زوعا اورغ/ وكالات
شن السلطات الكردية في شمال العراق حملة ضد وسائل الإعلام التي تغطي الاحتجاجات المناهضة للحكومة، كما قال صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان في الإقليم الذي عرف على مدى عقود بأنه ملاذ آمن للفارين من الضغوط في المناطق الأخرى في البلاد.
ولعقود، لجأ عراقيون فارون من المجموعات المسلحة والقبائل ونفوذ السياسيين في المناطق الأخرى في البلاد، إلى هذه المنطقة التي تشهد حاليا تظاهرات تصاعدت في الأشهر الأخيرة ضد حكومة الإقليم، احتجاجا على عدم دفع رواتب موظفي الدولة والتوغلات التركية في المناطق الحدودية.
ويقول المتظاهرون والمدافعون عن حقوق الإنسان، إن التظاهرات قوبلت برد قاس من قوات الأمن، مع استهداف المراسلين الصحفيين بشكل متزايد أيضا.
وأفاد مركز مترو للدفاع عن حقوق الصحفيين، في بيان، أنه “بالرغم من القوانين التي تضمن حقوق الإعلام في الإقليم، إلا أنه عند اشتداد الأزمات السياسية والإقتصادية، تصب عمليات التضييق على الإعلام إلى حد الخنق”.
وسجل المركز نفسه 88 انتهاكا ضد 62 صحفيا ووسيلة إعلام في النصف الأول من 2020، مشيرا إلى أن الضغوط على المراسلين اشتدت منذ منتصف يونيو.
وخلال الأسبوع الماضي وحده أغلقت قوات الأمن الكردية (الأسايش) بالقوة مكتب قناة “آن ار تي”، التي كانت تغطي الاحتجاجات في زاخو القريبة.
وقال، هونر إحسان، نائب المدير العام للقناة، لوكالة فرانس برس، “بعد منتصف الليل، اقتحمت قوة من الأسايش مكتب قناتنا في دهوك وقاموا بمصادرة جميع أدوات العمل الصحفي واعتقلوا مراسل القناة في زاخو أحمد زاخوي ولم يفرج عنه حتى الآن”.
وبعد ساعات، أغلقت الشرطة مكتب “ان آر تي” في إربيل عاصمة الأقليم، ما أثار سلسلة من الإدانات من قبل جماعات حقوقية محلية ودولية.
وكتبت جمعية الدفاع عن الصحفيين “حماية” أن “هذا التصعيد في المضايقات ضد “أن آر تي” غير عادل وغير ديموقراطي، ويطرح السؤال عن سبب خوف السلطات من المذيع لدرجة أنها تضطر إلى إغلاق مكاتبها”.
من سيء إلى أسوأ
ترتبط جميع وسائل الإعلام في المنطقة الكردية تقريبا بشخصيات أو أحزاب سياسية، مثلها مثل باقي أنحاء العراق.
لكن حريات الصحافة هناك مكفولة بموجب قانون صدر في 2009، وأثنت عليه المنظمة غير الحكومية الحقوقية “فريدوم هاوس” في ذلك الوقت لمنح المراسلين “حريات غير مسبوقة.”
وقال الصحفي المستقل ياسين طه “من الناحية النظرية يتمتع إقليم كردستان بهامش من الحرية عبر امتلاكه قانونا مقبولآ إلى حد ما لتنظيم العمل الصحفي”.
في الواقع، وجهت انتقادات قليلة إلى النخبة الحاكمة. إلا أن الوضع الاقتصادي والصحي العام أصبح لا يطاق بسبب عدم دفع رواتب موظفي الدولة منذ أشهر، ما زاد مشاكل الاقتصاد الاستهلاكي الذي تضرر بشدة من عمليات الإغلاق المفروضة في أعقاب جائحة كورونا.
وتصاعدت الاحتجاجات على الفساد والهدر الحكومي، عندما شنت تركيا هجوما بريا وجويا نادرا على المسلحين الأكراد في المنطقة في يونيو.
وانتقد كثيرون صمت حكومة إقليم كردستان بشأن العملية واتهموها بأنها تغض الطرف عن الغارات الدموية التركية.
وقال طه إن “الأوضاع في كردستان العراق تتجه من سيء إلى أسوأ جراء تراكم الفشل”، مؤكدا أن “الاحتجاجات تغلي ولا يمكن تكميم الافواه”.
وأضاف أن “إغلاق القنوات لا يمكن ان يكون حلا لهذه الانتكاسات المتوالية على مدى السنوات الثلاث الأخيرة”.
وحذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في يونيو من أن حكومة إقليم كردستان كانت تستخدم مواد قانونية تتعلق بالتشهير والشتم في قانون العقوبات وقوانين أخرى لاستهداف المتظاهرين والصحفيين.
“زمن التلفزيون الواحد ولى”
قالت “هيومن رايتس ووتش” إن رجلا أمضى 29 يوما رهن الاحتجاز لبثه مباشرة احتجاجا على شبكات التواصل الاجتماعي في يناير. لكن لم يوجه إليه أي تهمة في نهاية المطاف.
ونقلت عن عراقي كردي آخر أنه دفع أموالا للأسايش ليتم الإفراج عنه. وقالت “أخبروه أنهم قد يتصلون به في وقت آخر”.
وحثت المنظمة غير الحكومية، حكومة إقليم كردستان على تعديل قوانينها لإزالة “الأحكام الغامضة” التي تسمح بالضغط على وسائل الإعلام والنشطاء.
وناشد آخرون الأمم المتحدة.
وكتب ستة من أعضاء برلمان بغداد إلى مسؤولة الأمم المتحدة العليا في العراق جينين هينيس بلاسخارت الجمعة، لحثها على “الضغط على مسؤولي حكومة إقليم كردستان لاحترام الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين”.
وقال رحمن غريب من مركز “مترو” إن ضغط الدولة على قنوات مثل “إن آر تي” لن يؤدي إلا إلى حشد مزيد من الجمهور ضد سلطات الدولة.
واوضح أن “منع هذه القناة من نقل الأعمال والنشاطات المعارضة للسلطة، سيجعل الناس يحاولون بشتى الطرق والوسائل إيصال رأيهم، وهذا سيخلق آلاف من “أن آر تي” وسيصبح الناس مراسلين لها في كل الأماكن”.
وأضاف غريب أن “زمن التلفزيون الواحد والراديو الواحد والجريدة الواحدة ولى، ولن يعود، وكل مواطن أصبح له تلفزيونه وجريدته والراديو الخاص به (…) إنهم يستطيعون أن يوصلوا أصواتهم ومطالبهم وآرائهم، مثلما كانت تفعل قناة آن ار تي”.