخصية الفنية للفنان طارق ميخاثيل من خلال العمل الشاق والمضني والمتواصل ردحا من الزمن، متنقلا بين مدينة كركوك وبغداد . مستمرا على نفس المنهج وهو الآن يعيش مع أسرته في مدينة برامتن في كندا، وذو قدرة على التكيف مع المشاعر المختلفة التي يجلبها له الفن ،فنانا مخضرما لايعرف الملل، بل يعرف ما يريد ، متواضعا منسجما مع المجتمع الذي فيه كل التناقضات ، منكبا على متابعة أخبار الفن والتطور الحاصل في كل الميادين ، مستلهما روح الأبداع من التفاني والأخلاص للعمل.