زوعا اورغ/ وكالات
لم توقظ الأشهر الاربع وعشرين شارع الكرادة داخل في وسط بغداد من موته السريري، بعدما شل التفجير الدامي حركته بسقوط أكثر من 400 شهيد، وسط خوف وقلق ما زالا مسيطرين على نفوس عائلات ضحايا الاعتداء والناجين منه، لاسيما مع استمرار البحث عن جثث مفقودة لم يتم التعرف عليها لغاية الان،وسط تساؤل اهالي الضحايا عن مصير اللجان التي شكلت لكشف المتورطين.
في الثالث من تموز/ 2016، وقبل ثلاثة أيام من عيد الفطر آنذاك، فجر انتحاري حافلة مفخخة أمام مجمعين تجاريين في منطقة الكرادة – داخل، وسط بغداد، ما أسفر عن استشهاد اكثر من 400 شخص. ولا يزال بعضهم في عداد المفقودين حتى الآن.
وتقول دائرة الطب العدلي التابعة لوزارة الصحة في (30/5/3018) انها دفن سبعة جثامين لشهداء دون التعرف على هويتهم لضحايا فاجعة الكرادة وبالتعاون والتنسيق مع الامانة العامة لمجلس الوزراء.
ويضيف مدير عام الدائرة زيد علي عباس أن هذه الحالات هي جزء من المجموع الكلي لمطابقات فحص شهداء الكرادة والبالغ عددهم 169 شهيدا.
ويعتبر تفجير الكرادة الأعنف من نوعه من حيث عدد الضحايا، منذ احتلال العراق عام 2003، إذ بلغ عدد الشهداء اكثر من 400 علاوة على مئات الجرحى وفقاً لوزيرة الصحة عديلة حمود، كما يعد التفجير الأكبر من حيث عدد الشهداء، بعد تفجير مماثل في حي الزنجيلي الشهير بمدينة الموصل، نهاية كانون الثاني 2008، والذي حصد 400 شهيد وجريح، بعضهم دُفنوا أحياء داخل منازلهم.
وبعد يومين من التفجير، قدّم وزير الداخلية انذاك محمد الغبان استقالته، ملقياً اللوم على وزارة الدفاع التي تمسّكت بالملف الأمني للعاصمة، أعقبه ببيان آخر، اتهم فيه رئيس الوزراء حيدر العبادي بـ”تحريف الحقائق وربطه الاستقالة بتفجير الكرادة لإلقاء اللوم على وزير الداخلية وتحميله المسؤولية”.
ويقول الخبير والمحلل الامني فاضل ابو رغيف ان تفجير الكرادة يعتبر انتكاسة وجريمة ،كاشفا عن القاء القبض على احد المنفذين لهذه العملية.
ويضيف ابو رغيف في حديث لـ«الجورنال» ان خلية الصقور تمكنت من القبض على احد المنفذين لهذه الجريمة”، مضيفا انه تم قتل منفذ اخر كان يرتدي حزاما نافسا في احدى مناطق بغداد الغربية”.
وشكل البرلمان الذي انتهت فترته الدستورية السبت الماضي، أكثر من 30 لجنة تحقيقية، وحققت في قضايا مهمة ومصيرية، والبعض منها خرجت بنتائج خطيرة، لكن في النهاية لم يتحقق شيء على أرض الواقع وانتهت النتائج في أدراج الحكومة والسلطة القضائية وهيئة رئاسة البرلمان من بينها تفجير الكرادة التي تم تعلن نتائجه بشكل رسمي ولم يتم التحقيق مع اي شخصية امنية او مدنية.
وذكر تحقيق اللجنة البرلمانية تفاصيل الحادث وكان “عبارة عن انفجار عجلة مفخخة نوع (هونداي ستاركس) تحمل لوحة أرقام بغداد/ أجرة، رصاصي اللون موديل (2008) تحتوي على مواد شديدة الانفجار يقودها انتحاري تم تفجيرها أثناء المسير مستهدفاً أرواح المواطنين، وحدث الانفجار بمحاذاة مول (هادي سنتر) ومول (الليث) والمباني المجاورة، وكذلك المحلات التجارية”.
وعن نوع المواد المتفجرة المستخدمة بالعجلة الملغومة، أفاد التقرير بأنه “وبعد الفحص تبين أن المواد المستخدمة في تفخيخ العجلة كانت عبارة عن نترات الامونيوم مخلوطة مع برادة الألمنيوم مع C4 (شديدة الانفجار) بكمية تُقدر بـ (250 كغم) حسب تقرير قسم المختبر والتصوير الجنائي لمديرية مكافحة المتفجرات”.
ولفت الى أن حجم الأضرار والخسائر الناجمة عن الانفجار، “أدى الى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، وتضرر 13 مبنى بين بناية ومحلات ومن ضمنهم مول (الليث) ومول (سنتر)، وتضرر 9 عجلات”.
وتعد الكرادة من أبرز المناطق التجارية في العاصمة بغداد وعادة ما تشهد توافد أعداد كبيرة من أهالي بغداد للتبضع من محالها.
لكن الحال انقلبت في المنطقة التي كانت يوما تعج بالحياة. فتبدو غالبية المتاجر خالية من زبائنها، رغم موسم عيد الفطر الذي امتدت عطلته أسبوعا في العراق.
من بين المتاجر، ذاك الذي يملكه سامي عزيز (40 عاما)، في المجمع الملاصق لـ”الليث”، والذي أعيد ترميمه مؤخرا.
يقول عزيز “جددت المتجر لأجدد الحياة. لدينا أمل، ولكننا فقدنا الأحبة، وبصراحة ما زال الخوف موجودا”.
ويضيف عن شعوره بعد عامين من الفاجعة “أرى من فقدتهم أمامي يوميا، أشعر كأنهم يعيشون معي. نريد أن ننسى ولا نقدر على النسيان.
أمام أحد المجمعين، الذي لا يزال على حاله مهجورا منذ الاعتداء، تجمع نحو 300 شخص لإحياء ذكرى الضحايا، حيث قام بعض من الأهالي بتحضير الطعام من أرز ولحم وحلويات وتوزيعها على الحاضرين.
يقول ليث فاضل الحسين (42 عاما) وهو يتصبب عرقا قرب قدر من اللحم بفعل درجات الحرارة المرتفعة في بغداد: “أشعر وكأن التفجير وقع البارحة. كنت قريبا جدا من المكان. لم نتمكن من فعل شيء من هول الصدمة”.
ويضيف الرجل الاربعيني الذي خسر أربعة من أولاد عمومته وابن اخته في الاعتداء، “حين آتي إلى هنا، أشعر بحرقة قلب شديدة. ماذا أقول؟ كل الكلام قليل، هذا أمر الله”.
إلى جانبه، يقوم صادق عيسى (43 عاما) بتعبئة صحون الأرز من دست كبير يتحلق حوله خمسة أشخاص.
عيسى، الذي لا ينفك عن دعوة الحاضرين إلى “الصلاة على محمد وآل محمد” بين الفينة والأخرى، فقد تسعة أشخاص هم أبناء أخيه وزوجاتهم وأطفالهم.
ويقول، “بعد سماعه الخبر، أصيب والدي بجلطة، وأمي صارت مقعدة، تقلب صفحات القرآن بأنفها”.
بعد مرور عامين على المجزرة، يؤكد عيسى وهو يحبس دموعه بابتسامة مصطنعة “نحن لا ننام أنا من الناجين، رأيت أبناء إخوتي مذبوحين في الركن، إنها كواقعة الطف”.
وتعد الكرادة من أبرز المناطق التجارية في العاصمة، وعادة ما تشهد توافد أعداد كبيرة من أهالي بغداد للتبضع من محالها.