زوعا اورغ/ وكالات
في الموصل تدب الحياة على وقع آثار معارك ضارية ودمار كبير، والأهالي هناك يذكرون بغصة سنوات عجاف قضوها مرغمين تحت سطوة أقسى احتلال استباحهم على حين غرة في مثل هذا اليوم عام 2014 وجثم على صدورهم زهاء ثلاثة أعوام قبل إزالته.
دفاعات كبيرة ومعسكرات مترامية الأطراف مدججة بالسلاح والعتاد زد على ذلك أعداد ضخمة لمنتسبي القوات المسلحة على الأرض، كلها تهاوت فجأة في (10 حزيران 2014) ليشهد العراق صدمة مروعة ليس لها مثيل، والإجابة عن أسبابها حملت العديد من الأوجه التي لم تخلو بعضها من الغرابة، ما هي الصدمة التي حصلت وأدت الى هذه الكارثة؟.
وبهذه المناسبة، قال الخبير الأمني المخضرم الفريق المتقاعد وفيق السامرائي في حديث لـ«الجورنال نيوز»، “قلت حينها اذا فقدت السيطرة في الموصل سيكون الوضع اكثر تعقديا من الانبار بمائة مرة”، محذرا من أن “انتهاء حقبة داعش لاتعني انتهاء صفحات تآمرية أخرى يراد بها ضرب وحدة العراق واستقراره وأمنه ومنع تقدمه، وأفضل وسائل الردع أن يكون قويا وله أجهزة ترصد كل شيء في مناطق التأثير الإقليمي وتقرأ النيات المريبة كما تقرأ كتابا مفتوحا”.
وينصح السامرائي الحكومة المقبلة، بـ”تطوير مؤسسات الاستخبارات لتصبح الأولى إقليميا ومن الأجهزة المتقدمة دوليا، ومواصلة بناء قوات مسلحة مجهزة بأحدث التجهيزات من دون ترهل”، مؤكدا “ضرورة الاهتمام بالشرطة المحلية، لتكون حركتها كالنمور بسرعة الاستجابة والوصول الى الهدف. والمحافظة على حقيبتي الدفاع والداخلية الحاليتين بعيدا عن تغييرات الحكومة ومحاصصات السياسة والأحزاب والطوائف”.
ويدعو السامرائي الى “العمل بشكل مستقل بعيدا عن التكتلات العربية والاسلامية ودون الخضوع لمقررات وأوهام، ورفض مسميات التفتيت والتشرذم الداخلية، وعدم الاقرار بأي دور قيادي إقليمي على حساب العراق”.
وتتضارب أرقام الإحصاءات لتي تتعلق بمعركة الموصل، والخسائر البشرية المترتبة عليها، وعدد المدنيين الذين قضوا فيها، حيث ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية، نقلًا عن تقارير استخباراتية، أن عدد من قتل من المدنيين وصل إلى 40 ألف قتيل، فضلًا عن عدد أكبر من ذلك من المصابين وأصحاب الإعاقات، وأشار التقرير إلى أن هذا العدد من الضحايا سقط نتيجة القصف الجوي والاشتباكات الأرضية، فضلًا عن أعداد كبيرة سجلت بسبب استهداف مسلحي “داعش” للمدنيين الفارين خلال المعركة.
وأشارت تقارير أخرى إلى سقوط نحو 16 ألف مدني، منذ بدء المعركة وحتى مايو (أيار) 2017، في حين ترفض الحكومة العراقية هذه الأرقام، لافتة الى أنها “مبالغ فيها”، حيث أن عدد من قتل في المعركة، بحسب إحصائياتها لم يتجاوز 4 آلاف مدني.
وبحسب وثيقة صادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين العراقية في نهاية شهر تشرين الثاني نوفمبر 2017، تسبب كارثة الموصل بنزح نحو 5 ملايين عراقي، توزعو في مخيمات النزوح ودول الجوار.
وقدرت الخسائر الاقتصادية للحرب ضد الإرهاب بـ 100 مليار دولار، تشمل كلفة الدمار والخراب في الاقتصاد والبنى التحتية في المدن التي سيطر عليها “داعش”، عدا المعدات العسكرية والذخيرة والأموال اللازمة للمعارك التي خاضتها القوات الأمنية على امتداد ثلاثة أعوام.
وفي مثل هذا اليوم أحكم تنظيم “داعش” السيطرة على مدينة الموصل ودخل منشآتها، وأهمها مبنى محافظة نينوى والمطار، والقنوات التلفزيونية، وأعقب ذلك إطلاق ألف سجين من سجن بادوش المركزي، لتلقى اللائمة على قيادة عمليات نينوى وقيادة القوات المسلحة التي كانت تمسك زمام الامور آنذاك.
وبات “داعش” حينها التنظيم الإرهابي الأكثر غنى في العالم، بعد وضع يده على مليارات الدولارات والمسكوكات الذهبية الى جانب أهم المواقع الأثرية، واستحواذه على معدات عسكرية هائلة تقدر بالمليارات.
وبحسب خبراء، فإن أسباب سقوط الموصل تعود إلى عدة عوامل اشتعلت بها قنوات الإعلام العربية والعالمية يأتي على رأسها عدم كفاءة ومهنية القادة اللائي هربوا تاركين جنودهم، وتعاطف السكان المحليين في الموصل مع القوات المهاجمة، فضلا عن سوء منظومة التنسيق والتوصل والترابط بين القيادة والجنود، وكذلك الجهود الدولية التي بذلك من قبل الداعمين لمشروع تقسيم العراق.
وفي سياق هذه “الانتكاسة”، قالت الحكومة العراقية حينها، إن التحالف الدولي لم يوجه إلا غارات جوية قليلة على مواقع المسلحين في محيط الرمادي قبل سقوطها، ويبدو أيضا أن الإرهابيين تأقلموا مع الظروف الجديدة بسرعة واستطاعوا تقليل خسائرهم جراء الغارات الجوية.
وعقب سقوط الموصل شكل البرلمان العراقي لجنة تقصي الحقائق برئاسة حاكم الزاملي النائب عن كتلة الاحرار التي يتزعمها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بعضوية 26 ، 17 منهم صوتوا لصالح التقرير الذي يتهم 35 متهماً بالتقصير.
وتضمن التقرير أسماء المسؤولين العسكريين المتهمين في قضية سقوط الموصل ومنهم، رئيس اركان الجيش آنذاك بابكر زيباري، وقائد قوات المشتركة عبود قنبر، وقائد قوات البرية علي غيدان، وقائد عمليات نينوى مهدي الغراوي، ومسؤول مكتب المالكي انذاك، فاروق الاعرجي، ومحافظ نينوى أثيل النجيفي، ونائب محافظ نينوى نورالدين قبلاني، ووزير الدفاع السابق سعدون الدليمي، ومدير الاستخبارات العسكرية حاتم مكشوش، فضلا عن قائد فرقة الثالثة للقوات البرية في الجيش العراقي العميد ركن هدايت عبدالرحيم، وقائد الفرقة الثانية في الجيش العراقي، وقائد قوات الشرطة خالد حسين، وعضو مجلس محافظة نينوى هدى زكي، والقنصلية التركية في الموصل، وقائد لواء الخامس في الجيش العراقي، وقائد في قوات “زيرفاني” التابعة للبيشمركة العميد خيري، وقائد صحوة الموصل الشيخ أنور ندى.
والوحيد الذي صدر بحقه حكم لم ينفذ على خلفية أحداث الموصل، هو الفريق الركن مهدي الغراوي الذي كان يشغل منصب قائد عمليات نينوى إبان سيطرة تنظيم “داعش” على المحافظة، الذي يواجه حكما بالإعدام رميا بالرصاص، وحجز أمواله المنقولة وغير المنقولة، وفق وثيقة صادرة عن رئاسة أركان الجيش.
وعلى امتداد ثلاثة أعوام دفع العراق ثمنا باهظا من الشهداء والأموال ولخسائر لحين اعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي (10 تموز 2017) تحرير الموصل بالكامل على يد القوات العراقية من قبضة تنظيم “داعش الارهابي.